1179873
1179873
عمان اليوم

«مجلس التعليم» يسعى لإحياء إرث الوقف التعليمي وتطـوير آلياته خدمة لمسيرة التعليم

06 أبريل 2019
06 أبريل 2019

منتدى «دور الوقف في دعم التعليم وتمويله» يعقد في الربع الأخير من العام الجاري -

كتبت: نوال بنت بدر الصمصامية -

تعكف الأمانة العامة لمجلس التعليم على دراسة ما قدمه المشاركون في الحلقات التحضيرية لمنتدى «دور الوقف في دعم التعليم وتمويله»، والتي نظمت في الفترة من 19-20 فبراير من العام الجاري من أفكار وتصورات هادفة، تمهيدا للعمل على الأخذ بالمناسب منها، والتي ستكون معينا لما سيخرج به المنتدى من توصيات في هذا الشأن، والمقرر عقده في الربع الأخير من العام الجاري.

أكد ذلك لــ «عمان» الدكتور مسعود بن علي الحارثي خبير الشؤون الأكاديمية بالأمانة العامة لمجلس التعليم، مشيرا إلى أنه وإيمانا بالدور الكبير الذي تقوم به الأوقاف في دعم التعليم ؛ كونها مصدرًا تمويليًا مستداما لتوفير متطلبات التعليم المالية واحتياجاته، ورغبة في إعادة إحياء هذا النهج الرشيد للوقف التعليمي وتفعيله؛ فقد بارك مجلس التعليم إقامة منتدى يُعنى بالوقف التعليمي، وإبراز دوره الأصيل في إثراء الحركة العلمية والثقافية في البلاد. وفي هذا الصدد، أوضح أن جلسات الحلقات التحضيرية حظيت خلال يومي انعقادها بمناقشات ثرية، ومداخلات مهمة، تضمنت الكثير من الأفكار والرؤى التي عكست الاهتمام بموضوع الوقف وأهميته في دعم التعليم وتمويله من ناحية، وضرورة تفعيل منظومته وتطوير آليات استثماره وفق مبادئ الشريعة الإسلامية وبما يتواكب ومستجدات المشهد التعليمي حاضرا ومستقبلا، من ناحية أخرى.

دور حيوي للوقف

وأوضح الحارثي أنه على مدى تاريخ التعليم في الإسلام، تجلى بوضوح الدور الفاعل والمؤثر الذي قامت به الأوقاف التعليمية في الحركة التعليمية واتساعها، فكانت ركيزة حيوية للتقدم العلمي والفكري والثقافي في شتى فروع المعرفة. ولم يكتفِ الوقف بدوره كمصدر تمويلي للمؤسسات التعليمية ومنتسبيها؛ وإنما أسهم في تطوير النظام التعليمي وجودته، حتى يمكن القول إنّ وثيقة الوقف كانت أشبه ما يكون باللائحة الأساسية أو النظام الداخلي للمؤسسة التعليمية. واليوم، وفي ضوء المتغيرات المتسارعة التي يشهدها قطاع التعليم، بمختلف أنواعه ومراحله، وفي مختلف دول العالم، من حيث زيادة الطلب عليه، والاهتمام بجودته وجودة مخرجاته، بالإضافة إلى اتساع وتيرة التنافسية بين المؤسسات التعليمية لمواكبة تطورات الثورة المعرفية والتكنولوجية؛ كل ذلك أدى إلى أن تتبنى العديد من دول العالم آليات مختلفة ومتواكبة مع العصر لتمويل التعليم؛ عززت مفهوم المشاركة في تحمل التكاليف ونفقات العملية التعليمية، وتوجهات الخصخصة، والاندماج، وغير ذلك من آليات التمويل المستحدثة.

وأردف الحارثي قائلا: على الرغم من الدعم الحكومي لقطاع التعليم، إلا أنّ التزامات المؤسسة التعليمية ومتطلباتها يدعوها إلى أن تنوع مواردها التمويلية، دونما اعتماد على مصدر واحد ولا سيما أنّ الرؤية المستقبلية عمان 2040 تضع أهدافا وأولويات على مستوى التعليم والتعلم والبحث العلمي وبناء القدرات الوطنية، ومن أهمها تحقيق نظام تعليمي يتصف بالجودة العالية والشراكة المجتمعية، ونظام متكامل لحوكمة هذا القطاع. وهنا تأتي أهمية التكامل في الأدوار؛ بين قيام المؤسسة التعليمية بالعمل على إيجاد بدائل تمويلية أخرى بما يتوافق ورسالتها الأكاديمية وأنشطتها العلمية والبحثية؛ وبين إتاحة الفرصة لقطاعات المجتمع المختلفة من الأفراد والشركات والمؤسسات الخاصة للمشاركة في بناء المؤسسة العلمية والبحثية وتمكينها من تقديم الخدمات التعليمية وكذلك الابتكارات العلمية والتكنولوجية.

