1138993
1138993
إشراقات

البوسعيدي: الزواج يحتكم لأحكام شرعية خمسة وهو سبب لحصول الغنى

21 فبراير 2019
21 فبراير 2019

شعيرة من الدين ووسيلة لبقاء النوع البشري -

الخطبة تكون بالتصريح وبالكناية وكذلك الطلاق.. والمعتدة لا يجوز خطبتها خطبة صريحة -

متابعة: سالم الحسيني -

الزواج عبادة من العبادات.. ووسيلة لحفظ النوع البشري، وهو يحتكم لأحكام شرعية خمسة هي: الوجوب والاستحباب والتحريم والكراهة والندب، ذلك ما أوضحه إمام وخطيب جامع السلطان تيمور بن فيصل بالمعبيلة الجنوبية بدر بن هلال البوسعيدي خلال درسه الأسبوعي ضمن سلسلة أسبوعية حول «فقه الأسرة» مشيرا في محاضرته عن «الزواج وأحكامه» إلى أن الزواج سبب لحصول الغنى، فعلى الشاب أن يخطو الخطوة الأولى نحو ذلك الهدف وعلى المجتمع أن يعينه على ذلك أن كان غير قادر ماليا، مبينا أن هناك زيادة في ارتفاع العنوسة وفي الإشكالات الاجتماعية التي تقع بسبب تأخير الزواج، ولحل تلك الإشكالات يجب تسهيل أمر الزواج.. وهنا نص المحاضرة:

الزواج في حقيقته عبادة من العبادات فالإنسان عندما يتزوج يقوم بشعيرة من شعائر الدين فالمسلم بزواجه يتقرب إلى الله عز وجل وهذا أمر يغفل عنه كثير من الناس، وليس هو من أجل قضاء الوطر أو لأجل الحصول على الذرية أو نحو ذلك فحسب، وقد سنّ الإسلام الحنيف أحكاما معينة لهذا الزواج فمرة يكون واجبا وأخرى يكون مستحبا ومرة يكون مكروها ومرة أخرى يكون محرما وهذه الأحكام لا تكون إلا في الأمور العبادية وليس في الأمور العادية.

وأضاف: إن الزواج هو طريق من طرق حفظ النوع البشري لكن يجب أن يكون بطريقة صحيحة وبطريقة آمنة على المستوى الأخلاقي وعلى المستوى الاجتماعي وعلى المستوى الطبي وعلى جميع الأصعدة، مشيرا إلى أن الزواج معروف في سائر الثقافات وكان معروفا عند العرب وكانوا يتزوجون ولكن جاء الإسلام وضبط هذا الزواج بضوابط وأطر شرعية. وهو سنة من سنن المرسلين.. (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) وفي قصة النفر الثلاثة الذين جاءوا ليسألوا عن عبادة النبي- صلى الله عليه وسلم- فأخبروا عنها فكأنهم تقالّوها فقال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأما أنا فأصلي ولا أرقد، وقال الثالث: أما أنا فلا أتزوج النساء، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما قالوا: قال: أما أني أعلمكم بالله وأخشاكم له ولكني أصلي وأرقد وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني. فإذن الزواج سنة من سنن الأنبياء عليهم السلام فكانوا يتزوجون وكان عندهم ذرية وأبناء.

