1143772
1143772
إشراقات

الخوالدي: حراسة الذات تتعلق بصيانة النفس عن وصول الإنسان إلى حالة القلب المريض أو الميت

28 فبراير 2019
28 فبراير 2019

القلوب ثلاثة «حي ومريض وميت» وجُلّ أمراضها تأتي من «الشبهات والشهوات» -

الإنسان مسؤول عن تصرفاته وعن أحواله لا ينتظر تقويما ولا زجرا أو نهيا من أحد -

عرض : سيف بن سالم الفضيلي -

نبّه فضيلة الشيخ المحاضر خالد بن سالم الخوالدي عضو الهيئة التدريسية لكلية العلوم الشرعية من أن جُلّ أمراض القلوب تأتي من (الشبهات والشهوات)، مشيرا إلى أن القلوب على أحوال ثلاثة (حي ومريض وميت)، وهذه الأحوال الثلاثة للقلوب هي أحوال إنما يتوصل الإنسان إليها من خلال عنايته بذاته فإذا ما اعتنى الإنسان بما يوصله الى حياة القلب وصل، وإذا ما قصّر الإنسان فقبل أن تتحكم فيه الملذات والشهوات والشبهات مرض قلبه وإذا ما أهمل الإنسان إصلاح ذاته وصل قلبه إلى الموات عياذا بالله.

وقال فضيلته: إن حراسة الذات تتعلق بصيانة النفس عن وصول الإنسان الى حالة القلب المريض أو القلب الميت؛ فالإنسان مسؤول عن تصرفاته وعن أحواله لا ينتظر تقويما ولا زجرا أو نهيا من أحد.. وإلى ما جاء في الجزء الأول من محاضرة بعنوان (حراسة الذات) والتي ذكر أيضا من خلالها عددا من الأمور التي على الإنسان أن يستحضرها لتكون عونا له لحراسة ذاته..

بداية تحدث فضيلته عن أن فئات من الناس ربما تكون لديهم شيء من الغفلة عن حراسة ذواتهم فيكون اعتماد الواحد منهم على ما يبذله الناس له من تعليم أو من نصح أو من إرشاد أو من توجيه أو من تخويف بالله تعالى أو من وعظ أو زجر أو نهي، فإذا وجهت إليه هذه الأمور فإنه ربما يتطأمن عن شر قصده أو يتراجع عن منكر أراده وإذا لم توجه له هذه الأمور أملى لنفسه في هواها وأطلق لها العنان لأجل أن تسرح في براري الإثم وتسبح في بحار الشر من غير رادع أو زاجر ومن غير أن ينهها عن الشر أو يدفعها الى الخير.

هذه إشكالية في حد ذاتها لا بد أن ينتبه الناس لها فالأصل في العبادة أنها عبادة شخصية بينك وبين الله والأصل فيما يترتب على العبادة أو ما يترتب على المعصية انه قائم على مسؤولية شخصية يتحملها الإنسان بنفسه فالله جل وعلا بيّن لنا ذلك في كتابه حيث قال: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، وقال سبحانه: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا). فالإنسان مسؤول عن تصرفاته وعن أحواله لا ينتظر تقويما من أحد ولا ينتظر زجرا أو نهيا من أحد بل الأصل أن يقوم الإنسان بنفسه بحراسة ذاته يوجهها الى الخير ويدفعها عن الشر ويشجعها على الطاعة ويمنعها من السير في درب المعصية، لكن لربما يكون لدى بعض الناس تقصير في هذه الجانب لهذا نتحدث حول هذا الموضوع حتى يعتني الواحد منا بذاته إيمانا وديانة وطاعة وخلقا ونبلا وفضلا.

وجد العالم بأسره معه وقدم له ما يستحقه من نصح وتوجيه وإرشاد أو وجد فرادا في موطن فتنة أو بؤرة شر فهو أمين على نفسه حارس عليها حافظ لها من كل ما فيه شر، هذا هو الأصل الذي لا بد أن نسير عليه.

ولهذا لا بد أن ننتبه لهذه الأمور في الحقيقة أنها علامات إنذار أو نواقيس خطر إن صح التعبير يحتاج الإنسان الى أن ينتبه لها فإذا ما أحسها من نفسه تلافى نفسه قبل أن يغلب عليها الهوى وإذا ما ضبطها الإنسان وراقب نفسه فيها فإنه سوف يسير في درب توصله الى السلامة.

القلوب ثلاثة

ويقول الخوالدي: قبل أن أذكر هذه الأمور أريد أن أنبه على أمر وهو أن أحوال الإنسان لربما تكون متقلبة في صحة قلبه وسقمه بحسب ما يفعله من أعمال أو ما يقوم به من أفعال فقلوب الناس لا تعدو أن تكون أحد ثلاثة قلوب: فهنالك (القلب الحي)، وهنالك (القلب المريض) وهنالك (القلب الميت).