آلية مؤسسية متمكنة

وأشار خبير الشؤون الأكاديمية بالأمانة العامة لمجلس التعليم إلى أنّ برنامج الوقف التعليمي يشكل آلية مؤسسية تمكن مؤسسات المجتمع وأفراده بأن يسهموا في بناء العلوم وتقدمها. وإذا كانت الأوقاف تعد مصدرا مهما للتمويل، من خلال عوائد استثماراتها التي تشكل جزءا كبيرا من موارد النفقات التشغيلية للمؤسسة التعليمية في معظم المؤسسات التعليمية الوقفية، ودعم أنشطتها التعليمية والبحثية على المدى الطويل، فإنها تعد حماية مالية من تقلبات السوق الاقتصادية ، فإنّ معظم الجامعات الوقفية تتميز بقدرتها على التغلب على الكثير من التحديات، ومتابعة التطورات العالمية في البحث والتطوير والابتكار، وربطه المباشر بالصناعة والمجالات التنموية من خلال الشراكات الواقعية، لخدمة المجتمع وتقدمه.

من جانبه، أوضح خالد بن محمد الرحبي مدير مساعد بدائرة تطوير مناهج العلوم الإنسانية بوزارة التربية والتعليم، ومقدم ورقة عمل في الحلقات التحضيرية قائلا: تعد الأوقاف التعليمية من أبرز أنواع الأوقاف بعمان، إذ كان له إسهامه الكبير في البناء الحضاري العماني من خلال خدمة العملية التعليمية في البلاد، فعلى الرغم من مرور البلاد على مر التاريخ بفترات استقرار وفترات أخرى سياسية واقتصادية، إلا أنَّ التعليم ظل قائما في المدن والحواضر العمانية، ويعود الفضل في ذلك إلى الوقف الذي ظل هو الداعم المهم للعملية التعليمية في المدارس والجوامع وفي تشجيع الطلاب وتحفيزهم، حيث تنوعت أبوابه بما يخدم العملية التعليمية فكانت هناك أوقاف للمدارس، وأخرى لطلبة العلم، إضافة إلى أوقاف المعلمين، والمكتبات وغيرها، كما تميزت الأفلاج بكونها إحدى المؤسسات المهمة في دعم الوقف ولا سيما الوقف التعليمي.

أنواع الأموال الموقوفة

واستعرض الرحبي أنواع الأموال الموقوفة للوقف التعليمي وهي الأصول والمتمثلة في الآتي:

-أراض زراعية: تمثلت في الأراضي الزراعية التي يمتلكها الوقف التعليمي والتي تعود غلتها إما على صورة منتجات زراعية، أو تأجير تلك الأراضي الزراعية والاستفادة من عائداتها.

- مبان ومرافق سكنية: وهي عبارة عن المرافق التعليمية كالمدارس، والبيوت التي كانت تمثل المكتبات أو ما كان يعرف بعمان بـ (بيت الكتب)، أو تلك المنازل التي تؤجر ويستفاد من عائداتها في دعم التعليم.

-الأموال المنقولة: وهي في الغالب عبارة عن الكتب وما تحتاج إليه من صيانة وتجليد، والمرافع التي توضع بها المصاحف، إضافة إلى السرج التي تضاء بها أماكن الدراسة والنسخ ليلا.

- محلات تجارية: في الأسواق المعروفة، إذ تؤجر ويستفاد من غلتها. أسهم من مياه الأفلاج: ويتم الاستفادة منها إما لري الأراضي الزراعية الخاصة بالوقف أو من خلال تأجير تلك الأسهم.

