الملف السياسي

قمة تونس.. تساؤلات واستشرافات

18 مارس 2019
18 مارس 2019

إميل أمين - كاتب مصري -

لا ينسى احد من قادة العرب في تونس ان الجروح العربية كثيرة، ومنها ما هو نازف وبقوة في اليمن الذي كان سعيدا يوما ما ولا احد يعلم الى أين تمضي أزمته سيما وان كافة المحاولات الدولية تبدو غير ذات جدوى حتى الساعة، وليس سرا ان ما يحدث على الأراضي اليمنية موصول بدوره بصراعات إقليمية واسعة وعديدة، وتحتاج الى تكاتف جهود عربية فلعلها تصلح ما فشل فيه سفراء الأمم المتحدة ومبعوثوها.

على بعد ايام من ظهور هذه السطور الى النور يكون القادة والزعماء، الملوك والرؤساء العرب في طريقهم الى تونس من اجل أعمال القمة العربية وسط أوضاع مأزومة بادية للعيان، ولا ينكرها احد، ومع التساؤلات العديدة المطروحة على الساحة قبل انعقاد القمة يبقى الجزء الاهم هو مساءلة الرؤى الاستشرافية من اجل محاولة الوصول الى الطريق وأين يؤدي، والالتئام والهدف منه، وفي الحال والاستقبال نبقى مغلبين الآمال الإيجابية للخروج بتوصيات تصالحية وبدايات جديدة في تونس.

المؤكد ان الاوضاع التي يعيشها الوطن العربي في الوقت الراهن هي اوضاع صعبة والآمال التي يعلقها العرب من النخبة والعوام على قمة تونس في 31 مارس كبيرة.

الامل الاول والذي طال انتظاره لعقود هو التضامن العربي، وربما يكون المطلب في الحال يتجاوز امكانيات الواقع بأبعاده الاقليمية والمحلية، ولهذا يضحى امرا طبيعيا ان يكون الهدف هو تحقيق ولو الحد الأدنى من التضامن العربي - العربي، بما يساعد على حل الأزمات الكبيرة في كل من ليبيا وفلسطين، سوريا واليمن، وفي دول مثل العراق، هذا أولا اما عن التحديات التي تشمل الجميع كمواجهة الإرهاب والتنمية المستدامة والتعليم والإعلام وغيرها فحدث عنها ولا حرج.

من أين يمكن للمرء ان يبدأ حديث الرؤى الاستشرافية عن القمة القادمة ؟

من الصعب بمكان فصل الملفات بعضها عن بعض، غير ان قضية العرب المركزية وما يجري من حولها قد تكون الركيزة الأولى لجمع الشمل، ونعني بها القضية الفلسطينية، سيما وان الحديث عن الصفقة الأمريكية التي اطلق عليها صفقة القرن يتسارع في الآونة الاخيرة، ومن الطبيعي ان يكون هناك شكل من أشكال التعاطي الإيجابي الخلاق مع ما يعرضه الآخرون علينا، بمعنى انه لا يجدي الرفض المطلق من دون مناقشة جدية لما يطرح، ومحاولة تحقيق اكبر مكاسب حسبما تسمح الظروف الآنية للمجتمع الدولي.

ولعل ما يعطي انطباعا بان قضية الصراع العربي الإسرائيلي عامة والفلسطيني خاصة تكتسب زخما خاصا في هذه القمة، الجولة التي قام بها جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاسبوعين الماضيين في المنطقة، وذلك في محاولة جديدة لتوحيد الجهود وراء تنفيذ صفقة سلام، سيما وان الانتخابات الإسرائيلية ستكون قد تمت في اوائل ابريل المقبل، وبذلك لن يكون هناك عائق سياسي داخلي يمنع القادة الاسرائيليين من التركيز على الوصول الى صيغة سلام ان وجدها الطرف الفلسطيني ملاءمة، ولا يخفى على القارئ ان هناك كثير من الاطراف العربية تحاول دعم وزخم الساعين للسلام على أمل الانتهاء من صراع طال أمده نحو ثمانية عقود، ويقف حائلا بين التعايش الإنساني المشترك في الشرق الاوسط شريطة ان يكون سلاما عادلا وشاملا، ومن دون شعارات زاعقة او رايات فاقعة.

