Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :المياه التحدي الأكبر .. الصيف قادم

29 مارس 2019
29 مارس 2019

بقلم: أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تعود العلاقة بين اليابسة والماء الى عصور منشأ الحياة الأولى؛ وتطورها المتلاحق بفعل الإنسان الطامح أبدا الى وجود حياة آمنة توفر له كل معطيات العيش الكريم، ولذلك كما تروي كتب التاريخ أنه يعود منشأ كل الحيوات البدائية الأولى على ضفاف الأنهار، وعلى امتداد سواحل البحار والمحيطات، ذلك أن علاقة اليابسة بالماء علاقة وجودية لا ينفك أحدهما عن الآخر، على الرغم من قسوة الماء في كثير من الأحيان على اليابسة في ظروف استثنائية مستمرة، حيث تلتهم اليابسة في كثير من غزوات المياه وتترك كما كانت نشأتها الأولى، إلا أن الإنسان يعود في كل مرة الى مجاورة الماء الى حين غزوة أخرى، وهكذا استمرت العلاقة على الرغم من فوضويتها بهذه الصورة، إلا أنها وجدت علاقات تشابكية شديدة التعقيد، لا اليابسة يمكن أن تكون في معزل عن البحر، او النهر، ولا هما يكونان في معزل عن اليابسة، حيث يرى كل منهما امتدادا له، ويفعّل هذه العلاقة أو يؤخر تفاعلاتها بين فترة وأخرى هو هذا الإنسان الباحث أبدا عن حياة فضلى، وعيشة رغداء.

هذه هي صورة العلاقة في عموميتها، وفي خصوصيتها تكمن المشكلة الكبرى، وهي المشكلة التي يسببها نقص المياه، وتفضي الى القحط والتصحر، وقد تتضاعف الى التشرد، والهجرات السكانية، كما كان يحدث في الزمن البعيد، عندما كان الإنسان يتنقل من جغرافية الى أخرى، بحثا عن المياه التي توفر له الكلأ والمرعى، ولو إلى حين، وعلى الرغم من أن نسبة المياه تمثل (71%) بينما تمثل نسبة اليابسة (29%)، ولكن كل ذلك لم يغن عن وجود تهديد دائم لنقص المياه، وهو نقص ظل طوال سنوات حيوات الإنسان مهدد للاستقرار والنمو والبقاء، حيث تعيش هذا التهديد كثير من دول العالم، وهناك دول بعينها تصنف ضمن الدول الجافة، ومنها السلطنة، حيث تمر السنوات العديدة دون أن تشهد أمطارا يكون لها أثرا من الخصب، يستمر سنوات عدة، فأمطارها موسمية، وأحيانا حتى هذه الموسمية لا تتحقق وفق دورانها المناخي، فتزيد من معاناة السكان، وهي المعاناة التي تضرب المساحات الزراعية، وخاصة مزارع النخيل التي تتميز بها السلطنة، وهناك قرى كثيرة عانت في الماضي، ولا تزال، من شح المياه، فغدت مزارع النخيل أراض بور، ومن استطاع من المزارعين أن يقاوم بسقي مزارع نخيله بوسائل مختلفة لم يستمر أكثر من سنته الأولى الى الثانية بالكثير، مما شجع البعض الى تحويل مزارع النخيل أراضيَ سكنية وتجارية، واستبدلت المساحات الزراعية – التي كانت خضراء – الى مبان اسمنتية صادمة للمنظر.

تعمل الجهات المعنية اليوم على تعزيز محطات تحلية المياه، ومد شبكاتها الى مختلف المدن والقرى في السلطنة، محاولة لتلبية الطلب المتزايد على المياه، وهو الطلب المقتصر؛ فقط؛ للاستهلاك اليومي للمنازل، حيث لم تعد أحواض المياه التي سدت فراغ نقص المياه في فترة التسعينات من القرن الماضي كافية، أو قادرة على مواكبة هذا الطلب المتزايد من المياه من قبل السكان، ولذلك فحتى محطات تحلية المياه المنتشرة اليوم في عدد من محافظات السلطنة تعيش تحديات القدرة الاستيعابية لمواكبة هذا الطلب المتزايد، ولا أتصور ان برامج التوعية بضرورة الترشيد في استهلاك المياه يكون لها أثرا محوريا، لضعف ثقافة الاستهلاك عموما.

اليوم؛ وفي كثير من القرى؛ هناك أفلاج توقفت عن الجريان، وحتى السدود التي أنشئت على أعلى أمهات الأفلاج لم تساعد على تخصيب الأفلاج لقلة الأمطار، وتبقى رحمة الله بعباده فوق كل شيء، ويبقى جهد الحكومة في زيادة محطات تحلية المياه، وتعزيز القائم حاليا، هو ما يبغي العمل فيه حاضرا ومستقبلا، لأنه الخيار الوحيد، الذي يمكن الارتهان على قدرته على استيعاب الطلب المتزايد على المياه، من قبل السكان.