وأردف الرحبي قائلا: لم تكن الأفلاج عبارة عن وسيلة ري فحسب بل كانت مؤسسة اجتماعية واقتصادية عامة، يمتلك فيها أغلب أبناء المجتمع الأسهم القليلة أو الكثيرة، وكانت هذه الأسهم تتداول بالبيع والشراء والتأجير، فكانت بمثابة شركة عامة تدر ربحا ويستفيد منها أبناء المجتمع، إلا أنّ ما يميز هذه المؤسسات العامة (الأفلاج) أن الأسهم الكبيرة منها مملوكة للأوقاف فهي تدر ربحا للأوقاف. فبالرجوع إلى عريضتين قديمتين لفلجي الملكي بولاية إزكي والمُيَسّر بولاية الرستاق (وهما من ضمن الأفلاج التي أدرجت ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي) يتبين لنا بأن ما نسبته 25% تقريباً من أسهم فلج الملكي كانت وقفا ، كذلك فقد استحوذت الأوقاف على ما نسبته 18% تقريباً من مجموع أسهم فلج المُيَسّر، وهي نسب كبيرة ولها تأثيرها الكبير بلا شك في تلك الفترات القديمة.

أوقاف متعددة مهمة

وتحدث الرحبي أيضا عن الوقف التعليمي في عمان، والمتمثل في الآتي:

أولا: أوقاف المدارس: وتنقسم المدارس إلى نوعين رئيسيين، وهما المدارس المستقلة بذاتها، مثل: مدارس القرآن الكريم، وبعض المدارس الأخرى المتخصصة في تدريس العلوم الشرعية مثل: مدرسة ابن بركة في بهلا، ومدرسة الجليلان في نزوى، أما النوع الآخر من المدارس فهي المدارس المرتبطة بالجوامع مثل: مدرسة مسجد الخور في مسقط، ومدرسة جامع البياضة في الرستاق وغيرها. ولكل من هذين النوعين أوقافه الخاصة به.

ثانيا: أوقاف المكتبات: وتنقسم هي الأخرى إلى نوعين رئيسيين، مكتبات تابعة للدولة يتم الإنفاق عليها من بيت المال، وتكون في الغالب في مقر حكم الإمام أو الوالي، ومكتبات أوقفها أفراد المجتمع وهي كثيرة، ومتعددة، ومنتشرة في مناطق كثيرة من السلطنة وتكون أوقافها عبارة عن: كتب، وبيت الكتب، وأدوات حفظ الكتب (سحارات، مناديس..)، إضافة إلى أموال موقوفة تكون عائداتها مخصصة لرعاية الكتب وحفظها وصيانتها وتجديدها.

ثالثا: أوقاف المعلمين: وتنقسم إلى أوقاف يمنح المعلم أجرته من غلتها نقدا بحسب العقد مع المدرسة، وأوقاف أخرى تعطى للمعلم يستثمرها ولها عائداتها كاملة.

رابعا: أوقاف المتعلمين: ولأوقاف المتعلمين في عمان أبواب متعددة، تظهر فيها الجوانب التربوية المعينة للطلاب، والمحفزة لهم، والتي تتجلى فيها الرؤية التربوية للواقف العماني، ومن هذه الأوقاف ما تنفق غلتها في شكل منح نقدية للمتعلمين تعينهم على دراستهم، كما خصص أنواع منها لتنفق على تغذيتهم في المدرسة، وخصصت أوقاف أخرى لمساعدة الفقراء منهم.

تجربة أصيلة متنوعة

كما أشار خالد الرحبي إلى أنّ الناظر إلى تجربة الوقف العلمي في عمان يجد أنها تجربة أصيلة متنوعة، يمكن الاستفادة منها وتطويرها لتناسب روح العصر، وذلك من خلال تأسيس صندوق وقف تعليمي وطني، كما يمكن الاستفادة من تجربة الأفلاج العمانية، بحيث تخصص كل شركة مساهمة تنشأ في البلد نسبة من أصولها أو عائداتها السنوية لدعم صندوق الوقف التعليمي. أما في مجال إدارة وتنظيم الإنفاق للوقف التعليمي فيمكن الاستفادة من الإرث الحضاري للوقف التعليمي في عمان لبناء رؤية معاصرة للأوقاف التعليمية، حيث يمكن الاستفادة من فكرة أوقاف المدارس في تأسيس مبان وقفية داخل المؤسسات التعليمية مثل المختبرات، والقاعات، ومراكز البحث، والنشر والترجمة..)، والاستفادة من فكرة أوقاف المكتبات في تأسيس مكتبات وقفية، بالإضافة إلى الاستفادة من فكرة أوقاف المتعلمين في تخصيص منح ماليّة لدعم الباحثين في مشاريع بحثية مفيدة للمجتمع، وكذلك في تخصيص الكراسي العلمية الوقفية.

