أفكار وآراء

من أين جاء أعضاء الكونجرس؟

01 مارس 2019
01 مارس 2019

ساهيل شينوي وجيسيا ما - نيويورك تايمز -

ترجمة: قاسم مكي -

لا تمنح الولايات المتحدة ألقاب النبالة. فلا يوجد بها لوردات ولا بارونات ولا دوقيات. على الأقل رسميا. لكن الكونجرس يتشكل من أناس يملكون مؤهلات وخبرات تختلف اختلافا شاسعا عن تلك التي لدى معظم المواطنين. وإذا اعتبرنا التعليم والمسار الوظيفي والخلفية العائلية والثروة الشخصية يبدو أن أمريكا بها طبقة حاكمة أو على الأقل عدد محدود من طرق الولوج إلى دهاليز السلطة. تتبعنا بالبحث المسارات الحياتية لكل عضو نيابي في الكونجرس الحالي (رقم 116) قبل انتخابه واستكشفنا الدروب الضيقة عبر المدارس المتميزة والوظائف المجزية والمناصب السياسية المحلية التي قادت آخر دفعة من المشرعين إلى مبنى الكابيتول هل. وجدنا به عددا لافتا من الساسة الجدد ونساء وملونين أكثر قياسا بأي كونجرس سابق. لكن معظم الأعضاء حتى الجدد وصلوا إلى واشنطن عبر مؤسسات ومهن غير متاحة لمعظم الأمريكيين.

ما يزيد عن 70% من أعضاء الكونجرس محامون لديهم مكاتب خاصة ورجال أعمال (بما في ذلك موظفون في شركات التأمين والمصارف والمال والعقارات) أو ممتهنون للطب. تكشف طبيعة هذه المهن عن نوع مشروعات القوانين التي يمكن أن يقترحوها بحسب بحث أجرته كاتي فرانسيس عضو هيئة أساتذة جامعة ويسترن جافرنرز. مثلا يعنى الأطباء بتشريعات الرعاية الصحية. والكونجرس أغنى كثيرا من ناخبيه. أحد أسباب ذلك تكدسه بالمهنيين الناجحين ذوي الياقات البيضاء. والساسة الأثرياء يؤيدون التشريعات التي تفيد طبقتهم على حساب الآخرين. فالمشرعون الأكثر ثراء مثلا أقرب إلى التصويت لإلغاء ضريبة العقارات.

كتب نيكولاس كارنيز أستاذ السياسات العامة بجامعة ديوك في كتابه «حكومة الياقات البيضاء» الفكرة الوردية التي ترى أن المشرعين من خلفيات «أعمالية» ومهنية يريدون ماهو أفضل للكل بعيدة جدا عن حقائق صناعة القرار التشريعي في الولايات المتحدة».

يبدأ الطريق إلى الكونجرس بشهادة التعليم العالي. لقد تخرج حوالي نصف الأعضاء من الجامعات العامة وغالبا من جامعات ولاياتهم. لكن أكثر من 10% من النواب حاصلون على درجة البكالريوس من كليات جامعية نخبوية خاصة. من المعقول أن ينتخب قادة متعلمون. ويعتقد الناخبون كما يبدو أن التعليم الجامعي مؤهل ضروري لتمثيلهم. لكن الصلة واهية بين الحصول على شهادة والفعالية السياسية. وتوضح الدراسات حول المشرعين في الولايات المتحدة والبرازيل أن من تلقوا تعليما نظاميا أفضل ليسوا الأكثر إنتاجا وشعبية والأقل عرضة للفساد.

كذلك الفجوة كبيرة بين المشرعين وناخبيهم في مجال التعليم ما بعد الجامعي. فحوالي 70% من النواب التحقوا بمدارس عليا مقابل 10% فقط من الأمريكيين في سن 25 فما فوق.

