الملف السياسي

بين واقع عربي منقسم وطموحات تونسية لإنجاح القمة

18 مارس 2019
18 مارس 2019

سعيد شلش -

رغم مشروعية المطالب العربية، وضخامة التحديات التي تواجه دول المنطقة، إلا أن الانقسامات العربية، وتباين الرؤى حول الملفات المطروحة، والفيتو الأمريكي المعلن ضد عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وجولة كوشنر»عراب صفقة القرن»

في ظل واقع عربي مأزوم، تنعقد الدورة العادية الثلاثون للقمة العربية نهاية مارس الجاري في العاصمة التونسية، وسط ظهور مؤشرات تعكس حجم التباينات العربية- العربية حول مختلف الملفات الرئيسية المطلوب حسمها:«الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، واستمرار الحرب في اليمن، وتعثر مهمة المبعوث الأممي إلى ليبيا الدكتور غسان سلامة».

ورغم مشروعية المطالب العربية، وضخامة التحديات التي تواجه دول المنطقة، إلا أن الانقسامات العربية، وتباين الرؤى حول الملفات المطروحة، والفيتو الأمريكي المعلن ضد عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وجولة كوشنر»عراب صفقة القرن»، في بعض العواصم العربية قبل القمة مباشرة لتسويق الصفقة، يحول دون حسم هذه القضايا، وهو ما يقلل من حجم التوقعات، ويزيد من حجم المخاطر.

ملف عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بعد تعليق عضويتها في 2011، هو الملف الذي أرادت من خلاله الدولة المضيفة «تونس» حدوث اختراق ودعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمة، ما يعني عودة سوريا إلى الجامعة. إلا أن وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي،عبر عن موقف بلاده من عودة سوريا إلى الجامعة العربية، في تصريحات أدلى بها مؤخرا لإذاعة«موزاييك أف أم» التونسية المحلية قال فيها:«إن حضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية المقبلة، لم يتقرر بعد، مشيرا إلى أن موقف بلاده لا يمكنه تجاوز الجامعة العربية التي جمدت عضوية دمشق في أكتوبر 2011، وهذا يتطلب عقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب قبيل انعقاد القمة وقد تقرر أن يكون في 29 مارس الجاري لبحث القضايا التي يتم طرحها على القمة ومن بينها عودة سوريا، مؤكدا على أن بلاده حريصة على لم الشمل العربي الذي لن يكتمل إلا بعد عودة هذه الدولة الشقيقة إلى جامعة الدول العربية».

الحديث عن إمكانية دعوة الرئيس السوري لحضور اجتماع القمة العربية، تزامن مع زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى سوريا ولقائه الرئيس السوري، في زيارة كانت هي الأولى لرئيس عربي إلى سوريا منذ اندلاع الحرب هناك، وبعد زيارة البشير لدمشق بأسبوعين أعادت دولة الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، مما أعطى انطباعا على أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية باتت قريبة وستكون من بوابة القمة العربية في تونس.

إلا أن هذه الأحلام تبخرت مع ظهور الفيتو الأمريكي الذي حذر الدول العربية التي أعلنت تأييدها لعودة دمشق إلى الحضن العربي من عودة العلاقات مع دمشق في هذه المرحلة وأن تظل السفارات العربية مغلقة ليس فيها سوى صغار العاملين. هذا مع العلم أنه لم تقطع كل الدول الأعضاء في الجامعة العربية علاقاتها مع سوريا بعد تفجر الحرب هناك في عام 2011 فقد احتفظت سلطنة عمان بالعلاقات الدبلوماسية مع دمشق.

تأثير الفيتو الأمريكي، ظهر بوضوح بعد أقل من 48 ساعة، حيث أعلن الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أنه لا يوجد توافق بين الدول الأعضاء، قد يسمح بعودة سوريا إلى عضوية الجامعة العربية. والمثير للتأمل أنه في الوقت الذي تتعنت فيه بعض الدول العربية تجاه عودة سوريا إلى الجامعة العربية - وهي إحدى الدول المؤسسة للجامعة- تحتفظ سوريا بعضويتها في الأمم المتحدة وكل منظماتها الدولية والمتخصصة، وتشارك في جلساتها وفاعلياتها جنبا إلى جنب مع الدول الكبرى والدول العربية، في حين تظل عضويتها معلقة في الجامعة العربية في الوقت الذي بدأت فيه الدولة السورية تتعافى بعد حرب أهلية مريرة على مدى ثماني سنوات (2011-2019).

الملف الثاني وهو الأكثر تعقيدا منذ وصول الرئيس ترامب إلى الحكم، هو ملف التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، والتوجهات الإسرائيلية الأمريكية التي تعمل على تبني استراتيجية جديدة ترتكز على ما بات يعرف بـ «صفقة القرن»، والتي تركز على»السلام الاقتصادي»، وإسقاط القدس واللاجئين من قضايا الوضع النهائي، وتضغط واشنطن بقوة على بعض الأطراف العربية الفاعلة على تبني «صفقة القرن»، ودفع القيادة الفلسطينية للقبول بها، وهو ما يعني تصفية القضية الفلسطينية.