حلول تمويلية بديلة

من جانبه أشار الدكتور ناصر بن راشد المعولي عميد كلية الدراسات المصرفية والمالية، ومقدم ورقة عمل في الحلقات التحضيرية إلى التحديات التي تواجه التعليم في الكثير من الدول، ومن أهمها التحدي المتعلق بتمويل التعليم نتيجة زيادة الطلب الاجتماعي على التعليم وانحسار الموارد المالية المخصصة للتعليم. والسلطنة كغيرها من الدول تشهد تسارعا متناميا على الطلب على التعليم بكافة أنواعه؛ وذلك لمواكبة متطلبات التنمية الشاملة التي تشهدها السلطنة. وتشير الوثائق الرسمية إلى تزايد نفقات التعليم في السلطنة ولتخفيف العبء الحاصل على أحادية التمويل الحكومي بالسلطنة، فإنّ هناك حاجة ماسة إلى إيجاد حلول تمويلية بديلة تتدرج نحو الاستقلال التمويلي للتعليم وإيجاد آليات تضمن استمرارية الاستدامة المالية للمؤسسات التعليمية في السلطنة.

تنويع مصادر التعليم

وأضاف المعولي: يمثل التعليم قاطرة التنمية البشرية لكل المجتمعات وهو إحدى الركائز الأساسية للمجتمعات لما له من الأثر الواسع والعميق في تأهيل وتطوير الكادر البشري الذي يعد السبيل الوحيد للنهوض بمستويات الفكر والثقافة والرقي ومواكبة طفرة الحداثة الحاصلة على مختلف الأصعدة لتلك المجتمعات. كما إن الأساليب التمويلية للتعليم كمفهوم دارج يتمثل في ثلاثة أقسام رئيسية: التمويل العام أو الحكومي ، التمويل الخاص ، التمويل المختلط بين العام والخاص. كما يجدر بنا ذكر العوامل المؤثرة على عملية تمويل التعليم الخارجية والداخلية بشكل مجمل. فالعوامل الخارجية تتمثل في النمو السكاني، والأوضاع الاقتصادية والطبيعة الجغرافية للمنطقة. أما بالنسبة للعوامل الداخلية فتتمثل في مستوى تأهيل المعلمين والعاملين في قطاع التعليم، والتقنيات الحديثة المستخدمة في التعليم ، وبيان مستوى الإنفاق على التعليم.

تمويل التعليم وتحدياته

وأشار المعولي قائلا: يمثل التوزيع النسبي للطلاب المقيدين بالتعليم العالي في المؤسسات الحكومية في السلطنة ما نسبته 51% يقابله ما نسبته 49% في المؤسسات التعليمية الخاصة. ويعكس الوضع الحالي لتمويل التعليم في السلطنة مدى اهتمام الحكومة بهذا القطاع والذي يتضح من خلال دعمها المالي المباشر لمؤسسات التعليم العالي الخاصة والعامة متضمنة التعليم المدرسي؛ مما يزيد من الثقل على كاهل الإنفاق العام، ويؤدي إلى عرقلة الاستجابة السريعة لتنويع خيارات جديدة لتمويل التعليم.

كما أوضح أنّ المعوقات الأساسية لنظام التمويل في السلطنة تتمثل في: تحديات المؤسسات التعليمية، وتحديات قطاع التعليم، بالإضافة إلى عدد من التحديات العامة. من جانب آخر نجد أن تخفيض النفقات الحكومية عن قطاع التعليم يجب مقابلته بتنويع مصادر التمويل كحل مباشر وفعّال.

وفي ضوء ما أسفر عنه الإطار النظري لتمويل التعليم وبناء على الحقائق والأرقام المتعلقة بقطاع التعليم في السلطنة، يقترح المعولي وضع تصور مبسط يتمثل في إنشاء «إطار تمويلي متكامل» يرتكز على أربع دعائم أساسية هي: الحكومة، والقطاع الخاص، والقطاع الأهلي، والمؤسسات التعليمية، على أن يوضح هذا الإطار الأسس العامة والأدوار المقترحة للدعائم الأربع في كيفية تجاوز تحدي تمويل قطاع التعليم وضمان استدامة التمويل له.