tunis
tunis
أعمدة

تواصل: تلك الصورة ليست أنا !

12 مارس 2019
12 مارس 2019

تونس المحروقية -

hlaa202020 @ -

مشهد أول:

متيمة هي بمنشورات تلك التي تتابع حسابها في فيس بوك، ومعجبة بكتابتها عن تجاربها الحياتية وآرائها في مختلف الموضوعات، يجذبها تواضعها الذي تبدو عليه وثقتها بنفسها وانعكاس ذلك على ما تعبر عنه في حسابها، حتى لو كان ذلك في موضوعات لا تعنيها هي شخصيا، تقول لنفسها: هكذا أريد أن أكون عندما أصبح في مثل عمرها، تخبر قريباتها وصديقاتها عن ذلك الحساب الذي يلهمها، ثم دون تخطيط تلتقي بها صدفة في فعالية تجمع اهتماماتهما، تذهب لتسلم عليها بكل سعادة، ترد عليها التحية بأدب ثم تطلب الأولى رقم هاتف الثانية بعد أن تخبرها كم هي معجبة بها، ترد عليها: شكرًا لمحبتك، لكني لا أمنح رقم هاتفي لمن لا أعرفهم جيدا، تتركها بعد تحيتها وتغادر، ثم لا تعود تلك المعجبة كذلك أبدا بعد تلك اللحظة!.

مشهد ثانٍ:

يكتب رأيه في أغلب القضايا التي تطرح في تويتر لدرجة تشعرك بأنه يعيش في هذه المنصة فعليا، هو كذلك لا يتوانى أحيانا عن تصوير مقطع له من دقيقة أو أكثر يعبر فيه عن رأيه في موضوع ما، تراه متمكنا من إدارة حسابه ومن التعبير بعقلانية تعكس ربما تفكيره، حتى يخبرك أحد أصدقائك أن كل ما تراه في ذلك الحساب لا يمثل صاحبه، فحقيقة ذلك الشخص تقول إنه خجول جدا كما أنه ليس اجتماعيا ولا يستطيع التحاور مع أحد في الواقع كما يفعل افتراضيا، يقسم لك صديقك ذلك أن هنالك من يكتب لذلك الشخص ما ينشره، فقد التقاه في الواقع وشاهد تلعثمه بنفسه وحديثه الذي لا يعكس فهما كما يبدو في تويتر لذا هو يتجنب الناس وحضور مختلف الفعاليات!.

مشهد ثالث:

تبدو صورها التي تضعها في انستجرام جميلة جدا لدرجة أن هناك الآلاف من قد يتابعونها لجمال تلك الصور فقط، وليس أي شيء آخر يتعلق بقيمة المحتوى الذي تقدمه، يلتقيها في مكان ما صدفة ويستطيع تمييزها من طريقة وضعها الكحل البارز الذي تزين به عينيها ثم باقترابه منها يكتشف أن وجهها مليء بالحبوب الذي تضطر أن تغطيه بكمية سخية من مساحيق الماكياج، يقارن بين صورتها في حسابها وشكلها في الواقع فيقوده عقله للتوصل إلى أن الصور التي تضعها في ذلك الحساب مرت على عشرات التعديلات قبل أن يتم نشرها لتظهر بذلك الصفاء والبهاء، في غمرة كل تلك المقارنات التي تدور في عقله لا ينسى قبل أن يغادر المكان الذي رأها فيه أن يقوم بإلغاء المتابعة!.

يفتح البعض منا حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي وهو يتوقع أنها وسيلة مباشرة للتواصل والتعارف مع كل من قد يلتقيهم هناك، يبدأ الفرد من هؤلاء في متابعة الحسابات المتعددة والمتنوعة في مضمونها ثم يركز على حسابات معينة يعجبه مضمونها أو حتى أشكال شخوصها أو ملامح الشخصية التي يكونها عن صاحب الحساب والتي غالبا ما يكون قد توصل إليها من تحليله الشخصي لما يكتب في ذلك الحساب، فهو قد يراه متواضعا أو متعاليا، مثقفا أو موغلا في الضحالة، يظهر عليه أنه من مستوى اقتصادي بسيط أو يعيش في ترف يحيط به وغيرها!.

يظل بعض المستخدمين لتلك المنصات أسرى للصور الذهنية التي كونوها عن من يقومون بمتابعتهم حتى لو كان أولئك المتابعون أشخاصا عاديين جدا لكنهم لا يصبحون كذلك عند بعض من يتابعهم، فهم يضعونهم أحيانا في مقام رفيع ربما لم يتعمد أصحاب تلك الحسابات أن يشغلوه، وأحيانا قد يرتب القدر لقاء بهم، فتتغير تلك الصور الخيالية التي تكونت من قراءة ما يكتب فقط في تلك الحسابات، فتحدث الصدمة ثم في أحايين كثيرة يليها إلغاء المتابعة.

حساباتنا في منصات التواصل الاجتماعي قد لا تعبر عن شخصياتنا إما لأننا تعمدنا ذلك أو لأننا رغبنا في رسم صور ذهنية محددة في نفوس من يتابعنا أو لأن مستوى تمكننا من استخدام تلك الأداة لم ينصفنا أو لم يقدمنا كما نريد، فالتعلق بما يكتب في تلك الحسابات ثم بناء صور ذهنية لأصحابها قد يوقعنا في سلسلة صدمات لا نهاية لها، فهناك نحن نكتب ما نريده وبالطريقة التي نرغب بها وقد نعيد صياغة ما نكتبه مرارا وتكرارا حتى يظهر بذلك الشكل الذي يصل للمتابعين فيقرأونه في منشوراتنا، حتى صورنا المنشورة هناك قد تكون خضعت لعشرات التعديلات قبل مشاركتها مع الآخرين.

إن الأشخاص الذين نتابعهم في هذه المنصات ونكون عنهم سماتا وملامح محددة بعد تحليلنا لحساباتهم ليسوا مطالبين كذلك أن يتبعوا الصورة التي تشكلت لدينا ولا أن يتصرفوا بناء عليها، كأن يبدوا ودا مبالغا فيه عند لقائنا المباشر أو يسمحوا لنا بإلغاء المساحات بيننا بأن يفتحوا لنا خاصية الرسائل المباشرة مثلا أو حتى يتبادلوا معنا أرقام هواتفهم، فهم ببساطة قد لا يرغبون في كسر حاجز القرب الافتراضي، ففي عوالم التواصل هناك من يفضل أن يكون حسابه شبيها له وممثلا لشخصيته ويحرص جدا على ذلك حتى في إظهار الجوانب المظلمة في شخصيته وهناك من يرى عكس ذلك ويقول بصراحة: تلك الصورة التي كونتها عني ليست أنا!.