الملف السياسي

الحرب التجارية والتوافق المنتظر

25 فبراير 2019
25 فبراير 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة وهو يتخذ عددا من القرارات السياسية والاقتصادية المثيرة للجدل حتى داخل المؤسسات التشريعية الأمريكية والصحافة، كما أن تلك القرارات لامست مصالح عدد من دول الاتحاد الأوروبي والصين من خلال إعلان ترامب عن فرض رسوم تجارية على الحديد والصلب والألمنيوم بل والتهديد مؤخرا بفرض رسوم على واردات السيارات الألمانية بشكل خاص.

ومن هنا اطلق الرئيس ترامب ما يشبه الحرب التجارية خاصة مع الصين والتي تعد ثاني اقتصاد في العالم ولها استثمارات كبيرة داخل الاقتصاد الأمريكي ولها اكبر احتياطيات من العملة الأجنبية في العالم، ومن هنا كانت المواجهة التجارية بين واشنطن وبكين هي بمثابة انتحار للاقتصاد الدولي، ومن هنا كانت المؤشرات الأولى نحو إجراء مفاوضات بين الولايات المتحدة والصين خلال قمة العشرين الأخيرة في العاصمة الأرجنتينية بيونس ايرس.

بعيدا عن الحرب التجارية

الحرب التجارية كمصطلح يشير إلى قيام دولتين أو أكثر بفرض رسوم جمركية أو حواجز تجارية على بعضها البعض بهدف تحقيق مكاسب محددة على حساب مصالح الآخرين، وقد بدأت فكرة الحرب التجارية في الظهور مع قيام ترامب بفرض رسوم جمركية على عدد من واردات الصين لأمريكا وبعدها أشار في إحدى تغريداته المثيرة للجدل بانه مستعد للحرب التجارية حيث وصلت تلك الرسوم الى 25 في المائة خاصة على الحديد و10 في المائة على الألمنيوم علاوة على فرض رسوم جمركية على بضائع صينية تتجاوز 60 مليار دولار، كما هدد ترامب بان تلك الرسوم قد تتجاوز 100 مليار دولار.

عملاق آسيا الأول شعر بفداحة الخسائر والتي سوف تتعرض لها التجارة الصينية حيث أعلنت بكين عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على 128 سلعة أمريكية بهدف حماية المصالح الصينية، ومن هنا بدأ أول ملامح تلك الحرب التجارية بين اكبر اقتصادين في العالم مما جعل أوروبا تتخوف من حرب تجارية ضد مصالحها من قبل واشنطن، وهنا يقول جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية بأن الاتحاد الأوروبي سوف يرد بقوة دفاعا عن مصالحه الاقتصادية وفي ظل هذا الحراك التجاري اتضح أن استمرار هذه الحرب سوف تجعل كل الأطراف خاسرة بما فيها الاقتصاد الأمريكي وعلى ضوء ذلك بدأت المفاوضات الأمريكية - الصينية للوصول الى توافق لتجنب أي حرب تجارية قد تعصف بالاقتصاد العالمي والذي يواجه أساسا مشكلات تتعلق بالنمو والبطالة المتزايدة وقضايا الطاقة والمناخ.

ومن خلال المفاوضات بين بكين وواشنطن فإن الوصول الى توافقات بين الطرفين هو الأقرب من الناحية العملية، وفي ظل تشدد الرئيس الأمريكي فان بكين قد توافق على بعض التنازلات من خلال زيادة وارداتها من البضائع الأمريكية لسد الخلل في الميزان التجاري والذي يميل إلى الصين.

علاقات قوية

بعيدا عن الحرب الكلامية بين البلدين فإن الصين والولايات المتحدة ترتبطان بعلاقات قوية وتبادلات تجاريه بمئات المليارات من الدولارات وهناك استثمارات صينية خاصة على الساحل الغربي للولايات المتحدة تقدر بعشرات المليارات، كما أن الطلبة الصينيين الذين يدرسون في الجامعات الأمريكية هو رقم كبير يقدر بعشرات الآلاف ومن هنا فإنه من الصعب تخيل أن يضحّي البلدان بتلك المصالح الاقتصادية، ومن هنا فإن التوافق وإيجاد اتفاقية تجارية على غرار ما حدث مع كندا والمكسيك هو الأمر المرجح، ولكن الصين لن تتنازل عن طموحاتها الاقتصادية أو أن تكون الخاسرة بشكل يؤثر على مصالحها الكلية.

