أفكار وآراء

أوروبا هدف سهل يتعرض للهجوم!

05 أبريل 2019
05 أبريل 2019

سيلفي كوفمان - نيويورك تايمز -

ترجمة : قاسم مكي -

تخيلوا أوروبا هدفا على شاشة الرادار. (إذا فعلتم ذلك) سيمكنكم رؤية إشارات التحذير الحمراء وهي تومض في وضوح. فأوروبا تتعرض إلى هجوم هجين ومتعدد الجوانب. لا يوجد تنسيق بين مهاجميها وربما لديهم أهداف مختلفة.

لكن ما تمثله هذه الإشارات الوامضة واضح. فأوروبا تحولت إلى طريدة (فريسة) في تنافس القوى العظمى الجديد بين الولايات المتحدة والصين وروسيا. لقد جعل منها ولاؤها السياسي لغرب «ضعيف» وانقساماتها الداخلية و«أصولها» الجذابة وسوقها التي تتشكل من 500 مليون مستهلك هدفا مثاليا (لهذه القوى). ومن الممكن اعتبار زيارة الرئيس الصيني شي جينبينج إلى إيطاليا وفرنسا «دراسة حالة» لقوة عظمى تختبر نقاط ضعفها وثروتها.

كما نشطت منذ مدة (في هذا الميدان) روسيا، صديق أوروبا وعدوها المعهود. وحزمة الأدوات التي تستخدمها لتقويض العمليات الانتخابية الديمقراطية وتماسك الاتحاد الأوروبي تشكل جزءا من مشهدنا السياسي الراهن. تتراوح هذه الأدوات من «التصيد» على الإنترنت إلى مساعدة أحزاب اليمين المتطرف والمعادية للمؤسسة الرسمية.

لم تؤثر خمسة أعوام من العقوبات بسبب ضم القرم على شهية الكرملين للتدخل في الشؤون الأوروبية أو تحول دون انخراط روسيا في أعمال تجارية مربحة. فحسب مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن تمكنت روسيا خلال العامين الماضيين من تعزيز وجودها الاقتصادي في بلدان الاتحاد الأوروبي الأكثر ترحيبا بها وأهمها النمسا وإيطاليا وهولندا. وأوضح تقرير صدر مؤخرا عن منظمة «أفاز» الناشطة على الإنترنت الدور النشط للنسخة الفرنسية من الشبكة الإعلامية الحكومية روسيا اليوم (راشا توداي) والذي يشمل بث أخبار حقيقية ومختلقة عن احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا. وتحظى تغطيتها الدائمة للصدامات الأكثر عنفا بشعبية واسعة على اليوتيوب.

من جانبها، تستخدم الصين مقاربة مختلفة. فالرئيس شي، تحت غطاء مفهوم طريق حرير جديد يردد أصداء ماركو بولو، يريد ربط أوروبا بالصين اقتصاديا. كان هذا يعني (فيما يعني) شراء ميناء أثينا وبعض البوابات الحيوية إلى جنوبي أوروبا. فاليونان في حاجة ماسة للمال. ولا ترى ألمانيا تثريبا في ذلك. كما انطوى مشروع الطريق الذي يوصف الآن بمبادرة الطريق والحزام على تكوين منظمة تسمى 16 زائد 1 (16 دولة أوروبية شيوعية سابقا 11 منها عضو بالاتحاد الأوروبي زائدا الصين) ومعاونتها في إنشاء البني الأساسية.

قال رئيس وزراء بلد صغير في الاتحاد الأوروبي وعضو في منظمة 16 زائد 1 أنه خلال عامين عقد 6 اجتماعات ثنائية مع نظيره الصيني وأضاف متسائلا:« هل أنا بحاجة إلى قول المزيد؟» ماهو أجرأ من ذلك أن زيارة شي جينبينج إلى إيطاليا العضو المؤسس للاتحاد الأوروبي توجت بتوقيع مذكرة تفاهم لمباركة المبادرة. لم تعد الصين تكتفي بدول الهامش بل هي تستهدف قلب أوروبا بعزيمة جديدة. فعندما عبرت كل من واشنطن وبروكسل عن استيائهما من تقاربها مع إيطاليا تشبثت أكثر بهذا التقارب.

للولايات المتحدة التي يفترض أنها أعظم حليف لأوروبا معركتها الخاصة بها مع الصين. وهي معركة كبيرة حول التجارة أدت إلى إبطاء النمو الاقتصادي في أوروبا. كما تدور هذه المعركة أيضا حول التفوق التقني. ولو كان العالم عاديا لكانت واشنطن قد زجت بحلفائها الأوروبيين في أتونها. لكن العالم ليس كذلك. فأمريكا الرئيس ترامب لا تعامل أوروبا كمنافس أو حتى تابع. ولا ينقضي أسبوع دون «تنمر» جديد من إدارة ترامب.