وأشار إلى أن الزواج كذلك وسيلة من وسائل التقارب الاجتماعي فالإنسان عندما يتزوج يألف المجتمع، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما تزوج كان من ضمن أهداف زواجه الجانب الاجتماعي، فقد تزوج السيدة صفية عليها السلام وهي يهودية من سلالة سيدنا هارون عليه السلام وكذلك عندما تزوج صلى الله عليه وسلم من أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، وأبو سفيان معروفة مكانته، وهذا له أثر اجتماعي، كما أن الزواج آية من آيات عظمة الله- سبحانه وتعالى- يعيشها الإنسان بنفسه.. (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).. مبينا أن هذه الآية هي آية عجيبة.. فكيف بهذه الزوجة تترك أهلها وتترك وطنها وتترك المجتمع الذي نشأت فيه وتنتقل إلى بيت الزوج راضية وتريد البقاء في بيت الزوجية، فمن الذي جعل هذه المرأة تترك تلك الحياة التي نشأت فيها وتأتي إلى بيئة الزوج وتتعلق به أكثر من تعلقها بأسرتها. وكذلك في المقابل في تعلق الرجل بامرأته عندما يشعر أنها سكن له فسكنى هذا الإنسان عندما يكون في تلك المرأة التي تعينه على لأواء الحياة في أمر دينه ودنياه وآخرته والمرأة التي هي كذلك كأنما تتشبه بالسيدة خديجة- رضي الله تعالى عنها- عندما بشرها النبي- صلى الله عليه وسلم- ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.. لماذا؟ لأن السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها كانت محضنا للنبي- صلى الله عليه وسلم- وكانت تعينه في نوائب دعوته ولذلك استحقت هذه البشارة.

وأوضح قائلا: ان الله سبحانه وتعالى يقول: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)، فالمرأة والرجل كل منهما لباس للآخر، واللباس يكون لأمرين، كما في قوله تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا) فاللباس يكون لأجل ستر العورة ويكون للزينة، فالمرأة كذلك هي ستر للرجل وزينة له والزوج أيضا زينة للمرأة وستر لها ولذلك ينبغي للإنسان عندما يختار هذا الستر. مبينا أن الزواج كذلك بركة وهو سبب لحصول الغنى، فالله- عز وجل- يقول: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) إذن فالزواج نفسه سبب للغنى ولذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل: «ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح يريد العفاف»، فهذا الإنسان عندما يتزوج يتكفل الله سبحانه وتعالى بعونه، مشيرا إلى أن هناك قصصا كثيرة فكم من الشباب من كان لديهم شيء من المال لأجل بدء الحياة الزوجية لكنهم عملوا بهذه الآية فتولى الله أمرهم. ومجتمعنا- ولله الحمد والمنة- مجتمع متكافل يساعد بعضه بعضا ولكن على الشاب أن يخطو الخطوة الأولى أما أن يبقى الإنسان هكذا فلن يصنع شيئا، ولذلك ينبغي على المجتمع أن يشجع هؤلاء الشباب، مبينا أن مع قلة الوظائف وشحها يتأخر البعض في الزواج من الذكور والإناث وبالتالي هناك زيادة في ارتفاع العنوسة وزيادة الإشكالات الاجتماعية التي تقع بسبب تأخير الزواج، فالحل إذن في تسهيل أمر الزواج وعلى الشباب أن يتوكلوا على الله.

وأشار إلى أن المعنى اللغوي للزواج هو أن يقرن الشيء بالشيء، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، وفي قوله تعالى: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ) فأزواجهم هنا بمعنى قرناؤهم فشارب الخمر مع شارب الخمر وآكل الربا مع آكل الربا، والقاتل مع القاتل والمجرم مع المجرم، وهكذا، مشيرا إلى أن الله- سبحانه وتعالى- أسماه أيضا نكاحا، والنكاح له معنيان، يأتي بمعنى الجماع ويأتي بمعنى العقد، فقد قال سبحانه وتعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ)، وقوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ)، كما جاء بلفظ الزواج كما في قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا)، وقوله صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإذن في الاصطلاح الشرعي لا إشكال أن نسميه زواجا أو نسميه نكاحا فكل ذلك ورد في شرع الله عز وجل. مبيّنا أن ما سبق ذكره من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة هو الدليل على مشروعية الزواج. وهذا الزواج يحتكم لأحكام شرعية خمسة وهي: الوجوب والاستحباب والتحريم والكراهة والندب، فإذا كان الرجل قادرا على الزواج ويخاف على نفسه العنت والمشقة أو ان يقع في الزنا أو نحوه فهنا يجب عليه أن يتزوج فإن لم يفعل فهو آثم، أما إن كان هذا الإنسان غير قادر بدنيا على الزواج وماليا لا يستطيع إنشاء أسرة وأيضا سيئ الأخلاق لا يخشى على نفسه من العنت فحكم هذا حرام ان يتزوج وذلك لأنه سيضر بالمرأة فهي تحتاج إلى نفقة وتريد أن تقضي وطرها وتحتاج إلى سكن وتحتاج إلى معاملة حسنة فإذا كان هذا الزوج لا يحقق ذلك فهذا يعني أن زواجه حرام، ويكون الزواج مكروها إذا كان الإنسان قادرا على الزواج ويغلب على ظنه انه سيسيء إلى هذه المرأة لأن أخلاقه سيئة فهذا يكره في حقه الزواج مراعاة لحق المرأة، أما حكم الاستحباب فيستحب له الزواج إذا كان قادرا عليه ولا يخاف على نفسه العنت. متسائلا: أما إذا كان يصل الأمر إلى الوجوب فما حكم أن يعان هذا الشاب على الزواج؟ فيجيب قائلا: إذا كان يخاف على نفسه من الوقوع في العنت فانه يعان على الزواج، ولو من مال الزكاة، لأن الزواج بالنسبة له وصل لدرجة الضرورة، وبما أنه وصل لدرجة الوجوب وللأجل أن يحقق هذا الواجب يحتاج إلى إعانة، وما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب، وهذا يعني أن الإنسان عندما يكون لديه قريب وأراد الزواج وهو عاجز ويخشى على نفسه العنت فعلى ذلك القريب أن يعينه على هذا الزواج، والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) وعلى هذا الشاب الذي يريد الزواج أن يسعى فيه لأن الله تبارك وتعالى تكفل بإغنائه.

