tunis
tunis
أعمدة

تواصل: مثلث إلا زاوية !

26 مارس 2019
26 مارس 2019

تونس المحروقية -

hlaa202020 @ -

مشهد أول :

ثلاث صديقات يصطففن متجاورات ومتشابكات الأيادي بطريقة توحي أنهن بصدد القيام برقصة معينة لكنك تستبعد ذلك لكون آثار الحمل تبدو ظاهرة وفي مرحلة متقدمة لدى الثلاث، ثم دون مقدمات تبدآن في الرقص بطريقة تبدو غير معتادة فلا هي رقصة عربية شاهدتها أنت في المناسبات الاجتماعية ولا رقصة أجنبية من التي اعتاد الفرد منا رؤيتها في أفلام السينما والمسلسلات، تعرف أنت لاحقاً أن ما رأيته في ذلك الفيديو المنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي تقليعة جديدة يبدو أنها راجت مؤخرا وتحت مسمى «رقصة المثلث» ، تبتسم وقد تقول: جميل ! لتبدأ بعدها في رؤيتها تغزو مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، فكلما فتحت المتصفح في إحدى تلك الوسائل وجدتها أمامك تمارس من مختلف الشعوب وكأن العالم لم يتفق إلا على رقصها حتى تزورك مرة في منامك وهذه المرة أنت من تقوم بتنفيذها بصحبة فردين من أفراد عائلتك!.

مشهد ثانٍ :

شارك الكثيرون في وسائل التواصل الاجتماعي في تحدي 10 سنوات وذلك بنشر صورة ملتقطة قبل عشر سنوات ومقابلها صورة بالشكل الحالي، تعتقد أن تلك جرأة منهم يحسدون عليها، تقول لنفسك: ربما قد شارك الأغلب بهدف التأكيد على عدم القلق من المقارنة بين أشكالهم في السابق والآن، فهم ما زالوا يتمتعون بشبابهم ولياقة أجسادهم كما يبدو ذلك في صور أغلب المشاركين في التحدي، لكن تستوقفك تعليقات بعض المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي على كم التغييرات التي لحقت ببعض صور المشاركين في هذا التحدي خصوصا من النساء اللاتي أخضعن أشكالهن للكثير من عمليات التجميل أو تتبعن خطوط الموضة في وضع الماكياج والذي قد ساهم في أن وجوههن في عام 2019 تبدو أكثر شبابا وجمالا بأكثر من عشرين عاما عن صورهم في 2009!.

مشهد ثالث:

مشاهير وأشخاص عاديون يصبون دلو ثلج على أجسادهم، تعتقد أنهم أصيبوا بالجنون فمن ذا الذي يفعل ذلك حتى لو كان الجو حارا؟ فتأثير الثلج على الجسد يبقى نفسه مهما كانت درجة حرارة الدولة التي يصب فيها، تكتشف لاحقا أنها حملة تهدف للتعريف بمرض التصلب الجانب الضموري (ALS) الذي ينتشر بسرعة هائلة وأن الهدف منه هو جمع التبرعات من كل شخص لا يستطيع خوض التحدي بأن يدفع 100 دولار عوضا عن أن يسكب على نفسه دلو الثلج ، تعجبك الفكرة وتؤيدها حتى تصل بدورها للعالم العربي فتشعر أنها تسير خارج إطارها المحدد لها، إذ ينتابك شعور أن ليس هناك من يتبرع أو حتى ينتبه لفكرة الحملة، فكل ما تراه مقالب يقوم بها الأشخاص مع أصدقائهم بصب الثلج عليهم في غفلة منهم مع تحذير العديد من أطباء القلب من أن انسكاب دلو الثلج قد يسبب مشاكل في القلب واحتمال حدوث جلطات مفاجئة.

في الستينات تقريبا من الألفية الثانية تنبأ العالم والباحث الكندي مارشال ماكلوهان بأن العالم في طريقه لأن يصبح قرية كونية أو إلكترونية بفضل ثورة تقنية المعلومات والاتصالات، لم يمنحه القدر أن يعيش التفاصيل الدقيقة لتلك المرحلة وذلك لوفاته في عام 1980، لكن من يتابع ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي اليوم قد يتفق مع صدق تنبؤاته وقد يرى ما هو أبعد من ذلك في أن العالم أصبح غرفة واحدة فقط بدلا من القرية التي توقعها ماكلوهان، فما يحدث اليوم من تقليعات وممارسات في الأمريكتين مثلا قد لا يحتاج إلا لدقائق ليصل لبلداننا العربية بل قد يغزوها بمن يبادرون في تقليد ما رأوه في غضون ساعات، وهذا قد يكون ردا على من يتساءل كيف نتأثر بما يحدث من تقليعات في دول تبعد عشرات ألوف الأميال عن دولنا وبيننا عشرات الاختلافات في الثقافة والمبادئ والقيم وغيرها من الخلفيات المرجعية.

بعض التقليعات التي تظهر تكون كمتنفس للبشر من روتينية الحياة، فهي لا تضر مستخدمها رغم أن كثرة تعرض المتابعين لها بالمشاهدة تشعرهم بالإنزعاج بل والإيمان بأن شعوب العالم لا تجد ما تفعله لدرجة انشغالها بتقليد تلك الترهات، لكن بعض تلك التقليعات قد يسبب تقليدها خطرا على حياة المقلد والآخرين مثل رقصة «كيكي» التي انتشرت وكانت فكرتها تستلزم النزول من السيارة وهي في وضع التشغيل والرقص بجانبها، وتفشت تلك الرقصة في العالم كله لدرجة أن أحد الفيديوهات أظهرت إحدى الطيارات ومساعدتها وهما تنزلان من الطائرة بعد هبوطها للمدرج وقبل أن تتوقف نهائيا، ليرقصن أمام باب الطائرة لينتشر الفيديو انتشارا هائلا، ويتساءل مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي هل قامتا فعلا بهذا الفعل والطائرة تعمل؟ وهل تقبل شركات الطيران أفعالا كتلك؟.

نقاشات كثيرة تدور في كل مرة تظهر تقليعة جديدة وفي غمرة كل من يؤيد تلك التقليعات ومن يرفضها ويعتبرها تعكس حالة الخواء الفكري التي يعيشها الشباب في الوطن العربي، هناك من لا يمانع في أن يجرب أن يبتهج ويتدرب على رقصة المثلث هو وصديقه ثم يكتشف أنه ينقصه راقص ثالث لإتمام الرقصة فتشابك اليدين بينه وصديقه لا تشكل أكثر من مثلث إلا زاوية !.