khaseeb
khaseeb
أعمدة

نبض المجتمع : هل نشجع على الاختلاف؟

10 أبريل 2019
10 أبريل 2019

خصيب عبدالله القريني -

نعيش في هذه الحياة بطرق وأساليب مختلفة، فكل منا له حياته وأعماله الخاصة التي تميزه عن غيره من البشر، وربما هذا الاختلاف هو في حد ذاته نعمة من النعم التي انعم بها الله عزو جل على البشرية جمعاء، فلو كنا نعيش على نمط وسياسة واحدة لاختلت الحياة وتضاربت الأمور، وذلك ناتج من ان كل منا يملك مهارات واهتمامات مختلفة، وبالتالي يكيف وضعه بناءً على هذه المهارات والاهتمامات.

لكن الواقع يقول إننا في كثير من الأحيان لا نملك القدرة على تحديد مهاراتنا وقدراتنا التي نمتلكها، وهنا يكمن الخلل الذي نعاني منه جميعا، فنبني سياستنا وحياتنا الشخصية بناء على قدرات لا نملكها، وبالتالي نصل الى إشكاليات تنغص علينا مسيرتنا في الحياة، ولكن أولئك الذين خبروا ما يمتلكون من مهارات وقدرات وطاقات وعرفوا مكامنها، هم من كانت حياتهم الشخصية في الطريق الواضح الذي بني بشكل سليم ومتناسق.

ان وجود مؤسسات علمية متخصصة بالتعاون ما بين المدرسة والبيت هي الطريق الذي من خلاله يمكن ان نصنع مجتمعا راقيا يمتلك أعضاؤه القدرة على توظيف إمكانياتهم، ليس لخدمة انفسهم فحسب بل في النهاية خدمة مجتمعهم، وبالتالي نصل في النهاية الى مستوى حضاري متقدم، وهذا هو حال الأمم المتقدمة، فهي لم تتطور عبثا بل وضعت كل شخص في مكانه الصحيح بناء على إمكانياته وقدراته ومواهبه، فكانت النتيجة واضحة ومحددة ومعلومة.

أتذكر أوائل المحاضرات التي درستها في أصول التربية وعلم النفس عندما كان يتحدث الدكتور المحاضر عن أسلوب المدرسة الأمريكية مثلا، ففي المدرسة هنالك مكان مخصص لتعلم الميكانيكا والطبخ والرسم وآخر لتعلم الموسيقى وهكذا، والمعيار هنا مدى ما يمتلكه الطالب من مواهب وإمكانيات ورغبات اتجاه أي علم من هذه العلوم، وبالتالي لا يمكننا هنا صنع قوالب واحدة لأننا في النهاية سنحصل على منتج واحد، ولكن يمكننا ان نصنع نماذج مختلفة باختلاف الحياة ونواميسها وبالتالي يحدث التكامل ما بين أفراد المجتمع، ويصبح كل منهم مبدعا في مجال عمله وفقا لمايمتلكه من مهارات تختلف عن الطرف الآخر.

ويتوافق هذا الطرح أيضا مع ماتوصل اليه العالم الأمريكي جاردنر حول ما يسمى بالذكاءات المتعددة التي لا تحصر الذكاء في مجال واحد كما نفعل نحن، بل قسمها الى ثمانية مجالات، صنف من خلالها البشر وفق ميولهم واهتمامهم وإمكانياتهم، وأكد على أهمية التدريب والممارسة لصقل أي ذكاء، وبالتالي ألغى الفكرة السائدة بان الذكاء وراثي، وعندما نقارن ما ذهب إليه جاردنر بالواقع فإننا نجد بالفعل ان نظريته تلامس الوضع البشري، وأيضا التوجيه الإلهي حول قضية الاختلاف، فالاختلاف لا يجعلنا نحتاج الى بعض فقط، بل يجعلنا اكثر قدرة على التطور والتحضر في آن واحد.

ما أحوجنا اليوم الى تبني هذه الأفكار التي تعد أفكار قديمة في الغرب، تم تجاوزها الى أفكار اكثر تقدما ولكن التبني وحده غير كاف، بل ان ننفض غبار عباءة الذكاء الفطري التي نتغنى بها وننظر الى طلابنا بنظرة الاختلاف وفقا ما يمتلكوه من إمكانيات، والأمثلة من الواقع متعددة ولا حصر لها، و تبشر أن طلابنا يمتلكون القدرة على الاختلاف بل ويبدعون فيه.