الملف السياسي

غزة ومستقبل نتانياهو.. القضايا الأكثر تأثيرا

08 أبريل 2019
08 أبريل 2019

سعيد شلش -

للوهلة الأولى، يبدو الليكوديون منسجمين في مواقفهم مع نتانياهو. بالفعل، المسافة الأيديولوجية الفاصلة بين كبار المرشحين لقيادة الليكود ضئيلة نسبياً. فلا أحد منهم يؤيّد حل الدولتَين مع الفلسطينيين.

قبيل أيام من موعد الانتخابات النيابية الإسرائيلية (9أبريل)، بدت ملامح المعركة الانتخابية مختلفة تماما عن سابقاتها التي أجريت على مدى سبعة عقود، سواء من حيث تركيبة الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابية، أو القضايا المثارة في برامج المرشحين، وإن كانت قضية التصعيد على الحدود مع قطاع غزة، والتي وصلت ذروتها بإطلاق حماس لصاروخ سرعته 120كم وسقط على أحد المنازل في ضواحي تل أبيب وأصاب سبعة أشخاص، وأيضا قضايا الفساد وصفقات الغواصات وبيع أسهم بالملايين، المتهم فيها بنيامين نتانياهو والتي تلاحقه حتى الساعة، هي الأكثر تأثيرا على مجريات العملية الانتخابية.

بنيامين نتانياهو، توقع في مقابلة أجراها مع صحيفة «يسرائيل هيوم»، في الأسبوع الماضي، أن: « هناك تحولا كبيرا بين اليسار واليمين، عما كان عليه الوضع في الانتخابات الماضية عام 2015، وأن الناخبين الذين ينتمون إلى اليمين آنذاك كانوا يحافظون على درجة عالية للتصويت في الانتخابات، في حين كان ناخبو اليسار غير مبالين بالانتخابات، إلا أن الوضع في هذه الانتخابات قد انعكس تماما، ونحن أقرب للخسارة في الانتخابات، معربا عن قلقه وخوفه وتوتره إزاء هذه المعطيات التي تنبئ بخطر كبير على حزب الليكود».

المعركة الانتخابية (2019)، في إسرائيل، وصفها المفكر الفلسطيني الدكتور أسعد عبد الرحمن، بأنها: «معركة مختلفة تماما عن المعارك الانتخابية السابقة، فقد كان الموضوع الفلسطيني هو المتصدر للبرامج الانتخابية، خاصة لدى الأحزاب الكبرى. لكن الملاحظ في المشهد الانتخابي اليوم في إسرائيل، هو السيطرة الحاسمة للطروحات اليمينية بغض النظر عن تسميات حزب يميني، أو حزب وسطي، وكأن المطلوب تعمد الخلط بين اليمين واليسار. فطروحات الأحزاب المؤثرة بالمجمل، إن لم يكن كلها، ترفض حل الدولتين وتؤيد الاستعمار/‏‏ الاستيطان في الضفة الغربية، بل وباتت ترى في هضبة الجولان المحتل جزءا لا يتجزأ من إسرائيل.بالإضافة إلى الليكود، الذي يتزعمه رئيس الوزراء (بنيامين نتانياهو) والمعروف ببرنامجه اليميني المتطرف، يأتي على رأس الأحزاب المنافسة حزب «أزرق أبيض»، الذي يزعم أنه حزب يسار وسطي!! وكان هذا الحزب قد تأسس نتيجة تحالف بين حزب قائد الجيش السابق (بيني غانتس) “الحصانة لإسرائيل”، وحزب القيادي “الوسطي” (يئير لبيد) “يش عتيد”، الذي يشمل برنامجه الدعم لقدس “موحدة” كعاصمة لإسرائيل، واستمرار احتلال غور الأردن، والحفاظ على الكتل الاستعمارية/‏‏ “الاستيطانية” في الضفة الغربية، مع ملاحظة تجنبه ذكر “حل الدولتين” في برنامجه السياسي. وبالمجمل يتوافق برنامجه مع سياسة اليمين وأحيانا اليمين المتطرف، بل هو يتجاوزها في قضايا عديدة. فمثلا، هدد (غانتس) قبل أيام بالعودة إلى سياسة الاغتيالات ضد القيادات الفلسطينية في قطاع غزة، ووصف السياسة التي اعتمدها (نتانياهو) في القطاع المحاصر بـ”الضعيفة”، مؤكدًا أنه سيعمل على تغييرها.

