الملف السياسي

الإرهاب الفكري وآليات محاصرته

25 مارس 2019
25 مارس 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

الإرهاب أصبح العنوان الكبير للمناقشات والحوارات وتداعيات الأحداث على الأقل خلال الخمسين عاما الماضية وانتهاء الحروب العالمية الأولى والثانية، حيث ظهرت الحركات المتطرفة في الغرب منها عصابات الكابوني في الولايات المتحدة والألوية الحمراء في مدينة صقلية الإيطالية وحركة بايدر- ماينهوف الألمانية ومنظمة الباسك الأسبانية، حيث اتخذت هذه الحركات المتطرفة العنف كهدف لتحقيق أهدافها المختلفة وقد عانت أوروبا الكثير.

في المنطقة العربية والشرق الأوسط كانت الصراعات العسكرية وما نتج عنها من إحباط لكثير من الشباب خاصة الصراع المسلح مع الكيان الإسرائيلي ردود فعل تتماشى وذلك الإحباط علاوة على سوء الأوضاع الاقتصادية وغياب النموذج، ويبدو لي أن الحرب في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي السابق وما نتج عنها من اندحار للجيش السوفييتي وضع آلاف الشباب في وضع فراغ ينبغي اشغاله، ومن هنا نشأت الحركات المضادة للوضع الإسلامي المتردي في أكثر من منطقة ومن هنا جاءت حركات القاعدة ومن بعدها داعش وبوكو حرام في نيجيريا والجماعة المسلحة الآن في شمال سيناء وفي تصوري أن الأبعاد النفسية والإحباط هو الذي جعل الفكر المتطرف يسيطر على الساحة في العالم ولعل حادثة المسجدين في نيوزيلاندا هي مثال صارخ على التطرف والتعصب الذي أصاب تلك المجموعات والأفراد.

ماهو الإرهاب؟

لا يوجد تعريف محدد لظاهرة الإرهاب بل أن الاعلام الغربي يخلط المفهوم بين العنف والإرهاب لأسباب ايديولوجية كما أن الأمم المتحدة عجزت عن وضع تعريف دقيق لمفهوم الإرهاب وبالتالي اصبح المصطلح يخضع للأهواء السياسية وقوة الاعلام الغربي والذي أراد أن يلصق تهمة الإرهاب بالإسلام وهذه مغالطة كبيرة حيث أن حركات التطرف كما تمت الإشارة كان منبعها الغرب.

إذن الإرهاب لا دين له ولا وطن وإنما هي صراعات نفسية وكراهية تأصلت ضد المعتقدات وضد إيديولوجيات لا تتماشى مع سلوك البعض علاوة علي خلفيات تاريخية أساسها الصراع الإسلامي-النصراني خلال الحروب الصليبية والتي كانت لها آثار سلبية كبيرة شهدناها في مجمل الأفكار التي تضمنت الدوافع التي جعلت ذلك المواطن الاسترالي أن يقدم على فعل جريمته النكراء ضد الأبرياء وهو يؤدون شعائرهم الإسلامية.

وعلى ضوء غموض تعريف الإرهاب سيظل السجال قائما وسوف تتكرر الأحداث والتفسيرات لكل عملية إرهابية، ومن هنا فان الحكمة تقتضي أن يكون هناك مؤتمر عالمي حول الإرهاب تحديدا يتم من خلاله وضع الآليات ودراسة جذور هذه الظاهرة الخطيرة ومسبباتها وكيف يمكن محاصرة الظاهرة فكريا.

فتلك الحركات المتطرفة التي تمت الإشارة إليها في أوروبا منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي واستمرت لعدة عقود تلاشت عسكريا ولكن مفهوم التعصب بقي حاضرا في النفوس خاصة مع كل مرحلة يصعد فيها اليمين المتطرف الى السلطة في أوروبا والولايات المتحدة، ومن هنا فإن محاربة ظاهرة الإرهاب ينبغي أن تكون فكرية وليس فقط مواجهة عسكرية.

المقاربة الفكرية

تظل ظاهرة داعش في المنطقة العربية من الظواهر التي تستحق التأمل والدراسة خاصة وأنها جاءت بسلوكيات مرعبة واستطاعت التمدد في مناطق شاسعة من أراضي العراق وسوريا، صحيح أن داعش تم دحرها الى حد كبير ولكن من المهم العمل علي اجتثاثها فكريا من خلال آليات محددة في المناهج التعليمية وعقد المؤتمرات التي تبصر الشباب بشكل خاص بخطورة التطرف والتشدد في الآراء كما منظمة التعاون الإسلامي عليها دور كبير في دراسة الظاهرة بشكل متعمق خاصة وان الإعلام الغربي ومع كل حادثة عنف يتوجه بالتهمة الظالمة الى الإسلام الحنيف وهو الدين الذي يدعو الى التسامح والاحتكام الى كلمة سواء.

