أفكار وآراء

أوبك والبنك المركزي الأمريكي في نفس القارب التائه

31 مارس 2019
31 مارس 2019

جوليان لي- بلومبيرج -

ترجمة قاسم مكي -

ما الذي تشترك فيه أوبك مع بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) بخلاف كونهما هدفا لرسائل تويتر الغاضبة التي تصدر عن الرئيس ترامب؟ إنهما يواجهان، كلاهما، فترة عصيبة في تقييم مستقبل الطلب. وهذا ما يجعل وضع سياساتهما محفوفا بالمصاعب على نحو استثنائي.

فالبنك يلزمه ضبط أسعار الفائدة ورافعات (أدوات) السياسة النقدية الأخرى لتحقيق هدفيه «التوأمين» المتمثلين في الحفاظ على معدل منخفض ومستقر للتضخم والتوظيف الكامل. أما أوبك فيلزم بلدانها وزمرة أصدقائها ووزرائها تقدير حجم الإنتاج المطلوب لضبط التوازن بين العرض والطلب العالميين على النفط. هذا يعني في المنعطف الراهن أن تقرر أوبك رفع أو الإبقاء على القيود التي فرضتها على الإنتاج في بداية عام 2017. فاتفاقها الحالي حول سقف الإنتاج سينتهي بعد ثلاثة أشهر.

في مواجهة هذه الحالة من عدم الوضوح اقترحت اللجنة المشرفة على تخفيضات أوبك وأصدقائها إلغاء اجتماع من المقرر عقده في أبريل يمكن في أثنائه اتخاذ قرار تمديد الاتفاق من عدمه. لكن بدلا عن ذلك تحدث المسؤولون الذين اجتمعوا في العاصمة الأذرية باكو عن وجوب تأجيل القرار حتى يونيو.

ربما أن بنك الاحتياط الفيدرالي يحسد أوبك على هذه المرونة. فكلا المنظمتين تواجهان مستقبلا اقتصاديا غير واضح. لكن أوبك يمكنها على الأقل ألا تجتمع. وعلى الرغم من أن الأمور قد تتضح أكثر بشأن الاتفاقيات التجارية الأمريكية مع الصين بنهاية الربع الثاني من هذا العام إلا أن أوروبا انعطفت نحو الأسوأ هذا الشهر مع مؤشر بيانات ضعيفة في أرجاء فرنسا وألمانيا. هذا فأل سيئ لكل من النمو الاقتصادي العالمي والطلب على النفط ويؤدي إلى تعقيد عملية اتخاذ القرار لأوبك وحلفائها وأيضا بنك الاحتياط الفيدرالي.

لكن بالنسبة لأوبك وحلفائها يصعب التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية لإمدادات النفط. من الشاق الحصول على قراءة صحيحة حتى الآن لأثر تخفيضات الإنتاج التي وعدت بها روسيا حيث ذكر المسؤولون أنهم سيطبقونها بالتدريج خلال الربع الأول من هذا العام. وعندما حل فبراير كانوا قد أوفوا بنسبة 35% فقط من الخفض الموعود، حسب بيانات الإنتاج الخاصة بوزارة الطاقة الروسية.

على نحو مماثل بدأ أثر آخر جولة تخفيضات «شرق أوسطية» في الاتضاح الآن فقط في بيانات الواردات حيث تحتاج ناقلات النفط إلى ستة أسابيع بعد مغادرتها الخليج العربي للوصول إلى الولايات المتحدة. ثم هنالك حالة عدم اليقين والضبابية التي تكتنف مستويات الإنتاج في ستة بلدان (أنجولا ، أيران، وليبيا نيجيريا، فنزويلا، الجزائر وهي بلدان أوبك التي يواجه إنتاجها النفطي تدهور إجباريا- المترجم).

وفي فنزويلا لا يبدو أي مؤشر يذكر على انهيار ما تبقى من تأييد للرئيس نيكولاس مادورو فيما يواصل إنتاج النفط الفنزويلي تدهوره. ويعني ذلك أن على باقي أعضاء أوبك وحلفائها إنتاج المزيد للتعويض عن هذا التدني.