أما (القلب الحي) فهو القلب الذي تدب فيه الحياة فيتفاعل مع جزئياتها ويتفاعل مع المؤثرات عليه، تشرق فيه أنوار الهداية فيه حراك للعمل، فيه همة ونشاط، فيه خشية لله، فيه خوف منه جل وعلا، يتأثر بالمؤثرات فإذا ما وعظ اتعظ وإذا ما خوّف خاف، وإذا ما زجر عن شر ازدجر، فهو يستقبل النور وينبعث منه النور.

كما ترى البدن الحي السليم فكذلك القلوب كالأبدان وان ترى كيف يكون حال الشخص السليم من كل عاهة ومرض بلا شك انه شخص فاعل مؤثر يعمل في حراك وهمة ونشاط ومبادرة الى الخير هكذا شأن القلوب كالأجسام. فالقلب الحي هو الذي يشعر ويتأثر ويعمل ويتفاعل.

وهنالك (القلب المريض) وهو قلب سقيم عليل كما ترى البدن السقيم العليل فكذلك حال ذلك القلب، فكما أنك ترى الشخص الذي يعاني من شيء من المرض تتعطل ربما قواه أو تضعف ولا يستطيع أن يفعل كل شيء ولا يستطيع أن يتفاعل التفاعل المطلوب فلربما يحجم عن بعض الأمور أو لربما يضطر لفعل بعض الأشياء ولربما يتأخر عن بعض المقاصد هكذا هو حال (القلب المريض)، قلب فيه سقم سبب السقم الإثم والشر الذي فعله الإنسان فإن القلوب لا تؤثر في النفوس من حيث الإثم فقط، بل تؤثر حتى من حيث سلامة القلب وحياة القلب.

فهذا قلب منقوص القدرة فيه تعطل قد يكون هذا التعطل تعطلا كبيرا وقد يكون تعطلا صغيرا بحسب حال الإنسان كما سوف نبين.

أســــــــباب..

ويبيّن فضيلته أن سبب مرض القلب أمران (الشبهات والشهوات) فجل أمراض القلوب تأتي من هذين البابين. فالشبهات فهو ما يحدث فيه الشك والتردد من مفاهيم أو عقائد أو أفعال أو أحوال، فيمنعه ذلك الشك أو ذلك الارتياب عن الأفعال أو يجره لأفعال سلبية أخرى بسبب شكه وارتيابه، وقد تكون شبهات نفسية أو شبهات عقلية، ومنشؤها الجهل.

والأمر الثاني (الشهوات) وهي فطر مركبة في نفس الإنسان، أوجدت فيه فطرة لأجل أن تؤدي المهام التي أراد الله تعالى أن تكون موجودة في هذا الإنسان ليستطيع أن يؤدي مهامه في هذه الحياة. لا إشكال في ذلك، لكن الإشكال حينما تتحكم هذه الشهوات في نفس الإنسان فيصبح الإنسان أسير شهواته وعبد ملذاته يتحرك بهواه ويفعل لشهوته ويترك لشهوته فعندئذ يحصل المرض في القلب.

وهذا منه ما ذكره الله تعالى في شأن أمهات المؤمنين حيث قال: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) أي مرض هذا؟ مرض الشهوة، فيه مرض شهوة فيطمعه القول اللين ليشجعه على فساد، فهذه الشهوات حينما يطلق الإنسان لها العنان لأجل أن تتحكم في ذاته بلا شك انه يصاب بمرض القلب. إذا أمراض الشبهات سببها الجهل وإطلاق العنان للشهوات حتى تكون متحكمة في ذاته، وعلاج أمراض الشبهات العلم وعلاج أمراض الشهوات الصبر.

فالعلم يستطيع الإنسان به أن يرد كل شبهة ويتصدى لكل شك ويتنقى قلبه من كل ارتياب أما إذا كان جاهلا فبلا شك انه ستتحكم فيه هذه الشبهات، وعلاج الشهوات بالصبر وهذا الأمر إذا ما فعله الإنسان أخذ بسبيل العلم وأخذ بباب الصبر نال درجة عالية عند الله فالله سبحانه وتعالى امتدح أولئك الذين جعلهم أئمة في الناس قائلا: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون) فاليقين هاهنا المقصود به العلم ودفعوا بذلك العلم فتنة الشبهات أو مرض الشبهات. وقال (لَمَّا صَبَرُوا) فدفعوا بذلك الصبر مرض الشهوات.

