555
555
إشراقات

خطبة الجمعة : أهم أسباب السرطان.. الأنماط الغذائية الخاطئة والوزن الزائد والتدخين

14 مارس 2019
14 مارس 2019

النظرة الإيجابية إليه تعزز الجهاز المناعي لدى الإنسان -

تدعو خطبة الجمعة لهذا اليوم إلى ضرورة التنبه للسلوكيات والأنماط الغذائية الخاطئة التي يتبعها البعض والتي تنتج من خلالها أمراض عديدة أكثرها وأشدها على النفس أثرا؛ مرض السرطان، والذي من أهم أسبابه: اتباع الأنماط الغذائية غير الصحـية، والوزن الزائد، والخمول وقلة النشاط الحركي، والتدخين وتعاطي المواد المسكرة، داعية إلى أن يتدارك الإنسان نفسه بتغيير نمط حياته الذي يتعارض مع نمط الحياة الصحي واتباع نمط غذائي آمن، وممارسة الرياضة المشروعة.. مع التأكيد أن النظرة الإيجابية إليه، تعزز الجهاز المناعي لدى الإنسان.. وهنا نص الخطبة كاملا والتي جاءت تحت عنوان: مــرض العــصر:

الحمد لله كان بعباده لطيفا خبيرا، القائل في كتابه: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحب الشاكرين، ولا يضيع أجر الصابرين، ونشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، سيد الخلق والبشر، أعطي فشكر، وابـتلي فصبر، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه أولي الفكر والنظر، وعلى التابعين له بإحسان إلى يوم المحـشر.

أما بعد، فيا عباد الله:

اتقوا الله وسلموا له الأمور، وسلوا الله العافية واسـتعيذوا به من الأسـقام والشرور، واعـلموا - رحمني الله وإياكم - أن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، لا يراها إلا المرضى، وفي الحديث: «اسألوا الله العفو والعافية؛ فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية»، إن الصحة والعافية - أيها المؤمنون - من أعـظم المنن التي لا تقدر بثمن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أصـبح منكم آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»، ولذا كانت نعمة العافية من أجل النعم التي يغبط بها قوم ويغبن فيها آخرون، وفي الأثر عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ».

أيها المؤمنون:

مشيئة الله ماضية، وأقدار الله جارية، ودوام الحال من المحال، والمرء يتقلب في أعطاف الصحة أزمانا، وقد يبـتلى بالمرض أحـيانا، ومع هذه وتلك فهو مأمور أن يشكر عند النعماء فيظفر، وأن يصـبر عند البلاء فيؤجر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له»، وما من مسـلم يصيبه أذى من مرض فما سواه فيصبر إلا حط الله به من سيـئاته، وما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة، فضلا من الله ونعمة، والله عليم حكيم.

إخوة الإيمان:

من أكثر الأمراض خطرا، وأشدها على النفس أثرا؛ مرض السرطان، وهو مرض بات يهدد الآمنين، وينتشر بين كثير من الناس، وهو على شدته وخطره داخل في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء - أو دواء- إلا داء واحدا فقالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرم))، إن علاج مرض السرطان غير متعذر، وهناك الكثير من حالات الابتلاء به منَّ الله عليها بالشفاء؛ لا سيما في ظل التطورات العلمية والتقنية في الطب البشري، إلا أن الطب الوقائي خير من الطب العلاجي، وكما قيل: الوقاية خير من العلاج. وهذا المرض كغيره من الأمراض له أسباب ومقدمات، أثبتها الأطباء من خلال الدراسات والبحوث الطبية، ولعل من أهم أسبابه: اتباع الأنماط الغذائية غير الصحـية، والوزن الزائد، والخمول وقلة النشاط الحركي، والتعرض لأنواع من الأشعة، والتعرض لبعض الغازات والأدخنة، ويدخل تحت تلك الأسباب التدخين وتعاطي المواد المسكرة، فقد ثبت من خلال الدراسات أن أكثر من سبعين في المائة من حالات سرطان الرئة سببها التدخين، وأن نسبة وفيات السرطان الناجمة عن التدخين تقدر بأكثر من عشرين في المائة. وهناك أسباب أخرى - عباد الله - لم يتم الكشف عنها حتى الآن، ومن هنا وجب على العقلاء أن يتداركوا أنفسهم بتغيير نمط حياتهم الذي يتعارض مع نمط الحياة الصحي، وذلك باتباع نمط غذائي آمن، وممارسة الرياضة المشروعة، وعدم التعرض لأسباب السرطان من بدانة وخمول وتدخين وغيرها، وإلا كانوا عرضة لهذا المرض الذي تشير الدراسات إلى إمكانية ارتفاع نسبته إلى قرابة ستين في المائة مع استمرار الناس على نمط العيش غير الآمن، كما أن اتباع المؤمن للهدي النبوي في أكله وشربه، وفي نومه ونشاطه، وفي الوفاء بواجباته التعبدية من تلاوة لكتاب الله وصلاة وصيام وصلة - والتي تحقق رياضة ونشاطا للروح والبدن - من شأنه أن يقي المؤمن الكثير من الأمراض والعلل، نسأل الله السلامة والعافية.