يأتي من بعده، حزب “اليمين الجديد”، الذي أقيم حديثا برئاسة وزيرة القضاء (أيليت شاكيد) ووزير التعليم (نفتإلى بينيت)، بدافع معلن هو استقطاب المزيد من العلمانيين اليمينيين، كحزب قادر على منازعة (نتانياهو) على أصوات اليمين. وموقفه واضح جاء على لسان (بينيت): “اليمين هو اليمين، بدون ولكن.. أو تقريبًا. اليمين هو ضد إقامة دولة فلسطينية، وضد إطلاق سراح الأسرى”.كذلك الحال مع حزب “هوية” الذي شكل برنامجه السياسي صدمة مرعبة، وفق عدد من المراقبين، كونه يدعو لإلغاء الوجود الفلسطيني والاكتفاء بدولة واحدة: هجرة طوعية للفلسطينيين، وطرد للسلطة، وفرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى وبناء كنيس فيه، والضفة الغربية ضمن الدولة اليهودية. وقد برز الحزب ضمن قائمة الأحزاب المرشحة بقوة لدخول الكنيست، ويرأسه القيادي السابق في “الليكود” اليميني (موشيه فايغلين) الذي يزعم أن “القدس بشكل عام وجبل الهيكل على وجه الخصوص، هي في جوهر الوجود القومي اليهودي عبر الأجيال”، وأن القدس الكبرى ستضم كذلك “بيت لحم ومستوطنات غوش عتصيون في الجنوب، وبيت شيمش وموديعين في الغرب، ومدينة رام الله في الشمال، ومعاليه أدوميم وأريحا في الشرق.

وتبقى فضائح الفساد التي تلاحق بنيامين نتانياهو، هي الأكثر سخونة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومن أبرزها ما ذكرته صحيفة «هآرتس»، أن مكتب المدعي العام الإسرائيلي يدرس فتح تحقيق جنائي جديد ضد نتنياهو، حول أرباح جناها من شراء أسهم في مصنع للحديد في ولاية تكساس الأمريكية. واتهم قادة تحالف «أزرق أبيض» نتانياهو بتلقي مبلغ 16 مليون شيكل (4.5 مليون دولار) لجيبه الخاص.

وكانت محطتا التلفزيون الإسرائيليتان 12 و13 قد قالتا:»إن قيمة أسهم نتنياهو في شركة الحديد «سي دريفت» التي كان يديرها ابن عمه ناثان ميليكوفسكي تضاعفت أربع مرات من 2007 إلى 2010، على الرغم من أن أداء المصنع كان ضعيفًا في تلك الفترة. وأن نتانياهو حصل على حصص في سي دريفت، بقيمة 4 ملايين شيكل (حوالي 1.1 مليون دولار)، بينما كان يشغل منصب رئيس المعارضة، وباع الأسهم بعد حوالي 19 شهراً من انتخابه رئيسًا للوزراء، مقابل 16 مليون شيكل على الأقل». وكانت الشرطة الإسرائيلية قد استبعدت في الماضي علاقة لنتانياهو، بصفقة شراء غواصات من ألمانيا أُطلق عليها «الملف 3000». ولكن محطات التلفزيون الإسرائيلية ربطت بين هذه القضية، والقضية الجديدة.إضافة إلى ملفات الفساد التي تحاصر نتانياهو، وجهت حركة حماس ضربة قوية له في توقيت حساس، من خلال تشر كتائب القسام، فيديو جديد حول الجنود الإسرائيليين الأربعة الأسرى لديها عنوانه #حكومتكم - تكذب في إثارة لقضية حساسة وفي وقت حرج، للتأثير على الشارع (الإسرائيلي)، وإثارة الجدل في الأوساط الإسرائيلية، تزامنا مع المعركة الانتخابية، وهو ما تحقق بالفعل.