ان مواجهة الإرهاب هي ظاهرة عالمية ولا يمكن ربطها بالأديان أيا كانت فالذي حدث في نيوزيلندا لا يمكن ربطه بالديانة المسيحية على الإطلاق بدليل التعاطف والمواقف المشهودة التي وقفتها الحكومة في نيوزيلندا وفي مقدمتهم رئيسة الوزراء والشعب بكل أطيافه ومن هنا فإن محاصرة الإرهاب فكريا هو الخطوة الأولى لمحاصرته في الشرق والغرب على حد سواء، كما أن الصراعات السياسية وعدم وجود العدالة الاجتماعية والتهميش هي قضايا تستحق الدراسة لأن تلك العوامل محفزات لاستغلال الشباب في كثير من دول العالم الإسلامي على وجه التحديد.

التطرف والإرهاب في الغرب يأتي من خلال خلفيات الصراع التاريخي من خلال بعض الشخصيات المتطرفة التي وصلت الى السلطة، فهناك النازيون الجدد في ألمانيا والذين ينادون بطرد ملايين المهاجرين وهناك في إيطاليا حركات متطرفة جاءت في أعقاب تلاشي منظمة الألوية الحمراء لتنادي بتطهير إيطاليا من الغرباء وأيضا في فرنسا وفي الولايات المتحدة فإن اليمين المتشدد له آثار سلبية ومن هنا جاء إصرار الرئيس الأمريكي ترامب علي بناء الجدار علي الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك والرفض الذي جاء من الكونجرس باعتبار ذلك عملا عنصريا.

آليات المواجهة

ستبقي ظاهرة الإرهاب قائمة في ظل المؤشرات على تنامي الكراهية والتي يغذيها الاعلام غربا وشرقا من خلال استغلال الصراعات المسلحة ومن هنا تأتي أهمية آليات المواجهة من خلال وجود خطوات عملية تبدأ بوضع تعريف للإرهاب بعيدا عن الأديان والاعراق، كما أن آليات المواجهة لابد أن يشترك فيها علماء النفس والاجتماع والإعلام والاقتصاد لتكوين جبهة موحدة للخروج بمقاربات تحد أولا من الظاهرة ثم محاصرتها فكريا حيث أن المحاصرة الفكرية تعد هي المفتاح الذي من خلاله تتراجع المحفزات للشباب للانخراط في تلك المنظمات الإرهابية بحجة عدم وجود العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وغيرها من المحفزات وأيضا وجود المال السياسي والذي كان له دور كبير في انخراط آلاف الشباب في منظمة داعش وحتى من أوروبا.

من الجانب الآخر لابد من دراسة احتياجات الشباب العربي تحديدا من خلال جملة من المحفزات الوطنية، حيث أن توفير فرص العمل والانخراط في المسار الرياضي والتعديلات على المناهج الدراسية في بعض الدول وإيجاد مناخ إيجابي للمستقبل سوف يجعل الشباب اكثر قدرة على الإبداع العلمي والمعرفي بدلا من ضياع مستقبله في حركات لا مستقبل لها وهي تبيع الوهم في نهاية المطاف.

ويبدو لي أن وزارات التربية والتعليم في الدول العربية لها دور كبير وكذلك دور الأندية في شغل فراغ الشباب العربي والمسلم بعيدا عن المحفزات السلبية، حيث نرى الآن آلاف الشباب الذين انخرطوا في مشروع داعش لا مستقبل لهم وهم في حالة ضياع وعلى ضوء ذلك فإن ظاهرة الإرهاب تستغل في أحيان كثيرة على المستوى السياسي وفي مشاريع غير أخلاقية لتحقيق الأهداف وهذا الأمر اثبتته الدراسات من خلال عدة ظواهر كان هدفها ابتزاز الدول العربية بشكل خاص.

ظاهرة الإرهاب في العالم هي ظاهرة صعبة والحلول تحتاج الى وقت ورؤية واضحة كما أن العمل الجماعي لتقليص الظاهرة سوف يحتاج الى إمكانات جماعية كما حدث في المواجهة مع داعش، ومن هنا فإن المرحلة تقتضي أن يكون هناك تعاون دولي وإقليمي لدراسة ظاهرة الإرهاب بكل أبعادها والعمل على محاصرتها فكريا قبل أن تكون عسكرية لأن الفكر هو الأخطر من الفعل المادي، كما أن دور الأمم المتحدة بأجهزتها المختلفة لابد أن يكون لها حضور قوي من خلال تخصيص اجتماع للجمعية العامة أو حتى مجلس الأمن للخروج باليات قابلة للتطبيق لأن تواصل ظاهرة الإرهاب سوف يشكل خطرا كبيرا على الحضارة الإنسانية وعلى التعايش السلمي بين الشعوب وهي بذلك قد تقود الى حروب دينية وعرقية.