إشراقات

علامة الوطن المتقدم المتحضر

14 مارس 2019
14 مارس 2019

علي بن سعيد العلياني -

النظافة هي الوعي بأهمية أن نكون في مقدمة الركب من كل النواحي فمع كل بيئة نظيفة هناك من عمل وسهر وضحى وأعطى بلا حدود لأنه يؤمن بقضية لطالما رفعت شعوبا وكانت سببا في تقدمهم وأيضا كانت سببا في تخلف وتعاسة شعوب أخرى عندما أهملوها ولم يدركوا قيمتها في هذه الحياة.

النظافة تعلمنا أن الحياة كما أنها أخذ هي عطاء في الوقت نفسه فليس من المعقول أن نفكر أن البيئة تعطي فقط دون الحاجة إلى تهيئتها لهذا العطاء ودون معالجة آثار العطاء بما يضمن استمراره بالطريقة التي تحفظ الجميع بعيدا عن الضياع والخسارة.

النظافة هي صناعة التقدم لأنها هي الأساس الذي تبنى عليه الأركان الأخرى فأي شعب أو مجتمع يريد رقيا أو تقدما ولا يلتفت إلى أن النظافة أولوية مهمة جدا أو لابد أن يسخر لها الطاقات وتحشد لها الإمكانيات سيقع في مطب التخلف والأمراض وبالتالي هذا عائق عن التقدم.

النظافة أساسا ثقافة قبل أن تكون ممارسة في الواقع، فالذي يعتبر النظافة عبئا زائدا وهما يؤدي تبعاته جبرا وغصبا عنه فهذا بلا شك بسبب ثقافته المتواضعة وقصر نظره في هذا الجانب المهم سيكون بعيدا عن الساحة غالبا ولا يؤدي دوره المطلوب بل يحسب أن دوره في الحياة يقتصر عند مهنة معينة فقط وبالتالي كلما زاد أمثال هؤلاء زاد العبء على الأفراد المثقفين ثقافة تؤهلهم لأداء دورهم في هذا الجانب بكل أريحية.

النظافة قيم أخلاقية رفيعة قبل أن تكون واجبا اجتماعيا، فالشخص يتعامل مع المجتمع على أنهم يعملون، كما يعمل هو من أجل رفعة الجميع وسلامتهم لذلك يعاملهم بكل أدب واحترام وتقدير فهو يدرك لولاهم لما عاش سعيدا صحيحا في جو يملأه التعاون والتكاتف مما يوصل الجميع إلى بر الأمان.

النظافة هي رقي حضاري من جانب إدراك كل واحد لدوره في هذه الحياة، كما أنها رقي وتقدم لأنها تعطي انطباعا عاما أن من يقف خلف هذه الأعمال والمنجزات والعطاء بلا حدود لابد أن هناك وازعا ثقافيا يحركه وعقلية منفتحة تدفعه إلى الأمام وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على ذوق رفيع وخلق جم ونفس تتوق إلى التقدم والوصول إلى الأهداف المبتغاة على أكمل وجه وأفضل الطرق.

النظافة التزام اجتماعي يقوم على أساس أن كل واحد له حقوق وعليه واجبات وأن النظافة من الواجبات المهمة التي يجب أن توضع في الحسبان وأن لا نترك مساحة لا للتفكير فيها ولا التردد بل يجب المبادرة أولا بأول والمسارعة بأداء الدور المنوط بداية بالأسرة مرورا بالمجتمع المحيط في البيئة المحلية ووصولا إلى المجتمع الكبير الذي ينتظر الكثير من أبنائه لأنه برقيهم يرقى وبتخاذلهم يتخلف.

النظافة ثقافة عابرة للحدود ومتواصلة تواصل القارات السبع فكل شعوب الأرض ترنو إلى مستقبل مشرق قوامه المحافظة على النظافة في كل المرافق والأحياء والتجمعات السكنية بمختلف فئاتها فالذي سافر شرقا وغربا يستقر في نهايته على الارتحال إلى الأماكن التي تكتسي بحلة النظافة وتزهو مرافقها لمعانا من أثر العناية بنظافتها.

النظافة لا تدرس في الجامعات ولا في الكليات بل هو سلوك يومي يمارسه الكبير ليقتدي به الصغير كما أنه يكتسب هذه الثقافة من خلال الممارسة اليومية في البيت الذي هو الأساس في المدرسة وفي السوق وفي الشارع فهي ثقافة مجتمعية تتكامل أدوار التربية ومحاضن تعليم الأجيال بالتجربة الحية والمشاهدة والممارسة من خلال المشاركة.

النظافة أساسها سلوك فردي لكنه هم جماعي في نهاية المطاف من حيث إن الجميع مطالب بأداء دوره في هذا الباب لكي لا يختل أي جانب بسبب هذا أو ذاك وهذا لا يتأتى إلا إذا كانت الثقافة حاضرة لتكون المحرك الأهم لباقي الخطوات فالدافع الذاتي هو الأساس وبدونه لن يكون هناك التزام أو تعهد أو حتى القيام بأي فعل يوصل إلى الهدف المنشود.

النظافة تعني المشاركة الفاعلة الناتجة عن الإحساس بالمسؤولية تصبح المسألة فيها من التواكل والتنصل ما يضيع الجميع في ردهات المفاهيم الخاطئة والمشاركة الفاعلة تأتي من الوعي بالمخاطر التي تحدق بالجميع إذا أهملنا أمر النظافة وهمشنا نظريا دوره في هذه الحياة.

النظافة كثقافة ينبغي أن تترسخ في النفوس منذ الصغر حتى تصبح سجية تنمو مع نمو هذا الطفل يوما بعد يوم حتى إذا أصبح شابا ناضجا تصبح ممارسة النظافة عادة متأصلة ودافع ذاتي قوي يدفع بها إلى أعلى المراتب مهما كانت التضحيات.

ختاما نحن نعي أن الربط بين النظافة والرقي والحضارة أنه أمر مفروغ فيه من يريد أن يتقدم ويبتعد عن التخلف لابد أن يضع النظافة في مكانها الصحيح الذي تصبح فيه أولوية قصوى بالتالي توضع كلل بنودها وأبجدياتها موضع التنفيذ على الفور وليس التراخي.