وترفض «حماس»، بشكل متواصل، تقديم أية معلومات حول الجنود الأسرى لدى ذراعها المسلح كتائب القسام إلا أن عددا كبيرا من المراقبين اعتبروا أن الرسالة جاءت في الوقت المناسب، وستساهم بالضغط على صورة نتانياهو في الانتخابات لذلك أوقف نشرها في وسائل الإعلام العبرية.

وتعود جذور قضية الجنود الإسرائيليين الأربعة الأسرى لدى حماس، إلى سبتمبر 2015، عندما عرضت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، صور أربعة جنود إسرائيليين هم «شاؤول آرون» و«هادار جولدن» و«أباراهام منغستو» و«هشام بدوي السيد»، رافضة الكشف عن أية تفاصيل تتعلق بهم دون ثمن.

هآرتس، رأت أن: «سياسة نتانياهو، التي وصفتها بـ «المعيبة»، تجاه غزة تسببت في هجوم الجميع عليه، في اليسار واليمين. وفي الوقت نفسه شارك منافسه بيني جانتس في عمليتين في غزة في عامي 2012 و2014، بينما كان رئيسًا لأركان جيش الاحتلال، وتم انتقاده وقتذاك لعدم تجهيزه الجيش للقتال في المناطق الحضرية وتحت الأرض».ومع تأثير السجال المحيط بنتانياهو على صورة الليكود في نظر الرأي العام، يواجه الحزب التقليدي في اليمين الإسرائيلي تهديداً انتخابياً خطيراً من الوسط الذي رسّخ موقعه مؤخراً. عندما أعلن الجنرال المستقل بيني غانتز، في أواخر 2018، عن نيته الترشح لرئاسة الوزراء، وسرعان ما جذب إليه جميع الأحزاب السياسية تقريباً، بدءاً من الليكود اليميني وصولاً إلى حزبَي «يش عتيد» والعمل اليساريَّين بهدف التودّد إليه وجذبه إلى صفها. لكنه قرّر في ديمسبر الماضي تأليف حزبه الوسطي «حصانة لإسرائيل». وفي يناير، انضم إلى موشيه يعالون، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي سابقاً ومؤسّس حزب «تيلم»، لتشكيل التحالف الانتخابي «كاحول لافان» (أزرق أبيض). وانضم الحزب الوسطي «يش عتيد» (هناك مستقبل)، بقيادة وزير المال السابق يائير لابيد، إلى التحالف في فبراير، ونجح بإقناع غابي أشكنازي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي سابقاً، بالانضمام أيضاً إلى الحملة.

للوهلة الأولى، يبدو الليكوديون منسجمين في مواقفهم مع نتانياهو. بالفعل، المسافة الأيديولوجية الفاصلة بين كبار المرشحين لقيادة الليكود ضئيلة نسبياً. فلا أحد منهم يؤيّد حل الدولتَين مع الفلسطينيين. ويتنافسون في ما بينهم حول مَن هو الأكثر تديّناً، والأكثر صقورية في التعامل مع الشأن الإيراني، والأكثر دعماً للمستوطنين، ومَن هو الداعم الأكبر لقانون الدولة القومية.

في الأخير هل سيكون هذا كله بمثابة «جعجعة بلا طحن، كما قال بنيامين نتانياهو في تعليقه على قضايا الفساد التي تحاصره، أم أنها ستكون نهاية لمستقبله السياسي بل وربما لحريته الشخصية. هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.