tunis
tunis
أعمدة

تواصل: أنت لست أخي !!

19 مارس 2019
19 مارس 2019

تونس المحروقية -

hlaa202020 @ -

مشهد أول :

ينتشر خبر الحادث الإرهابي المؤلم فلا يمانع بعض المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي من نشر بعض الصور المليئة بالمشاهد المؤلمة التي توضح وجوه بعض المصابين أو المتوفين وذلك بحجة إظهار كمّ التعاطف مع ضحايا تلك الجريمة التي أردتهم بتلك الحالة، لتقرأ بعدها تعليقات من شاكلة: «بأي ذنب قتلت» ؟ أو «كانوا لا يعرفون أنهم سيرحلون اليوم» أو قد يطلب الناشرون لتلك الصور الدعاء بالرحمة للضحايا لتنهال الردود من بعض المتابعين حول جواز الدعاء بالرحمة لغير المسلمين ثم يبدأ التلاسن بين من يؤمن بأن الرحمة جائزة للجميع ومن يرى أنها غير ذلك ليتحول الموضوع من قضية الحادث الإرهابي وضحاياه وصوره المؤلمة وأسبابه إلى خلافات فقهية وأحيانا مذهبية!.

مشهد ثانٍ:

في البلد الذي يقع فيه الحادث الإرهابي، يسارع المقيمون في ذلك البلد وخصوصا ممن لديهم حسابات في «فيس بوك» إلى نشر منشور مع إشارة « آمن » والذي يتيحها فيس بوك للاستخدام في مثل هذه الظروف لطمأنة أسرهم وأصدقائهم وإخبارهم أنهم قد نجوا من الحادث ، ثم يبدأ هؤلاء في تحديد مواقعهم في وقت الحادث وما إذا كانوا بالقرب منه أم أن أقدارهم أبعدتهم عن ذلك المكان، رغم أنهم مثلا ربما كانوا يمرون من ذلك الموقع يوميا في طريقهم لمختلف مناحي حياتهم، يتفرعون بعدها في سرد العلاقة التي تربطهم بذلك المكان في حال وجودها ليتحول الحديث من الحادث الإرهابي إلى علاقة الأشخاص بمكان الحدث وتاريخ تلك العلاقة وأثرها وماهية مشاعرهم تجاهه حاليا.

مشهد ثالث :

هم ربما يعرفون شخصيا بعض من توفوا أو أصيبوا في الحادث الإرهابي ، فيبدأون في وضع صور متعددة للشخص وسرد تفاصيل من حياته ومواقف تظهر أنه كان إنسانا خيرا ولم يؤذِ أحدا في حياته، ويأسفون فيه على المصير الذي آل إليه والذي لا يستحقه ، هم يدعون له بالرحمة وينشرون الصور التي تجمعهم بالشخص إن وجدت، وبعض من صور أفراد عائلته الذين سيخلفهم وحدهم بعد رحيله، يذكرون كم يحتاجونه وكم كانوا يعولون على وجوده.

مشهد رابع

هناك من يتحدثون في حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي ويقولون إن صورة الإسلام مستهدفة في كل حادث إرهابي حتى لو كان معتنقوه ضحايا في ذلك الحادث، وأن هناك مؤامرة دولية على الإسلام تدعمها وسائل الإعلام الغربية التي تؤصل هذه الصورة ثم يمضون في التحليل بناءً على تلك القناعات وهناك من يبرر للقاتل ويرى أنه ضحية لمجتمعه الذي لم يحصنه بالتعليم والوعي اللازم الذي يقود لمعرفة أن العنف ليس هو الطريق الأمثل لإقناع الآخر وبين هذا وذلك يمتلئ الوسم بالكثير من الاختلافات في الرأي والتي يتمسك كل طرف فيها برأيه ولا يمانع من أن يشتم الآخر كي يبرهن له أنه لا يفهم شيئا وأنه وحده من يمتلك الحقيقة كاملة !

مشهد خامس :

يقرر أن يصور الحادث الإرهابي وينقله مباشرة لمتابعي حسابه عبر خاصية البث المباشر لإحدى وسائل التواصل الاجتماعي، يفعل فعلته الإرهابية تلك والتي يشعر أنه من خلالها أصبح بطلاً ثم يصبح ذلك الحساب الوسيلة الوحيدة التي تنقل منه كل قنوات العالم اللقطات المعروضة لذلك الحدث الإرهابي.

أثبتت وسائل التواصل الاجتماعي أنها أداة هامة للتواصل خلال الأزمات والكوارث التي قد تحدث في أي وقت، وقد تفوق في سرعة إيصالها المعلومة وسائل الإعلام التقليدية، حيث تلعب دوراً مهماً في الإخبار وإمداد المعلومة أولاً بأول من أشخاص قد يكونون على علاقة مباشرة بتلك الحادثة بشكل قد لا تستطيعه بنفس السرعة وسائل الإعلام الرسمية، وهنا ينبغي الذكر أنه لم تعد الحوادث الإرهابية التي تحدث في العالم شيئاُ عابرا يمر على مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي مرورا عابرا، فبمجرد حدوث حادث ما في دولة معينة تتوحد مسميات وسوم « هاشتاجات » وسائل التواصل الاجتماعي وتضج بالعديد من المشاهد التي تنشط في كل وسم يأتي مباشرة في أعقاب أي حدث إرهابي، فهناك الصور والعبارات، والأدعية والمرثيات والفيديوهات وأحياناً الفتاوى!

يتفاعل المعنيون والمهتمون بما حدث ويبدأون في النقاشات التي قد تبدأ بموضوع الحدث ثم بعد معرفة الخسائر والمتسبب والتشبع من الصور المتداولة للحادث تتشعب لموضوعات أخرى كثيرة لكن خلالها يطمئن من يريد منهم على ما يحدث في بلد الحادث وقد يتواصل مع المصابين من خلال حساباتهم هناك، وهذا أمر يحسب لمنصات التواصل الاجتماعي، كما لا يغيب في كل حادث إرهابي انتشار صورة معينة بشكل واسع بحيث يتم تداولها عالمياً في وسائل التواصل الاجتماعي وقد تكون ربما الأكثر تأثيراً لزمن أو حتى عبارة معينة قيلت في موقع الحادث الإرهابي من شاكلة: مرحباً أخي التي قالها أحد المصلين للإرهابي في حادثة قتل المصلين في نيوزيلاندا مؤخراً والتي رد عليها الإرهابي بأن أرداه قتيلاً وكأنه يقول له بسلاحه عفواً أنت لست أخي !!