يوجد تمثيل زائد عن الحد للمحامين وسط الديمقراطيين والجمهوريين. فهم يشكلون أقل من 1% من السكان الذين يحق لهم التصويت لكنهم يشكلون أكثر من ثلث أعضاء الكونجرس. ربما من الطبيعي لمن يكتبون القوانين أن يدرسوها أولا. غير أن الولايات المتحدة استثناء عالميا. فقد وجد باحثان من جامعة ستانفورد وهارفارد أن المحامين في السويد وفرنسا والدنمارك يمثلون أقل من 10% من الهيئة التشريعية. لا يترشح المحامون فقط ولكنهم غالبا ما يفوزون لتمتعهم بميزة الجمع المبكر لأموال حملاتهم الانتخابية من شبكات المحامين الآخرين والمهنيين الأثرياء.

وهم يميلون بعد انتخابهم إلى التصويت بطريقة تفيد مهنتهم. وفي الغالب لا يؤيدون القوانين التي تضع سقفا للتعويضات عن الخسائر أو تقنن الرسوم القانونية، حسب الباحثين المذكورين.

يحتشد الكونجرس إلى جانب أصحاب الأعمال الصغيرة ومديري الشركات بأشخاص خدموا في قطاعات المال والتأمين والمصارف. ويرى الأعضاء من خلفية قطاع الأعمال أحيانا أن تجربتهم خارج بيلتواي (عالم واشنطن الاجتماعي والسياسي) ستمكنهم من إدارة الحكم بطريقة أشبه بإدارة الأعمال بالتقليل من النصب والهدر وإجازة القوانين بكفاءة أكبر. وحقا فإن أغلبية من الأمريكيين تعتقد أن البلد يمكن حكمها بطريقة أفضل بواسطة أناس من قطاعي الأعمال والإدارة. وفقا لاستطلاع دانلوب عام 2014.

يحصل أعضاء الكونجرس من قطاع الأعمال على تبرعات أكثر من الشركات ويصوتون أكثر للتشريعات المنحازة لها. وكشفت أبحاث أخرى أن الولايات التي يوجد بها عدد أكبر من المشرعين ممن عملوا في صناعة التأمينات تجيز في الغالب مشروعات قوانين تروق لهذه الصناعة.

يشير أقل من 5% من النواب أنهم عملوا في وظائف ياقات زرقاء أو خدمية في سيرهم الذاتية. من بين هؤلاء الجمهوري توم مارينو من بينسلفانيا والذي عمل في مصانع قبل الالتحاق بمدرسة القانون والديمقراطية واليكساندريا اوكاشيو- كورتيز من نيويورك والتي كثيرا ما تشير إلى خبرتها كعاملة (نادلة مشرب) حينما تشرح مواقفها اليسارية من السياسات الاقتصادية. ويلاحظ كارنيز ندرة في عدد المرشحين الطموحين سياسيا والمؤهلين من الطبقة العاملة. وحين يترشح هؤلاء يكون أداؤهم بنفس جودة أداء المرشحين من خلفيات أخرى. لكن عمال الياقات الزرقاء أقل قدرة على تحمل الأعباء العملية المرتبطة بإدارة الحملة الانتخابية مثل الحصول على وقت مستقطع ومدفوع الأجر. ويقل احتمال أن يطلب منهم قادة الحزب ومسؤولوه المحليون ترشيح أنفسهم. ولكي يحظى أناس لهم تجارب متنوعة بعضوية الكونجرس يرى كارينز أننا سنحتاج إلى التركيز على تجنيد مرشحين من الطبقة العاملة على المستوى المحلي قبل سنوات من ترشحهم. كما أن واحدا من بين كل خمسة أعضاء التحق أو يعمل حاليا في القوات المسلحة بما في ذلك الحرس الوطني. وهذا تدن كبير مقارنة بأوائل السبعينات حين كانت لدى أكثر من 70% من الأعضاء خبرة عسكرية.

إن حوالي 70% من قدامى العسكريين في الكونجرس جمهوريون لكن العديد من النساء الديمقراطيات اللواتي انتخبن في 2018 جعلن تجربتهن العسكرية الموضوع الرئيسي لحملاتهن الانتخابية بمن في ذلك الديمقراطية كريسي هولهان التي خدمت في القوات الجوية.