عباد الله:

إذا أخذ الإنسان بأسباب الوقاية من المرض ثم ابـتلي به، فذلك قدر الله عليه، والله يبـتلي من يشاء بما يشاء، إما تكفيرا للسـيئات، أو رفعة للدرجات، فليرض بقضاء الله، وليسـلم أمره إلى مولاه، وليأخذ بأسباب العلاج، وليغتنم الفرص المتاحة في التداوي من المرض، فإذا كان المرض من قدر الله فإن العافية من قدر الله، فليفر المرء من قدر الله إلى قدر الله، ولعل من أهم العوامل التي تعين على الشفاء من هذا المرض: الصلابة النفسية في تقبل المرض والقدرة على التعايش معه؛ فإن النظرة الإيجابية إلى الوباء، والرضا بما نزل من بلاء؛ يعزز الجهاز المناعي لدى الإنسان حتى يكون أقرب إلى الشفاء، أما النظرة المتشائمة فهي تحطيم للجهاز المناعي، وسبيل إلى الانهيار النفسي، ومن ظن أن المرض نهاية الحياة فقد سعى إلى حتفه بنفسه، وهو داخل في النهي الإلهي (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، كما أن من أسباب الشفاء التضرع إلى الله تعالى بكثرة الدعاء؛ فإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وما سئل الله شيـئا أحب إليه من أن يسأل العافية، وقدرة الله تعالى فوق الأسباب، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، كما أن على المريض أن يعرض نفسه على الطبيب المختص، وأن يتبع خطة العلاج التي رسمها له أهـل الاختصاص، وأن يبـتعد عن الأسباب التي تهيج الداء وتؤخر الشفاء، وأن يبحث عن الدواء الناجع ما اسـتطاع إلى ذلك سبيلا، ولا ننسى أن نشير إلى دور الأسرة والمجـتمع في التخفيف من المرض، وتعزيز نفسية المريض، ونشر روح الأمل والتفاؤل أمامه بإمكانية الشفاء وحصول العافية، وليتق الله تعالى كل زائر وعائد أن يقنط المريض من الشفاء، أو يقص عليه بأن فلانا أصيب بهذا المرض فمات، وفلانا أصيب بهذا الداء فطاف كل مكان فلم يجد الدواء. ومن كان هذا حاله فليجـلس في بيـته، إذ لا خير في زيارته، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده، فقال له: ((لا بأس، طهور إن شاء الله)).

فاتقوا الله - عباد الله -، وقوا أنفسكم وأهـليكم كل بلية، وابـتعدوا عن أسباب كل رزية، وسلوا الله تعالى العفو والعافية.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

*** *** ***

الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فيا عباد الله:

من ابـتلي بمرض فلا ييأس من روح الله، ولا يقبع في زاوية من بيـته ويعـتزل الحياة، بل عليه أن يغـتنم ما بقي من عمره في فعـل الخير واصطناع المعروف، فلعل العمر قصير، فليبادر قبـل أن يغادر، وليجدد العهد مع الله، وليتب إلى ربه مما اقـترفت يداه، وليسـتعذ بربه من العجز والكسل وسوء العمل، فالمرض نذير، يجعل المرء يراجع حساباته ويرجع إلى اللطيف الخبير، ومع ذلك كله فالعقيدة الراسخة في نفس المؤمن أن المرض لا يقرب أجلا، وأن الصحة والعافية لا تدفع أجلا.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين. اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).