الصين عملاق اقتصادي كبير وله امتداداته في القارة الإفريقية بشكل خاص وحتى أمريكا اللاتينية، ومن هنا فإن التجارة الصينية مع العالم أصبحت تجارة رائجة وهذا يعود أولا الى الاستثمار الصيني المتزايد وأيضا وجود صناعات صينية تلقى رواجا من الدول النامية بسبب أسعارها المناسبة.

الولايات المتحدة تدرك مدى النمو الصيني المتزايد خلال العقد الأخير والذي تجاوز في بعض السنوات حاجز 10 في المائة قبل أن يتراجع مؤخرا الى 7 في المائة ورغم ذلك يتجاوز النمو في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، إن المصالح الاقتصادية بين البلدين كبيرة وفي المحصلة النهائية لا يستطيع ترامب أن يحصل على كل ما يريد بل ستكون هناك مقاربة تجارية مقبولة الى حد كبير، كما هو الحال مع دول الاتحاد الأوروبي والذي يهدد ترامب بفرض رسوم على واردات السيارات خاصة من ألمانيا وهذا إن حدث سوف يشكل ضربة كبيرة للاقتصاد الألماني والذي يمثل قطاع السيارات فيه أحد أهم القطاعات الاقتصادية والتي لها مردود تجاري كبير خاصة داخل السوق الأمريكي الكبير والذي يتميز بالقدرة الشرائية العالية.

المفاوضات

تتواصل المفاوضات التجارية بين الصين والولايات المتحدة في العاصمتين وهناك وفود حكومية تواصل المناقشات وهناك تصريحات متبادلة تتحدث عن قرب التوصل إلى اتفاق تجاري بين البلدين يؤطر لعلاقات تجارية متوازنة.

إن الرئيس ترامب ومنذ وصوله أدخل العالم في جدل ومشكلات لا تنتهي وهناك أصوات ترتفع بقوة في الكونجرس والصحافة الأمريكية حول خطوات ترامب غير الودية تجاه حلفاء واشنطن على الضفة الأخرى من الأطلسي وهي الدول الأوروبية والتي يهددها ترامب برفع الرسوم وأيضا ضرورة دفع المزيد من الأموال كمساهمة في موازنة حلف شمال الأطلسي.

وتبقى الصين مفاوضا صعبا ولن يتمكن ترامب بفرض كل شروطه على العملاق الآسيوي والذي يملك الكثير من الأوراق والخيارات في آسيا وإفريقيا وحتى المنطقة العربية، ومن هنا فإن المصلحة تقتضي أن يتوصل الطرفان الأمريكي والصيني إلى اتفاق يتسم بالتوازن والموضوعية واستيعاب مصالح الطرفين.

وفي إطار أي مفاوضات تجارية فإن التنازلات لابد أن تكون حاضرة وفي حالة الوضع التجاري غير المستقر فان بعض التنازلات الصينية المحدودة قد تكون مقبولة من الطرف الصيني، حيث أعلنت بكين بأنها سوف تزيد من مشترياتها من البضائع الصينية خاصة من السلع الغذائية وبعض الصناعات الأمريكية.

ويدرك الطرفان بأن التوافق التجاري بينهما هو الخيار الأنسب لحماية مصالحهما في ظل تواجد المتغيرات الجيو- سياسية والصراعات التي تشهدها بعض أقاليم العالم والطفرة التجارية للصين في إفريقيا تحديدا.

أما الاتهامات الأمريكية حول التعدي على الملكية الفكرية لبعض المنتجات الحساسة الأمريكية، فهو موضوع قديم وهناك اتهامات متبادلة ومع ذلك فان حل هذه الإشكاليات وخاصة موضوع الحرب التجارية هو في مصلحة البلدين وللاقتصاد العالمي وأيضا أهمية استقرار التجارة الدولية لأن أي توجهات لحرب تجارية إذا فشلت المفاوضات الصينية - الأمريكية فان ذلك سوف يفتح الباب نحو فوضى تجارية في العالم حذرت منها منظمة التجارة العالمية والتي أبدت قلقها من رفع الرسوم المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة.

ورغم أن تحركات الرئيس ترامب لا يمكن توقعها إيجابا أو سلبا فان الواقع الراهن وقوة الأوراق التي تملكها الصين قد تؤدي الى توافق بين الطرفين مع بعض المزايا المحدودة من الصين للولايات المتحدة، وهذا قد يكون المخرج المناسب لتفادي تطور حرب تجارية تزيد من التوتر وانكماش الاقتصاد العالمي.