أفكار وآراء

كيف ينظر ترامب إلى التحالفات الخارجية؟!

02 أبريل 2019
02 أبريل 2019

عاطف الغمرى -

يتصاعد الجدل الدائر في الولايات المتحدة حول مخاوف على مصالح وعلاقات الولايات المتحدة مع دول العالم، نتيجة سياسات الرئيس ترامب التي توصف من جانب عدد ليس بالقليل من المحللين الأمريكيين، بأنها تفتقد إلى إمكانية توقع استمراريتها من تغييرها. حتى إن من بين ما قيل، ما كتبه المحلل السياسي نورمان أيجورنسين، من أن طريقة تفكير ترامب ينبغي النظر إليها بطريقة أكثر جدية مما يحدث الآن.

وأيضا ما كتبه الكاتب روبرت كيجان من أن الولايات المتحدة تبدو الآن، خارج النظام العالمي، فمنذ تولى ترامب مسؤولياته كرئيس ومنتقدوه تشعلهم شكاوى الحلفاء، وإحساسهم بأن الإدارة الأمريكية، قد انسحبت فعليا من الساحة العالمية. وإن مسار سياساته، وردود الفعل الدولية تجاهها، توحي لدى مؤسسة السياسة الخارجية التقليدية والتاريخية في الولايات المتحدة، بأنه قد يجر أمريكا إلى العزلة عن العالم، والتي يرفضها أقطاب هذه المؤسسة ويرون أنها ضد المصالح الأمريكية.

وكانت جيسيكا ماتيوز الرئيسة السابقة لمؤسسة كارينجي للسياسات الدولية، قد كتبت في صحيفة نيويورك تايمز أننا أصبحنا أمام لحظة خطيرة، مع ما يبدو من أن ترامب يرفض المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية، والتي تتفق عليها مدارس السياسة الخارجية ذات المكانة والتأثير في الولايات المتحدة، ويبدو أن السياسة الخارجية الآن تتسم بمزيج من الاندفاع والجهل. ويبدو كذلك أن ترامب ليس متيقنا، أو حتى مدركا، كيف إن المصالح العالمية للولايات المتحدة، كانت تستند إلى قيام الحلفاء بالدفاع عنها ودعمها. ولم يلجأ الحلفاء إلى إضعاف أمريكا، بقدر ما مكنوها من أن تصبح لها مكانة كبرى في العالم. وإن من بالغ التحريف للحقيقة والتوهم، تصوير التحالف الغربي بأنه منظمة خيرية، وكأن أمريكا هي التي تنفق عليه. وإن الشيء الوحيد الذي نتيقن منه هو، إنه لم يعد هناك يقين في شيء الآن.

وتقول دراسة نورمان أيجورينسين، إن التكتيك المفضل لدى ترامب، والذي لوحظ سيره عليه عبر تاريخ نشاطه كرجل أعمال، هو استخدام تكتيكات التفاوض، في استبعاد المشاكل التي سبق التعامل معها، من على مائدة المفاوضات، ثم إعادة التفاوض مع الطرف الآخر، بقصد دفع الأمور بينهما إلى الناحية التي تتفق مع مصالحه. وحين تترجم هذه التكتيكات إلى الممارسة الدبلوماسية، فسوف تكون لها بالتأكيد عواقب وخيمة، خاصة وإن العالم بصفة عامة يعانى الآن من مشكلات مثيرة للقلق، مثل انتشار الأسلحة النووية والإرهاب، وتغير المناخ، وهروب اللاجئين من دولهم، والخلافات التي بدأت في أوروبا.

ووصلت التعبيرات التي تثير القلق من ترامب، إلى من كانوا من أقرب المقربين إليه. ومنهم ستيف بانون الذي عينه ترامب في بداية عهده، كبير الخبراء الاستراتيجيين بالبيت الأبيض، والذي تولى قبل ذلك رئاسة حملته الانتخابية عام 2016، ويقول بانون عن ترامب، أنه كان يبدو لنا واضحا في آرائه تجاه المشاكل الأساسية في العالم، وكيف أنه سيكون مرنا في التعامل معها، إلا أننا نفاجأ به يتخلى عن وضوحه ويصنع المكائد للموجودين داخل دائرة العمل معه في البيت الأبيض.

ومن بين ما ينتقده البعض بسببه - وليس جميعهم - إن هجومه على وكالة المخابرات المركزية، لا يتوافق مع تقربه عمليا منها، وإنهم مقتنعون بأن ترامب لا يستطيع أن يقلل من الرباط القوى، بين الرئيس وبين جهاز المخابرات، الذي يعد جزءا أساسيا من منظومة إدارة السياسة الخارجية في الخارج، وشريكا فعليا لوزارة الخارجية، خاصة وإن المخابرات المركزية تعتبر أداة رئيسية في عمليات يتم تنفيذها في العالم، ومن خلال ما يعرف بالباب الخلفي للسياسة الخارجية، من إدارة الحروب، والفوضى، والتدخلات في شؤون دول أخرى.

إذا كانت تلك رؤية لسياسات ترامب من جانب عدد من المختصين بالسياسة الخارجية، فلقد لفت نظري وصف للسياسة الخارجية لترامب بالجهل. هذا الوصف يعيد إلى الذاكرة ما كان قد أطلق على رؤساء سابقين من انعدام العلم أو الفهم للسياسة الخارجية، والعلاقات الدولية، منهم ليندون جونسون، وهاري ترومان، لكن كلاهما كان يحيط نفسه بأقدر الخبراء معرفة بهذا المجال.

وعلى سبيل المثال فقد صنف خبراء السياسة الخارجية الأمريكيون ترومان بأنه كان جاهلا بأمور السياسة الخارجية، لكنه عوّض هذا النقص، باختيار شخصيات مشهود لها بالمعرفة الكاملة بها، والذين حققوا في فترة رئاسته إنجازات نسبت له ولا يزال صداها محسوسا حتى اليوم.

منهم جورج مارشال، الذي ينسب إليه مشروع مارشال لإعادة تعمير أوروبا، والثاني دين أتشيسون الذي يعتبرونه عميد الدبلوماسية الأمريكية الحديثة، لدوره في بناء الإطار العلمي لإستراتيجية الاحتواء، التي بدأت مع بدايات الصراع الأمريكي السوفييتي، وهو أيضا المخطط الأساسي لحلف الأطلنطي وكلاهما تولى منصب وزير الخارجية.

وهذا التصرف يختلف تماما عما فعله ترامب من اختيار مساعديه ووزرائه من البداية، من خارج النخبة المختصة بالسياسة الخارجية وأغلبهم من رجال الأعمال، والعسكريين السابقين، وتكرر قيامه باستبعادهم وإحلالهم بغيرهم. وهو ما عمق من تناقضات مواقف ترامب في إدارة السياسة الخارجية.