layla
layla
أعمدة

حنيف قريشي ثمّة ما يقوله لنا

24 مارس 2019
24 مارس 2019

ليلى عبدالله -

يسير الروائي البريطاني من أصل الباكستاني «حنيف قريشي» على الخطى نفسها في تناول موضوعات المهاجرين وأوضاعهم في رواياته، ومثله مثل الروائية « جومبا لاهيري» الهندية المقيمة في أمريكا وحاملة جنسيتها، التي ما تزال تطرح أحوال المهاجرين الهنود في دول أوروبا دون أن تفقد صلتها ببلدها الأم، فرواياتها انتقال سلس ما بين الحياة في بلدها وبلد المهجر، والروائي المثير للجدل «سلمان رشدي» صاحب أفكار سردية جريئة ومجنونة في آن. هؤلاء الكتاب أثبتوا عبر كتاباتهم الجادة أن قيمة الإنسان مهما كانت أصوله وانتماءاته تكمن بقيمة ما ينجزه.

لقد حضوا بمكانة رفيعة في مجتمعاتهم، وأثبتوا رغم كل الاختلافات العرقية والهويات المزدوجة والعنصرية أنهم جديرون بالنجاح، والفلاح الحقيقي في الاختلاف بحد ذاته.

«حنيف قريشي» الذي ينتمي إلى عائلة من المهاجرين الباكستانيين الأوائل في بريطانيا هو كاتب روائي وكاتب سيناريو، ومخرج سينمائي، ومدرس الكتابة الإبداعية أيضا، كاتب بمواهب متعددة وهويات متعددة أيضا، كل ذلك ساهم في تكوينه الروائي وقدرته التجريبية في خلق شخصيات مغرمة بدورها بالتجريب، شخصيات متمردة، وأخرى تنحو نحو كل تغيير حتى على الصعيد حياتها الجنسية.

في روايته « ثمة ما أقول لكم» الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ترجم « د. ناجي رشوان» يلقي أفكاره عن أحوال المهاجرين من الجالية الهندية والباكستانية في بريطانيا، وعن مدى تشعب حيواتهم في مدينة الضباب.

المهاجرون في روايات حنيف قريشي يعيشون في أوضاع اقتصادية جيدة، ومعظمهم من عائلات تعنى بالواجهة الاجتماعية، ويحظون بتعليم جيد وبثقافة عالية أيضا، لكن من حيث أفراد في العائلة فإنهم يعانون من الشتات الأسري، ففي روايته الأولى « بوذا الضواحي» كانت تتحدث عن عائلة تعاني من الفوضى ولديهم رغبات كامنة في تجريب كل سبل الحياة مهما بدت هذه الحياة، أفراد مهووسين بالتجريب حتى على مستوى الحياة الجنسية، وأغلب شخصياته منحلون جنسيًّا بالمعنى الدقيق، والأمر عينه تعاني منه شخصيات روايته «ثمة ما أقول لكم» سواء عبر شخصية «جمال» الطبيب النفسي الذي ظل يكتب في بداياته روايات إباحية ويخرج أفلاما لها، كذلك أخته في الرواية «ميريام» المهووسة بالجنس وبتجريبه مع كل رجل تقابله، هي امرأة متسلطة، ولها أطفال كثر من آباء مختلفين، ومدمنة مخدرات، ومنزلها مهجع للغرباء وتقع أخيرًا في حب صديق أخيها الرجل البريطاني « هنري»، والجدير بالذكر هنا أن الروائي « حنيف قريشي» في بداياته الكتابية كان يكتب روايات جنسية وكان ينشرها تحت اسم مستعار

« أنطونيا فرينش»، يقينا منه أن الكتابة مهما كان نوعها هو طريق إلى الثراء، وبالفعل حظي بثروة هائلة منذ كتابة روايته الأولى «بوذا الضواحي» بل وحظي بشهرة أدبية واسعة.

تعاني شخصياته في الرواية من هوية مزدوجة ومن عنصرية مقيتة في ظل مجتمع انجليزي، فوالدهم باكستاني من عائلة ثرية في كراتشي غير أن أمهم بريطانية، وعاشوا لفترة طويلة مع الأم بعد أن رفضت والدتهم مغادرة بريطانيا الى حيث زوجها الذي عزم بعد انجاب الطفلين على الاستقرار في بلده كراتشي.

تتخلى شخصياته في الرواية عن كل المثل، ولا تؤمن بالدين، غير مستقرين حتى مكانيًّا كما لو أنهم مشردون! ففي الروايات ينتقل الأشخاص إلى عدة أماكن ودول، بريطانيا، باكستان، الولايات المتحدة، إنهم يبحثون عن ذواتهم المعذبة، يعانون من عدم السكينة، ومن الخواء الروحي، ومن رتابة الحياة، وكأنه يبحث عن نفسه الضائعة، المنحلة، المتمردة، فرواياته هي انعكاس بواقع حياته، يكتب عن نفسه، عن الظروف التي مر بها، وما يزال يعيش فيها، عن حيواته المتعددة ككاتب وكأب وكزوج وكأخ. ذلك المراهق النزق لا يزال يحركه كروائي وسيظل مسكونًا بها حتى لو بلغ أقصى حد من الشيخوخة، بمن يحمل روحًا جهنمية كروحه لن تشيب قط!