والنوع الثالث (القلب الميت) وهو قلب ميت كالشخص الميت فكما ترى في الميت الذي يموت تتعطل فيه القوى ويتعطل فيه الإحساس ويعطل فيه الطاقات لا يتفاعل ولا يتأثر ولا يؤثر، فكذلك أيضا القلب الميت، حينما يستحكم عليه الموت بسبب تراكم الشرور عليه، يصبح قلبا جامدا لا حراك فيه كالميت الذي لا حراك فيه.

تأتيه القوارع والنذر فما تؤثر ويسمع المواعظ والزواجر فلا يلين يرى أمامه آيات الله فلا يتحرك هو قلب متعطل طغت عليه قدرة الآثام.

هذه الأحوال الثلاثة للقلوب هي أحوال إنما يتوصل الإنسان إليها من خلال عنايته بذاته فإذا ما اعتنى الإنسان بما يوصله الى حياة القلب وصل، وإذا ما قصّر الإنسان فقبل أن تتحكم فيه الملذات والشهوات والشبهات مرض قلبه وإذا ما أهمل الإنسان إصلاح ذاته وصل قلبه الى الموات عياذا بالله.

وما نذكره من حراسة الذات يتعلق بصيانة النفس عن وصول الإنسان الى حالة القلب المريض أو القلب الميت، وحرص الإنسان على بقاء قلبه حيا نابضا بالعطاء والخير والنور هذا الذي نريده من ذكرنا لحراسة الذات.

علامات

ويشير فضيلته: هنالك أمور نذكرها وهي علامات وإن كانت بنفسها ربما في حد ذاتها معاصي لكن هذه المعاصي هي علامات لأحوال قلب الإنسان، علامات منذرة للشر الذي عليه أن يحذر منه، وهذا ليس بدعا في الشرع فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثلا: (آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان) أو قال (أربع من كانت فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها (إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر) كل واحد من هذه علامة على النفاق وهي بحد ذاتها معصية، الكذب معصية في حد ذاته، وإخلاف الوعد معصية في حد ذاته، والفجور في الخصوم معصية في حد ذاته، ونبذ العهد معصية في حد ذاته، وخيانة الأمانة معصية في حد ذاتها، لكنها علامات يعرف بها النفاق - عياذا بالله.

فهذه أمور التي سوف اذكرها أيضا علامات، علامات منذرة على الإنسان أن ينتبه لنفسه إذا ما رآها متحققة في ذاته فإنها تجلب ما هو أشر منها وأعظم وأفظع واشد. فعليه ان يتنبه.

أول هذه الأمور التي على كل واحد منا أن يكون حارسا لذاته منها (حاله مع المعصية) كيف تنظر الى المعصية؟ لو شجعتك نفسك على فعل معصية أو تهيأت لك أسباب معصية أو تاقت نفسك لنيل شهوة لا تنالها إلا بمعصية، كيف تنظر نفسك الى هذه المعصية التي تشجعك نفسك على الإقدام عليها، هل تنظر إليها باستعظام تنظر إليها على أنها شيء عظيم جدا، كيف تقدم على فعله أو تنظر إليها باستهانة وتحقير وتبرر لنفسك فعلها بأي صورة من الصور، كأن تقول هذه صغيرة وليست بكبيرة، أو تقول بأن إثمها قليل وليس كثيرا أو تقول بأنني سوف افعلها مرة واحدة ثم أتوب، أو غير ذلك من التسويغات الباردة. أو تنظر إليها على أنها اجتراء على الله أو تنظر إليها على أنها تكبر على الله، أو تنظر إليها على أنها كفران لنعمة الله تعالى عليك التي تغرق فيها، هل تنظر إليها بالنظر إلى عظم المعصيّ سبحانه وتعالى أو تنظر إليها بحسب ما تمليه شهوتك لك؟ هذه علامة على الإنسان أن يتنبه لها والأصل في الإنسان في تعامله مع المعصية أن يستحضر أمرين اثنين فلا بد أن يكون هنالك خوف من الذنب أو المعصية ولا بد أن تكون هنالك نفرة من المعصية.

فالإنسان في تفاعله مع المعصية لا بد أن يحقق أمرين الأول الخوف من فعلها يخاف غضب الله وبطشه ونقمته وأخذه الأليم ويخاف من آثارها على قلبه وآثار شؤمها على حياته ونفسه وأولاده وماله فالمعاصي لها الكثير من الآثار على هذه الجوانب جميعا. فالإنسان لا بد أن يخشى إذا ما فكر في الذنب من هذه الأمور المجتمعة، ولا بد أن يستحضر هذا الجانب.

أما الجانب الثاني فهو النفرة من المعصية ولا يستقر إيمان الإنسان إذا لم تكن بينه وبين المعصية نفرة بل لا يتذوق حلاوة الإيمان إذا لم يكن بينه وبين المعصية منابذة وكره فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وان يكره أن يعود الى الكفر كما يكره أن يقذف في النار).

