إشراقات

خطبة الجمعة: المؤمن يأخذ بتدابير السلامة والاحـتياطات اللازمة لوقاية نفسه

28 فبراير 2019
28 فبراير 2019

شرع الإسلام من الأحكام ما يضمن للبيت أمنه وسلامته واطمئنانه -

تتناول خطبة الجمعة لهذا اليوم موضوع سلامة الأسرة مبينة أن سلامة الأسر أساس لسلامة المجـتمع، وترابطها جوهر ترابطه وتماسكه، وأن الخطر الذي يهدد الأسرة هو خطر يهدد المجـتمع بأسره، ويزلزل بنيانه، فعلى أفراد الأسرة أن يأخذوا بسبل الأمن والسلامة، وعلى عاتق الوالدين تقع المسؤولية الكبرى في ذلك، فهما دفتا مركب الأسرة، وركنا قيامها، وكذلك المجـتمع بكل مؤسساته وأطيافه لا بد أن يكون له دور في تحـقيق سلامة الأسرة وحفظ أمـنها، تنظيما للبرامج، وتشريعا للقوانين، وتقديما للمعونة والمساعدة، وتوجيها، وتوعية، وإرشادا؛ فللمدرسة دور مهم، ولأجهزة الأمن دورها، وللمسجد ووسائل الإعلام ومؤسسات المجـتمع المدني والمؤسسات الأهـلية دور مهم كذلك.. وهنا نص الخطبة كاملا والذي جاء تحت عنوان: (معا لــسلامة الأسرة):

الحمد لله الذي هيأ للسلامة أسبابها، وجعل للعافية سبلها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحب من عباده أن يكونوا من أهـل الحزم وأولي الألباب، ويأمرهم بالتوكل عليه مع الأخذ بالأسباب، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فإني أوصيكم ونفسي – عباد الله - بتقوى الله جل جلاله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، واعـلموا– رحمكم الله - أن سلامة الأسر أساس لسلامة المجـتمع، وترابطها جوهر ترابطه وتماسكه، كما أن الخطر الذي يهدد الأسرة هو خطر يهدد المجـتمع بأسره، ويزلزل بنيانه، وهذا الخطر قد يكون معـنويا وقد يكون ماديا، ومن كل يجب أن تصان الأسرة ويحمى حماها. هذا وقد مرت بمجـتمعنا بعض الحوادث المتعلقة بالسلامة، فقد فيها أحبة، وراحت ضحيتها أسر، دمعت عيون المجـتمع لأمـثالها، وتفطر قلبه لوقعها، في حين أن الظاهر في كثير من هذه الحوادث أنه لو كان قد أخذ بقواعد السلامة وفعلت مبادؤها وأسبابها ما كان لتلك الحوادث أن تحدث، أو على الأقل لكانت أقل ضررا، وأخف خطرا وأثرا. من هنا كان الأخذ بأسباب السلامة - عند الإمكان - واجبا، وتعاون المجـتمع بأفراده ومؤسساته أمرا ضروريا لحفظ الأسرة وتحـقيق سلامتها.

عباد الله:

إن من آيات الله أن جعل البيوت مكانا للسـكينة والطمأنينة، يقول المولى جل جلاله: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا)، وقد شرع الإسلام من الأحكام ما يضمن للبيت أمنه وسلامته واطمئنانه، فمنع أن يدخل إليه بلا استئذان، وحرم أن يقتحم بغير حق، أو أن يطلع على أسراره، ويروع أمنه. غير أن تلك السكينة – أيها الأحبة - قد يهد أركانها أهـل البيت أنفسهم عندما لا يأخذون بأسس السلامة، ويهملون الاحـتياطات التي تجنبهم المخاطر والكوارث، فيقعون في الضيق، وتحل بهم الكرب، ويكون إهمالهم سببا لأذيتهم، وربما أدى إلى التلف والهلاك؛ فعلى أفراد الأسرة أن يأخذوا بسبل الأمن والسلامة، وعلى عاتق الوالدين تقع المسؤولية الكبرى في ذلك، فهما دفتا مركب الأسرة، وركنا قيامها، وقد ركز المصطفى صلى الله عليه وسلم على مسؤولية الأبوين تجاه بيتهما وأولادهما حين قال: «والرجل راع في أهـله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»، إن إهمالا واحدا للسلامة من الوالدين، أو عدم مبالاة منهما بالمخاطر مرة؛ قد يورثهما ألما عميقا، وحسرة بالغة، عندما تكون العاقبة أذى أو كارثة تلحق بالبيت وأهـله. ومن أكثر الحوادث حدوثا في المجـتمع – أيها الأحبة - الحرائق، ومن بين آلاف حوادث الحرائق التي تحدث في العالم كل عام، تكون النسبة الكبرى منها في المنازل والمنشآت السـكنية، ومع اختلاف أسباب تلك الحرائق غير أن أكثرها يكون مرتبطا بالكهرباء وتوصيلاتها وأجهزتها، فإن الخلل في التسليكات الكهربائية مثلا، ووجود الأسلاك المكشوفة، وتحميل الجهد الكهربائي فوق طاقته بكثرة التوصيلات، واسـتعمال تجهيزات كهربائية رديئة الجودة، وعدم الحذر عند اسـتعمال بعض الأجهزة كالمدفأة، وجهاز كي الملابس، وسخان المياه، وأجهزة المطبخ، وغيرها، قد يكون جميعها أسبابا محـتملة لنشوب الحريق في البيت الآمن. كما أن غاز الطبخ قد يكون سببا لحدوث تلك الحرائق عند الإهمال، وسوء الاسـتعمال، وخلل التوصيل؛ فتسريب بسيط للغاز قد يؤدي إلى حريق هائل، وكارثة مفجعة. والعقلاء دائما – أيها الكرام - يدفعهم حذرهم إلى اتخاذ تدابير تبعدهم عن مخاطر الحريق وتعينهم على السلامة، ومن تلك التدابير تركيب أجهزة الإنذار من الحريق والدخان، والفحص الدوري لزر القطع الآلي للكهرباء في صندوق الكهرباء، والحرص على إطفاء الأجهزة والأنوار غير الضرورية قبـل النوم، ومراقبة مفاتيح غاز الطبخ باسـتمرار، كما أن تزويد البيت بمطافئ للحريق، ووضع خطة طوارئ للخروج من البيت عند نشوب الحريق، مع تدريب أفراد الأسرة عليها يعد كل ذلك من التدابير المفيدة لسلامة الأسرة وحمايتها.

أيها المسـلمون:

إن المؤمن كيس فطن، يأخذ بتدابير السلامة، ويحرص على الاحـتياطات اللازمة لوقاية نفسه وعائلته من الحوادث والكوارث، أما أن يهمل المرء الاحـتياطات، ويترك اللازم من التدابير، ثم يدعي التوكل على ربه، وتفويض الأمر إلى خالقه؛ فهذا –والله- عين الجهل والسذاجة، فإنما ذلك تواكل وليس بتوكل، فالتوكل إنما يكون بعد إفراغ الجهد في الأخذ بالأسباب، ومراعاة الظروف والأحوال، ونحن نرى كيف أن الله تعالى أمر المؤمنين أن يأخذوا سبل الحذر في مواجهة عدوهم مع وعده إياهم بالنصر والتمكين، فقال لهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا). ومن الأمور التي يراعيها العقلاء لسلامة أسرهم، طريقة اختيار نوع أثاث المنزل وكيـفية وضعه فيه، بحيث يكون بعيدا عن تسبيب الحوادث والأخطار، ومن أمـثلة ذلك محاولة تجنب وجود الحبال والحلق المتدلية في الأثاث خشية تعرض الأطفال للاختناق، وعدم وضع الكراسي والمناضد بجانب النوافذ المرتفعة والشرفات. وإن من الأمور التي ينبغي مراعاتها حفظ الأدوية ومواد التنظيف والمبيدات وأدوات المطبخ بعيدا عن متناول الأطفال، كما ينبغي أن نبعد عنهم الأدوات والأجـزاء الصغيرة كالدبابيس والبطاريات خشـية الابتلاع، وعلى أفراد الأسرة أن ينتبهوا كذلك لكل ما يؤدي إلى تسمم الطعام، كسوء الحفظ، وانتهاء صلاحية المواد الغذائية. وجميل أن يتم توفير صندوق للإسعافات الأولية في البيت، يوضع في مكان يسـهل الوصول إليه عند الحاجة الملحة، كما ينبغي وجود قائمة بأرقام الهواتف المهمة التي يمكن اللجوء إليها في حالات الطوارئ ووقوع المخاطر. وعلى الوالدين أن يكونا أكثر حذرا على سلامة أطفالهما عند حدوث الأنواء المناخية، فلا يسمحا للأطفال باللعب خارج البيت عند هطول الأمطار وهبوب العواصف، وكذلك من اللعب بجانب برك المياه المتجمعة ومجاري الأودية.