أيضا تأتي القمة العربية والعالم العربي أمام احد اهم الاستحقاقات التاريخية ذاك المرتبط بشيوع وذيوع الإرهاب والإرهابيين في المنطقة، وربما من المصادفات القدرية ان القمة تأتي وكأنها على موعد مع تصفية آخر جيوب داعش في منطقة الباغوز السورية، ما يعني ان داعش انهزم عسكريا.

لكن السؤال المقلق للعقول هل هي هزيمة مرة والى الأبد؟

تقول التقارير ان هناك لا يزال نحو 20 ألف مقاتل داعشي في سوريا والعراق حتى الساعة قدر لهم ان يتسربوا، او ان أحدا ما سربهم الى الداخل العراقي تحديدا، وذلك لأغراض غير واضحة أو مفهومة حتى الساعة، وربما استعدادا لمعارك قادمة لا يعلم احد برؤى القائمين عليها، ومعنى ذلك ان المعركة العسكرية مع داعش لم تنته وان التنظيم لم يقض عليه سيما وان مئات ملايين الدولارات التي تحصل عليها أعضاؤه قد تبخرت دفعة واحدة ما يعزز من حالة الشكوك حول مستقبل الإرهاب في العالم العربي.

أما الجزئية الأهم الواجب النظر إليها من قبل القادة العرب في قمة تونس تتعلق بكيفية محاربة ومجابهة الإرهاب بشكل أوسع وأعمق من مجرد المواجهة العسكرية، ذلك ان التنظيمات الإرهابية في حاضرات أيامنا لم تعد تراتبية أو هيراركية كما كان الحال في وقت تنظيم القاعدة، حيث كانت هناك قيادة معروفة، ومقرات شبه مكشوفة، وأعضاء يلتزمون بتنفيذ تعليمات مكتوبة، وفي هذا السياق كان من اليسير للمرء ان يتتبع تحركات مريديه وان شئت الدقة قل إرهابييه المسلحين،ومرات أخرى كان من الصعب ذلك بسبب مهارات المجموعة كما حدث في الحادي عشر من سبتمبر.

غير ان الكارثة الكبرى التي يواجهها العالم العربي اليوم ان الإرهاب لم يعد عنقوديا، وباتت الخلايا الإرهابية تنتشر بطرق غير معهودة ولا مسبوقة، طرق من عينة وسائل التواصل الاجتماعي وأجهزة الإنترنت وبقية المخترعات الإلكترونية التي تخلق عالما رقميا يصعب الإحاطة به أو معرفة أبعاده، ومن هذا السياق ما رأينا ونراه من أسف شديد ويعرف باسم ظاهرة الذئب المنفرد.

أمام القادة العرب في تونس بند غاية في الأهمية عن مواجهة الإرهاب في العقود القادمة، وربما يكون من المطلوب وعلى عجالة بلورة شراكة أمنية واستخباراتية على أعلى مستوى بهدف استباق هؤلاء وأولئك، وبخاصة في ظل التقارير الأخيرة التي تشير الى انتقال ما تبقى من تنظيم داعش من منطقة الى أخرى، ومحاولة إعادة تنظيم صفوفهم مرة جديدة، وبما يجعل القادم أسوأ بكثير وربما اضر وأهول عشرات المرات، فالذين فروا من ساحات الوغى في العراق وسوريا، باتت لديهم قدرات عسكرية وذهنية، يمكن لها ان تجعل من الشرق الأوسط جحيما مقيما ان أرادوا.