هذا الكفر الذي ذكره صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ليس بالضرورة أن يكون كفر شرك بل قد يكون كفر الفسق وهو بمعنى الفسوق فيكره الإنسان أن يعود الى الفسوق، كما يكره أن يقذف في النار، يكره أن يعود الى الذنب بعد تركه كما يكره أن يقذف في النار، هذا الحال حال مفقودة ربما يقصر فيها كثير من التائبين، فتجد بأنهم لا ينابذون الشر ولا يكرهونه ولا يجعل الواحد منهم بينهم وبينه سدا منيعا من الكره (كما يكره أن يقذف في النار يكره أن يعود الى الإثم). هذا الجانب لا بد أن يكون موجودا في نفس الإنسان وبدون وجوده لن يكون هنالك استعظام للإثم.

الطاعة

ويتطرق الخوالدي الى الأمر الثاني موقفك من الطاعة، راقب نفسك فيما يتعلق بموقفك من الطاعة كيف تنظر الى طاعة الله وكيف تقدم عليها هل تقدم عليها بحب بنهم برغبة بشوق بأنس ولذة، أو تقدم عليها باستثقال واستطوال ونفرة من قبل نفسك، فإذا كان الإنسان يتكاسل عن الطاعات هذا ديدنه يستثقلها فهذه علامة منذرة على شر عظيم يصيب قلبك بل هي علامة على مرض قلبك.

أي طاعة من الطاعات تستثقلها صلة كانت أو صيام الفريضة أو قراءة القرآن أو ذكر الرحمن أو غير ذلك من الطاعات التي أمرت بها، هذه الصفة ليست من صفات المؤمنين، بل ان الرب جل وعلا ذكر بأنها من صفات أهل النفاق فذكر في المنافقين انهم (وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى) (وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى) وقال صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء) لماذا هاتان الصلاتان ثقيلتان لأن المنافقين كانوا يعيشون حياة تمثيل فحسب فصلاة العشاء تكون في الظلمة والفجر كذلك فيرون انهم ليسوا بحاجة الى مزيد تمثيل فكانوا لا يأتون الى هاتين الصلاتين.

ونرى الله سبحانه وتعالى قد رتب الأجور العظيمة والمثوبات الجزيلة على عدم الاستثقال للعبادة لم يرتبها على استثقال العبادة رتبها على الصبر والاحتساب فقال صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وقال: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).

هذا الموعود العظيم يتحقق بالإيمان والاحتساب، الإيمان معروف يؤمن بفرضية الصيام وبسنية القيام.

والاحتساب يعني كما يقول أهل العلم (يصومه محتسبا الأجر لله من غير استطالة لأيامه ولا استثقال لصيامه) فلا يتعامل مع هذه العبادة باستثقال وإنما يتعامل معها باحتساب وإقبال والإنسان حينما يتعامل مع عبادة الله بإقبال يكون موفقا وأما المستثقل لها يكون مخذولا محروما.

الله سبحانه وتعالى يقول في شأن المبادرين الى الطاعة: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا، وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) هؤلاء الذي يبادرون الى فعل ما أمروا به ينالون أجورا عظيمة منها (لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)، أي أن فعلهم للطاعة سبب لتثبيت أنفسهم عليها، مبادرتك لفعل الطاعة سبب لتثبيت نفسك عليه.

الإنسان عندما يريد المحافظة على طاعة من الطاعات عليه أن تبادر دائما الى فعلها فيسهلها الله تعالى لك وتثبت عليها ومن هذا الباب قوله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ)، (وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ) قالوا: هم بذلك البذل يثبتون أنفسهم على دوام البذل وهذا أمر معروف ومعهود.

تلحظون حال الناس مثلا في رمضان الذي لم يكن يصلي قيام الليل طول السنة يصلي في رمضان، لماذا؟ لأنه يبادر الى فعل هذه الطاعة ويرتب نفسه ويقلل من النوم، هذا العمل منه يسهل عليه هذه الطاعة (وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)، والعكس عدم المبادرة الى فعل الطاعة هذا يوصل الإنسان الى الحرمان منها (فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِين) حرموا من الخروج للجهاد معه صلى الله عليه وسلم بسبب تخلفهم وتقاعسهم لأنهم تقاعسوا في أول الأمر حرموا من تلك العبادة وهذا الأمر معهود في دنيا الناس، تجد أحدهم لو تكاسل عن صلاة الفجر في يوم من الأيام ونام وأخذ يتأخر تجده في كل يوم يكسل شيئا فشيئا حتى يصل الى انه لا يشعر حتى بوخز الضمير لو فعل هذا التقصير.