معاشر أولي الألباب:

كما يسلك العاقل سبل السلامة لأسرته في بيتها الذي يؤويها ويضمها، فإنه ينشد السلامة كذلك في مركوب الأسرة الذي يقلها ويحملها؛ فالاهـتمام بجاهزية السيارة وحسن صيانتها سبيل مهم إلى تحـقيق سلامة الأسرة عند اسـتعمالها، فمن الأهمـية بمكان الحرص على الفحص الدوري للمركبة، ومراقبة صلاحية الإطارات والفرامل فيها باسـتمرار، خاصة قبل اسـتعمالها في الرحلات البعيدة، والمسافات الطويلة. كما يجدر برب الأسرة أو قائد المركبة أن يحرص على ربط جميع الركاب عنده لأحـزمة الأمان قبـل السير في الطرقات، ويحرص على عدم ترك الأطفال بمفردهم داخل السيارة لما يترتب على ذلك كله من مخاطر حقيقية ونتائج سيئة لا تحمد. وقائد المركبة العاقل – كذلك – يعـقله عقله من التهور بخوض الأودية الجارية بسيارته، والسير في المياه المندفعة بمركبته، فكم من متهور لا يعي تقدير المخاطر، أو مغرور يظن أنه ذو مهارات اسـتثنائية أو يملك سيارة خارقة، اندفع بسيارته في الأودية فحملته، وغاص فيها فالتهمته، وقد يكون معه بعض أهـله، أو يحمل أفراد عائلته، فكتب لنفسه بذلك الهلاك، ولذويه الإهلاك، فصار ناحرا منتحرا، والله عز وجل يخاطبنا بقوله: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

فاتقوا الله - عباد الله-، وكونوا على حذر من أسباب المخاطر، ومسببات الكوارث، اسـلكوا لأهـليكم سبيل العافية، وسيروا بأسركم في درب السلامة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

*** *** ***

الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فاعـلموا – أيها المؤمنون - أن المجـتمع شريك في تحمل مسؤولية سلامة الأسرة من المخاطر والكوارث، وكيف لا يكون ذلك حاله وحال المؤمنين كما وصفهم خير الخلق بقوله: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))، وكيف لا يكون مجـتمع المؤمنين متعاونا في تحمل المسؤوليات ومواجهة المخاطر ورب العزة يخاطب المؤمنين بقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. إن المجـتمع بكل مؤسساته وأطيافه لا بد أن يكون له دور في تحـقيق سلامة الأسرة وحفظ أمـنها، تنظيما للبرامج، وتشريعا للقوانين، وتقديما للمعونة والمساعدة، وتوجيها، وتوعية، وإرشادا؛ فللمدرسة دور مهم، ولأجهزة الأمن دورها، وللمسجد ووسائل الإعلام ومؤسسات المجـتمع المدني والمؤسسات الأهـلية دور مهم كذلك، وهكذا. ومن أهم القائمين بمعونة الأسرة لتحـقيق سلامتها جيرانها وأهـل الحي الذي تسكن فيه، فالجار خير معين لجاره في الخير ودفع الضير، وقد جعل الإسلام من حق الجار على جاره أن يكرمه ويمنع عنه كل ما يضر به، فلا يؤذيه حتى برائحة طعامه ودخان ناره، وقد قال خير الخلق صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)).

فاتقوا الله -عباد الله-، واسألوا الله العافية والمعافاة، والحفظ والعناية، فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).