وقد عبر عبد اللطيف عبيد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، رئيس مركز تونس، على أن المطلوب عربيا هو: »التمسك بحل الدولتين باعتباره الحل المناسب للتسوية، وأن تكون هناك دولة فلسطينية تعيش في سلام وأمن واستقرار بجوار دولة إسرائيل، وأن مبادرة السلام العربية لا تزال تمثل الرؤية العربية التي تحظى بإجماع عربي لحل القضية الفلسطينية، بل والصراع العربي الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وأن أي تسوية سياسية مطروحة لا تحقق هذا الهدف المشروع والمقبول دوليا لن يكتب لها النجاح».

عبيد أكد أيضا في تصريحات صحفية على أن: »قمة تونس مناسبة لمتابعة مخرجات قمة الظهران، ومحاولة سد الفجوة بين بعض الدول العربية في إطار الحرص على وحدة الموقف والمصير العربي المشترك، لمواجهة التحديات الدولية التي أصبحت مؤثرة بشكل كبير في الشأن العربي».

الملف الثالث الذي لا يقل تعقيدا عن الملفين السابقين، هو ملف «الحرب اليمنية»، التي تعتبرها الجامعة العربية نتيجة صراعات إقليمية. ومع أن اتفاق ستوكهولم الذي وقع في 3 ديسمبر 2018 والذي سمح بفتح ميناء الحديدة وجعله خارج دائرة الصراع قد ساعد على دخول المساعدات الإنسانية، إلا أن المعارك لا تزال جارية على أكثر من محور وفي كل يوم يسقط عشرات الأبرياء ما بين قتيل وجريح، وتزداد معاناة الناس على كافة الأراضي اليمنية دون ظهور بارقة أمل توحي بوقف الحرب وبدء جولة جديدة من المباحثات بين الحكومة الشرعية وجماعة أنصار الله وحليفها حزب المؤتمر الشعبي العام تضع حدا لهذا الصراع الدموي الذي أعاد اليمن سنوات طويلة إلى الوراء وضاعف من معاناة الناس على كافة الأصعدة.

وبالرغم من كل هذا الواقع المأساوي فإن من غير المتوقع أن يشهد هذا الملف نقلة نوعية خلال هذه القمة لعدم وجود إرادة حقيقية لوقف هذه الحرب العبثية التي دخلت عامها الرابع دون تحقيق أي هدف من أهدافها التي أعلنها التحالف العربي في اليمن.

في الملف الرابع والأخير، وهو الملف الليبي، لا يوجد تقدم في الحل السياسي نظرا للدور الذي تلعبه بعض القوى الإقليمية والدولية وانغماسها في لعبة الصراع الجارية على الأراضي الليبية، ومع كل اقتراب من الحل الذي تشرف عليه الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى ليبيا الدكتور غسان سلامة، تتعقد المشكلات أكثر وأكثر.

كما هو واضح فلن تكون هناك إمكانية لحلحلة القضايا الخلافية التي تطفو على السطح منذ سقوط نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، ولا أعتقد أن قمة تونس ستحدث اختراقا في هذا الملف مثله مثل الملفات الأخرى العالقة والتي يتم تداولها بين قمة وأخرى دون تحقيق أي تقدم يذكر.

على ضوء هذا الواقع، أغلب الظن أن قمة تونس لن تختلف عن سابقاتها من القمم العربية منذ أول قمة في 1946، حيث سيجتمع القادة، ويتم التقاط الصور التذكارية، وتقام حفلات العشاء، ويتم إعلان البيان الختامي المتفق عليه مسبقا في اجتماعات وزراء الخارجية العرب التي تسبق القمة مباشرة، وعقد مؤتمر صحفي بحضور وزير خارجية الدولة المضيفة والأمين العام لجامعة الدول العربية لقراءة البيان الختامي، وفتح الباب لأسئلة الصحفيين، والإعلان عن اسم الدولة التي تستضيف القمة في دورتها المقبلة، دون اتخاذ قرارات تلبي طموحات الشعوب العربية، وتواجه التحديات التي تعصف بدول المنطقة بسبب حالة التشرذم العربي، وعدم وجود مشروع عربي موحد، وتأثير الدول الكبرى المؤثرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، على الدول العربية الفاعلة لمنع اتخاذ قرارات تمس مصلحة إسرائيل أو المصالح الأمريكية في المنطقة، إضافة إلى الأوضاع الداخلية غير المستقرة في الكثير من الدول العربية بسبب تداعيات ما يعرف بالربيع العربي، وحالة التنافس بين الدول العربية وانغماس البعض منها في الحروب الجارية في اليمن وليبيا وسوريا.