على عتبات القمة العربية لا تزال الجروح في الجسد العربي مفتوحة وفي المقدمة منها الجرح السوري الذي طال، ومعركة سوريا بعد لم تنته، فحتى لو كانت المواجهة المسلحة مع داعش قد حسمت بشكل شبه نهائي الا ان معارك السوريين في الداخل لا يزال أمامها شوط طويل حتى تنتهي.

لا احد قادر حتى الآن على الجزم بما اذا كانت القمة ستشهد مشاركة الرئيس السوري، أو بداية الحديث عن عودة سوريا الى الجامعة العربية، أي بداية التعاطي الإنساني والوجداني العروبي مع سوريا والتي بقيت طويلا خارج الصف العربي، وحان وقت معالجة الأمر، ولا يبقى هناك معنى أو مبنى لبقاء سوريا بعيدة عن الحضن العربي، الأمر الذي ألمح إليه الأمين العام لجامعة الدول العربية معالي احمد ابو الغيط والذي اشار الى انه لم يرصد بعد أي خلاصات تقود الى التوافق الذي يسمح بعودة سوريا الى السرب العربي من جديد، او أي تطور مفهومي في هذا السياق.

والمعروف انه لكي تعود سوريا يجب ان يكون هناك توافق، ويصدر بقرار مكتوب يقره المجلس الوزاري، وتتحرك بالتالي بموجبه الأمانة العامة، فالأمانة العامة او الأمين العام للجامعة العربية لا يبادر بذاته في أي اتجاه، لان الإطار الحاكم لهذا امر هو قرارات الجامعة العربية.

على عتبات القمة العربية تبدو في الأفق إرهاصات لحلول توافقية في الداخل الليبي، وهناك جرح عربي آخر غائر من سنوات طوال، وكارثة ما يجري على الأراضي الليبية هو احتمالات التقسيم الى ثلاث دول شرقا وغربا وجنوبا، ان لم يحافظ ابناء ليبيا من الليبيين على وحدة أراضيهم وإقليمهم، وربما تتسق سيناريوهات التقسيم مع مصالح غير عربية لا تخفى على احد قائمة على الأراضي الليبية منذ إسقاط نظام القذافي وحتى الساعة.

الأمر الآخر المخيف ليس لليبيا ولا لليبيين فقط، بل له علاقة بحركة الإرهاب الدولي في المنطقة، وهذا شأن يهم جيران ليبيا سواء في شمال إفريقيا أو بالنسبة للدول المشاطئة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ومن ناحية اخطر واوعر ما يتعلق بخطط جماعات إرهابية لاختراق القارة الإفريقية وتكوين دولة «خلافة» جديد مرة أخرى هناك، مستغلين ضعف الأوضاع الأمنية والصراعات العرقية ووعورة التضاريس الجغرافية التي تقدم مأوى وملجأ.

ربما يكون مطلوب وعلى وجه السرعة من القادة العرب في تونس دفع الاستقرار في ليبيا الى الأمام، وبمعنى اكثر وضوحا مساندة الأطراف الليبيبة المتنازعة لتحقيق وحدة الصف والكلمة من خلال الانتخابات التشريعية القادمة من جهة، وصف الجهود المسلحة وراء الجيش الليبي من ناحية ثانية، من اجل صالح ليبيا والليبيين في الحال والاستقبال.

لا ينسى احد من قادة العرب في تونس ان الجروح العربية كثيرة، ومنها ما هو نازف وبقوة في اليمن الذي كان سعيدا يوما ما ولا احد يعلم الى اين تمضي ازمته سيما وان كافة المحاولات الدولية تبدو غير ذات جدوى حتى الساعة، وليس سرا ان ما يحدث على الأراضي اليمنية موصول بدوره بصراعات إقليمية واسعة وعديدة، وتحتاج الى تكاتف جهود عربية فلعلها تصلح ما فشل فيه سفراء الأمم المتحدة ومبعوثوها.

لن نضحى متشائمين ونقول ان الخروق تتسع على الراتق، بل نأمل في ان يكون لقاء تونس فسحة أمل جديدة في سماوات عربية اكثر إشراقا مما هي عليه الآن.