يوجد شيء واحد سنعرف المزيد عنه في يونيو وهو مصير الإعفاءات الحالية (من العقوبات الأمريكية) التي منحت لثمانية مشترين للنفط الإيراني والتي سينتهي سريانها في مايو. قد تحاول إدارة ترامب الإيهام بالتشدد تجاه فنزويلا بإلغاء رخص الإعفاءات الممنوحة لليونان وإيطاليا وتايوان لشراء نفط إيران والتي لم تستغلها أبدا. وحتى إذا مددت الولايات المتحدة الإعفاءات التي حصلت عليها خمس بلدان أخرى فإن ذلك في الواقع سيقلل بقدر هامشي فقط من التدفق المادي (الفعلي) للنفط الإيراني. لكن ما لا نعلمه حتى الآن هو مدى استعداد المشترين لمواصلة شراء النفط من إيران.

لم تخفض وكالات الرصد الرئيسية حتى الآن أرقام توقعاتها المستقبلية للطلب على النفط بقدر مؤثر. لكنها ربما سرعان ما سيلزمها أن تفعل ذلك. وهي تتردد جدا في إجراء تغييرات كبيرة في هذه الأرقام. ونحن كثيرا ما نشعر بالثقة في توقعاتنا كلما اقتربنا من الفترة التي تغطيها هذه التوقعات وينبغي لنا ذلك. لكن إذا ألقينا نظرة على المراجعات التاريخية لأرقام إمدادات النفط والطلب عليه والتي تعود أحيانا إلى عدة سنين للوراء سنكتشف بسرعة أن الوضوح في هذا الجانب كثيرا ما يكون وهما. لذلك ففي حين من الممكن المرافعة بقوة عن تأجيل قرار أوبك وحلفائها في النصف الثاني من هذا العام إلا أن هناك أسبابا وجيهة لعقده في موعده المقرر. في معظم العشرية الأولى من هذا القرن عقدت أوبك اجتماعات منتظمة في مارس وسبتمبر لوضع سياسة الإنتاج لنصف العام الذي يبدأ في يوليو أو يناير. وفي حين من الواضح أن هنالك عدم يقين أكبر في محاولة التنبؤ بالمستقبل لكن توجد ميزات عملية في التأجيل.

إن تحويل القرار إلى شيء عملي يستغرق وقتا. فالزبائن يلزمهم تقديم طلباتهم أو، حسب قاموس صناعة النفط، «ترشيح» كمية النفط التي يرغبون في شرائها من المنتجين قبل أكثر من شهر من شحنه في السفن الناقلة. ثم بعدها سيخبرهم البائعون بالكمية التي يمكن أن يحصلوا عليها. لقد حددت شركة أرامكو السعودية مخصصاتها للمشترين المحتملين لشحنات شهر أبريل قبل أسبوعين من 25 مارس.

إن عقد الاجتماعات في يونيو أو ديسمبر، كما شرعت في ذلك أوبك في عام 2011 بعد شهور من الجدل والمماحكة حول زيادة أو عدم زيادة حجم الإنتاج الذي ظل قائما منذ بداية عام 2009، لا يتيح وقتا كافيا لتنفيذ تلك القرارات في الشهر التالي لهما (أي في يوليو او يناير). وهذا من بين أسباب ضعف التطبيق الاستهلالي لتخفيضات الإنتاج.

لقد كان هنالك قدر من المفاجأة في ديسمبر عندما أعلن وزراء أوبك أنهم سيجتمعون في موعد قريب لا يتعدى أبريل لتقرير إذا ما كانوا بحاجة لتمديد فترة الخفض إلى النصف الثاني من هذا العام. تبدو هذه الجدولة الزمنية طموحة خصوصا بالنظر إلى أنهم يخططون للاجتماع مرة أخرى في يونيو على أية حال. إن عقد اجتماعين في مثل هذا التتابع السريع يبدو دائما إفراطا وتجاوزا للحد.

تعني هذه الانعطافة (الارتدادة) الكاملة على الأعقاب أن منتجي النفط في «باكو» ضحوا بقدرتهم على تطبيق أي اتفاق جديد في يوليو مقابل «وهم» وضوح ما سيكون مطلوبا منهم أن يفعلوه.

ففي يونيو ستكون سوق النفط في نفس حالة عدم اليقين التي هي عليها الآن حتى إذا انجلى بعض الغموض.

إن اتخاذ قرار في أبريل من شأنه إرسال «رسالة نوايا» واضحة والقضاء على الرجم بالغيب. أما ترك الأمور إلى آخر لحظة فسيوجد، ببساطة، حالة من البلبلة ويؤدي إلى تقلب الأسعار.