الملف السياسي

قمة هانوي وفشل الاتفاق

11 مارس 2019
11 مارس 2019

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

قبل القمة الثانية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج اون والتي عقدت مؤخرا في العاصمة الفيتنامية هانوي كانت هناك توقعات بالتوقيع على الاتفاق النووي بين واشنطن وبيونج يانج يتضمن تفكيك البرنامج النووي الكوري الشمالي وإنهاء العداء مع كوريا الشمالية مع رفع العقوبات كليا أو جزئيا على كوريا الشمالية مع وجود تحسين اقتصادي ومزايا لكوريا الشمالية بهدف النهوض بالاقتصاد الكوري الشمالي.

ورغم ذلك التفاؤل والتصريحات الإيجابية بين الطرفين إلا ان قمة هانوي وما نتج عنها خيبت الآمال المعقودة على تلك القمة، حيث انتهت بشكل دراماتيكي من خلال انسحاب الرئيس الأمريكي ترامب من القمة قبل ان ينتهي برنامجها الرسمي بعد ان وصل الطرفان إلى طريق مسدود وتبادل الاتهامات بين بيونج يانج وواشنطن.

ويبدو أن السقف الأمريكي كان عاليا من خلال إبرام صفقة تنهي البرنامج النووي لكوريا الشمالية وفق شروط صعبة رفضها الزعيم الكوري الشمالي وهو الأمر الذي تحدث عنه وزير الخارجية الكوري الشمالي لي يونج هو والذي صرح بأن واشنطن أضاعت فرصة نادرة للتوصل الى اتفاق وأن بيونج يانج طالبت خلال القمة برفع العقوبات جزئيا وليس رفعها بالكامل مقابل تفكيك المفاعل النووي الرئيسي وعدد من الإجراءات الأخرى.

ماذا حدث في القمة؟

كان من المرجح أن تسفر قمة هانوي عن توقيع الاتفاق النووي ومن أهم بنوده نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية وتعزيز السلام في شبه الجزيرة الكورية وتحسين علاقات البلدين وإنهاء التوتر بين واشنطن وبيونج يانج وعودة العلاقات الطبيعية بين شطري كوريا تمهيدا لعلاقات التكامل الاقتصادي الذي قد يفضي مستقبلا الى توحيد شطري كوريا كما كانت قبل اندلاع الحرب الكورية في بداية عقد الخمسينات من القرن الماضي، ومع ذلك فشلت قمة هانوي بشكل غير متوقع ومن هنا فإن الوضع بقي كما هو ومع ذلك لا يزال الباب مفتوحا لمزيد من المشاورات في المستقبل.

ويبدو أن الرئيس ترامب وصل إلى قناعة من أن الزعيم الكوري الشمالي والوضع الاقتصادي المتردي في كوريا الشمالية قد يدفعان بإنجاز الاتفاق وفق الشروط الأمريكية، ومع ذلك فإن الصين وهي حليف قوي لبيونج يانج ليست بعيدة عن المشهد في قمة هانوي بل إن رحلة الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج من خلال القطار الخاص وصلت إلى الصين وقد تكون هناك مشاورات لم يتم الإفصاح عنها.

الصين ومن خلال خلافاتها السياسية والتجارية مع واشنطن تلعب دورا حيويا في موضوع الملف الكوري الشمالي وهذا أمر طبيعي في الإطار الاستراتيجي، ومن هنا فإن بكين تلعب ذلك الدور المهم في ظل الصراعات الدولية وفي إطار أن تصل الرسالة إلى واشنطن وهو نفس التفكير الروسي في السيطرة على الأزمة في فنزويلا على سبيل المثال، وعلى ضوء ذلك كان موقف الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج خلال القمة ورفضه للصفقة الأمريكية والتي ربطت بين تفكيك البرنامج النووي لكوريا الشمالية ورفع العقوبات والمساعدات والمزايا الاقتصادية وهذا هو سبب الخلاف الجوهري بين الطرفين في قمة هانوي والتي انتهت بفشل صريح رغم التصريحات من هنا وهناك لتخفيف نتائج ذلك الفشل.

الملف الملتهب

ملف كوريا الشمالية النووي سوف يظل ملتهبا خلال عهد الرئيس ترامب ويبدو أن التحديات الداخلية التي يواجهها الرئيس الأمريكي قد لا تجعله في وضع يستطيع من خلاله إيجاد التوافق المطلوب في مسألة الملف الكوري الشمالي وهو نفس الموقف مع الملف النووي الإيراني والذي انسحب من الاتفاق عليه، رغم توقيع سلفه أوباما على ذلك التوقيع مع بقية الشركاء من القوى الدولية وإيران.