تشمل مجالات العمل المعهودة للجمهوريين الطب والعقارات والفلاحة، أما بالنسبة للديمقراطيين فهي التدريس والمنظمات غير الربحية والاتحادات المهنية. وهنالك مهن أكثر ندرة كذلك. فالديمقراطي كولن آلريد من تكساس لعب لفريق تينيسي تايتانز في الدوري الوطني لكرة القدم قبل أن يصبح محاميا. والجمهوري جودي هايس عمل قسيسا قبل أن يستقيل ويترشح.

توجد مهن أخرى تمثيلها غير كاف في الكونجرس وترتبت عن ذلك آثار مادية بالنسبة إلى سن القوانين. فحوالي 15 نائبا فقط من العلماء أو المهندسين. وهذا ما قد يفسر جزئيا الفتور التشريعي في مجال التغير المناخي والتنظيم القانوني غير المؤثر لشركات التقنية.

تتسم مهن النساء الطامحات لعضوية في الكونجرس بتنوع اكثر وتوجد نسبة صغيرة من المحاميات ونساء الأعمال. وفي حين يترشح الرجال ربما لرغبة قديمة في تولي منصب منتخب تترشح النساء غالبا لأنهن «في تعاملهن مع النظام السياسي يواجهن ما يغضبهن أو يحبطهن»، حسبما تقول كيلي ديتمار أستاذة العلوم السياسية بمركز النساء الأمريكيات والسياسة في جامعة روتجرز. وعندما يترشح الرجال والنساء تتوافر للنوعين نفس فرصة الفوز تقريبا. لكن بحثا أجرته سارة فولتون أستاذة السياسة بجامعة تكساس أيه اند أم يكشف أن المرشحات يكن أكثر تأهيلا.

لقد تركزت الدعاية الانتخابية لمرشحات عديدات على خبرتهن في عالم الأعمال والعمل. وبعضهن مثل الجمهورية آن واجنر من ميسوري ركزن أكثر على أدوارهن التقليدية كربات منزل. فقد جاء في موقعها على الإنترنت أن « أهم وظائفها» على الرغم من دورها السابق كسفيرة لدى لوكسمبورج « أن تكون دائما زوجة وأما.. والآن جدة».

من النادر أن يصل النواب إلى الكونجرس دون أن يشغلوا منصبا سياسيا في السابق. فما يقرب من 200 نائب لديهم خبرة في التشريع الولائي. وكان آخرون عمد مدن وممثلي مناطق محلية أو رؤساء إدارات ولائية. هذه الخبرات ليست رمزية فقط. فالمشرعون الجدد أصحاب الخبرة السياسية يقترحون ويجيزون تشريعات أكثر، بحسب بحث فرانسيس. لكن استقطاب ساسة من الحكومات المحلية والهيئات التشريعية الولائية أيضا يمنح ميزة لمن يمكنهم تولي هذه المناصب. وفي بعض الولايات لا تكفي رواتبها للمعيشة. فالهيئة التشريعية لولاية نيو هامشير مثلا تدفع 200 دولار فقط لكل فترة مدتها عامان. نتيجة لذلك كثيرا ما يكون ساسة الولايات «نخبا اقتصادية محلية وعمالقة شركات»، كما يقول باحث بجامعة برنستون.

لكن النواب الجدد في تشكيل الكونجرس رقم 116 يمثلون حقا انفصالا عن الماضي. فأكثر من 40% من المنتخبين في نوفمبر ساسة جدد لم يعملوا أبدا في الحكومة. وعديدون منهم ترشحوا للتصدي لأجندة ترامب (ثلثا الأعضاء الجدد ديمقراطيون). لكن ربما أيضا شجعهم على ذلك افتقار ترامب للخبرة السياسية.

يقول كارنيز إن ذلك «لم ينعكس في وجود عدد كبير من مرشحي الطبقة العاملة في هذه الدورة. لكن السردية الأكبر التي أراها على الجانبين كليهما هي أنك لا يلزمك أن تكون من صنف ساسة المؤسسة (السياسية) كي تكون سياسيا جيدا».