في مؤتمر الأمن بميونيخ في منتصف فبراير، أمر نائب الرئيس مايك بينس حكومات الاتحاد الأوروبي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني والكف عن «تقويض» العقوبات الأمريكية التي تعاقب أيضا الشركات الأوروبية. وضاق ذرعا مسؤولو الدفاع الفرنسيون والبريطانيون حين قررت أمريكا من جانب واحد سحب جنودها فيما طالبت فرنسا بالبقاء. وفي نقاش حاد خلف الأبواب المغلقة حول الدفاع الأوروبي وجه دبلوماسي أمريكي كبير لوما شديدا للمشاركين من أوروبا الغربية لأنهم ليسوا «حساسين تجاه الولايات المتحدة والرئيس ترامب».

ثم جاءت التحذيرات من اختيار شركة هاواوي التقنية العملاقة لتطوير شبكات الجيل الخامس اللاسلكية وتهديدات ريتشارد جرينيل السفير الأمريكي في ألمانيا برد انتقامي يشمل قيودا على اقتسام المعلومات الاستخبارية. كما حذر جوردون سوندلاند سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي من رد انتقامي أيضا إذا قيدت بروكسل مشاركة الشركات الأمريكية في المشاريع العسكرية الأوروبية. وهدد ترامب أوروبا بأوجاع اقتصادية «قاسية» إذا لم يتحقق تقدم في المحادثات التجارية الحساسة. وسرعان ما وردت أنباء من واشنطن بأن ترامب يريد مطالبة البلدان الأوروبية بسداد فاتورة نشر القوات الأمريكية زائدا 50% مقابل امتياز استضافتها.

إن أوروبا هدف سهل. فهي جماعة مغلقة تتشكل من 28 دولة. لكنها ليست دولة فيدرالية. ويعيقها تعقيد عملية اتخاذ قراراتها. كما حتما ستخلف فوضى خروج بريطانيا أثرها عليها. لقد ذكر المؤرخ الفرنسي بيير نورا أن الأوروبيين الذين كانوا يوما سادة العالم يدفع بهم الآن إلى الهامش.

لكن أوروبا لا يلزمها قبول الهزيمة.

مؤخرا، وصف مسؤول استخباراتي أوروبي كبير سلسلة المهددات التي تواجه الاتحاد الأوروبي بأنها نداء استيقاظ (دعوة إلى الانتباه). وهي تشمل فيما تشمل تدخل روسيا واليمين البديل واستخدام أمريكا «للتدابير القانونية خارج المتعلقة حدود أرضيها لإضعاف شركاتنا».

وأضاف المسؤول: «علينا تأكيد سيادتنا الاقتصادية الأوروبية. علينا أن نتسلح مجددا وجماعيا». لكي يحدث ذلك من الضروري توافر الوحدة والإرادة السياسية. لكن هذا أمر بالغ الصعوبة داخل الاتحاد الأوروبي في حالته الراهنة.

يحتاج الأوروبيون إلى ما هو أكثر من الدعوة إلى الانتباه. إذ يجب أن يقرروا إما الفرجة على تقطيع قارتهم إربا إربا بواسطة القوى الأكبر أو استعادة ما يكفي من قوة جماعية وحصافة للسيطرة على مصيرهم. وستكون شبكات الجيل الخامس اختبارا لذلك. على الرغم من أن شركة هواوي لديها الريادة التقنية في هذا المجال لكن تكتنفها شكوك قوية حول «أمنها». حقا توجد بدائل أوروبية. فكما أشار السياسي الألماني نوربيرت روتجين على توويتر، تملك أوروبا «القدرات التقنية التي تجعل منها هي نفسها طرفا فاعلا». ولذلك تكلفته.

ومن هنا يجيء السؤال السياسي: هل نريد انتهاز الفرصة أم ندعها تمر؟

لكن ماهو الدور الذي من شأن أوروبا أن تلعبه في هذا العالم الجديد؟

في 5 مارس أطلق الرئيس الفرنسي نداء جادا من أجل «نهضة أوروبية». كتب ماكرون «أوروبا ليست فقط سوقا اقتصادية. إنها مشروع» وأضاف: أن الحضارة الأوروبية «توحدنا وتحررنا وتحمينا».

وفي رد فعل لم يحظ باهتمام كاف بعنوان «فهم أوروبا على نحو صحيح»، طرح أنيغريت كرامب كارينباور الزعيم الجديد للاتحاد الديمقراطي المسيحي الجديد رؤية مختلفة. ومن الممكن تسمية هذا التباين بـ«الوضع الراهن في مقابل الرؤية الإستراتيجية».

يظهر انعدام الانسجام بين هذين البلدين الوثيقي الصلة والكبيرين حجم التحدي. لكن يبدو أنهما أخيرا على استعداد للتعاون في مواجهة الصين.

فالرئيس ماكرون، مدفوعا بإلحاح التصدي لإستراتيجية الصين المثيرة للانقسام (في القارة)، دعا مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل ورئيس الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي للانضمام إليه في اجتماع (كان في الأصل ثنائيا) مع الرئيس شي في باريس.

ينظر بعض الزعماء الأوروبيون إلى قارتهم كآخر مدافع عن الديمقراطية والتعددية. لكن قلة منهم، لسوء الحظ، على استعداد لتوحيد الصف من أجل خوض هذا القتال.

* الكاتبة مديرة تحرير صحيفة لوموند الفرنسية