بالنسبة للوضع في كوريا بشكل عام فإنه رغم انخفاض التوتر بين الكوريتين إلا ان الفشل في الوصول إلى اتفاق في هانوي قد يعطي مؤشرات سلبية على صعيد اكتساب المزيد من الثقة بين الجانبين، كما ان انسحاب ترامب من القمة يعطي مؤشرا على ان الموقف الكوري الشمالي كان حازما ورافضا للصفقة الأمريكية غير العادلة كما يتحدث عدد من المراقبين لقمة هانوي، ومن هنا فإن عقد قمة ثالثة هذا العام قد تكون ممكنة لأن العام القادم سوف يكون عاما انتخابيا في الولايات المتحدة وقد يكون الملف الكوري الشمالي ليس من الأولويات في السياسة الخارجية الأمريكية في ظل المعركة الانتخابية للوصول للبيت الأبيض عام 2020.

وفي ظل عام انتخابي يصعب على أي رئيس في سدة الحكم ان يشتت حملته في قضايا خارجية ليست مضمونة النجاح كما حدث في قمة هانوي وهذا يفرض على ترامب ان يحدد خياراته خلال هذا العام من خلال إيجاد قواسم مشتركة وتنازلات متبادلة لعقد القمة الثالثة والتوقيع على الاتفاق التاريخي حول إنهاء الملف النووي لكوريا الشمالية مقابل رفع العقوبات كاملة وتقديم المزايا الاقتصادية وإحلال السلام الإقليمي في جنوب شرق آسيا خاصة في شبه الجزيرة الكورية.

لقد كانت قمة هانوي درسا بليغا في مسألة الحفاظ على المكاسب الوطنية حيث إن الرئيس ترامب يريد الحصول على كل شيء كما يقال دون تقديم تنازلات حقيقية تعد منطقية وهي رفع العقوبات القاسية على كوريا الشمالية سواء تلك المفروضة من واشنطن أو من قبل الأمم المتحدة وحتى من الدول الغربية، ومن هنا فإن الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج أثبت مقدرته على التفاوض حتى لو كان معقدا وينتهي بفشل القمة في ظل ان بيونج يانج كانت أكثر استعدادا للتوقيع على الاتفاق ولكن مقابل مكاسب وطنية لكوريا الشمالية وهذا أمر متفق عليه من خلال أي مفاوضات سياسية فالتنازلات المتبادلة تكون هي الأداة التي تعجل بالتوافق بين الأطراف المختلفة.

مسار المستقبل

من خلال مسار قمة هانوي وما انتهت إليه فان المشكلة الأساسية تبدو في موقف الرئيس ترامب الذي يرى بان واشنطن لابد ان تملي شروطها حتى لو كانت تعجيزية وهذا أمر مرفوض، كما أن الخبرة السياسية للرئيس الأمريكي لم تسعفه في إيجاد ذلك التوافق خاصة وان مستشاريه لديهم الخبرات الكافية ومع ذلك فإن ترامب يعد شخصية جدلية في العالم بل انه انسحب من اتفاقيات دولية واطلق حربا تجارية مع الصين وأوروبا ودخل في عداوة مباشرة مع إيران ويريد إيجاد مقاربة في الشرق الأوسط من الصعب القبول بها خاصة صفقة القرن لإيجاد السلام في المنطقة.

ويبدو أن فترته الرئاسية سوف تنتهي بعد اقل من سنتين دون ان يحقق الكثير في تلك المسارات السياسية، وبصرف النظر عن عودته مجددا للبيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية وأخيرة، فان المشهد الأمريكي داخليا يبدو معقدا من خلال ما يواجهه ترامب من تحديات كبيرة خاصة تلك المتعلقة بتحقيقات موللر والهجوم المتواصل عليه من الصحافة الأمريكية ويبدو أن الرجل أصبح مشتتا، وكان نجاح قمة هانوي والتوقيع على الاتفاق النووي سوف يعطيه نجاحا منطقيا لإنهاء إحدى الأزمات الإقليمية التي تقلق الولايات المتحدة.

مسار الأزمة الكورية سوف يستمر وسوف تظل الصين احد اللاعبين الكبار في موضوع الملف النووي الكوري الشمالية لأن ذلك مصلحة للصين وورقة ضد وواشنطن وهذا أمر مقبول في إطار السياسة الدولية فالذي يملك الكثير من الأوراق يستطيع المناورة والحصول على مكاسب حتي لو كانت جزئية، هذا هو حال السياسة الدولية وتبقي قمة هانوي فرصة لم تستثمر من قبل الرئيس ترامب وهذا بالطبع قد يلقي بظلال من السلبية على هذا الملف في المستقبل.