وأضاف قائلا: إن الخطبة في الزواج تكون بالتصريح كما تكون أيضا بالكناية وكذلك أيضا الطلاق يكون بالتصريح ويكون بالكناية فالخطبة الصريحة معروفة كأن يأتي الرجل ويخطب من ولي أمر المرأة مبينا أنه لا يجوز خطبة المرأة المعتدة خطبة صريحة ويجوز له ذلك بالكناية كأن يقول لها: تحتاجين إلى من يعينك على لأواء الحياة كأن تكون هناك امرأة ذات مواصفات أعجبت أحدهم فيخشى أن تفوته تلك المرأة ويتزوجها غيره، هنا أباح الحق سبحانه وتعالى له أن يخطبها كناية لا تصريحا، مشيرا إلى أنه يجوز كذلك عند بعض أهل العلم الخطبة الكنائية عند المطلقة طلاقا بائنا بينونة كبرى ولا يجوز له أن يخطبها قبل انتهاء العدة خطبة صريحة قياسا بالمعتدة من زوجها الميت مبينا أن الأولى للإنسان ألا يفعل ذلك.

وأكد أن الخطبة الصريحة تكون للمرأة غير المشغولة بزوج أما إذا كانت مشغولة بزوج فلا يجوز أن تخطب مبينا لو أن شخصا خطب امرأة وهي في ذمة زوج وشجعها على الطلاق منه ليتزوجها فيصبح حكم زواجه منها فاسدا لأنه أفسد على الرجل الأول زوجته، مؤكدا أن الأصل في الزواج أن يخطب الرجل لأنه صاحب القوامة (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، متسائلا: ولكن هل يمكن للمرأة أن تخطب الرجل؟ أو ولي المرأة هو الذي يخطب؟ فالجواب: نعم، والدليل على ذلك قوله تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ، قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) مبينا أن هذه الآية تشير إلى أن الذي يخطب هو الأب وبعض العلماء يقول إن البنت هي التي خطبت لأنها قالت لأبيها: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) فهي أعجبت بدينه وأمانته وأخلاقه وقوته، ولذلك تمنت أن يكون زوجا لها، وبالتالي لمحت لأبيها كي يستأجره فقام أبوها فخطب سيدنا موسى عليه السلام لابنته، وهذا أيضا موجود في السيرة فقد روى البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لما تأيمت السيدة حفصة رضي الله تعالى عنها وانتهت عدتها عرضها للزواج من عمر ثم عثمان قبل ان يتزوجها النبي- عليه الصلاة والسلام- وهذا دليل على مشروعية ذلك ولا يتعارض مع الأخلاق والقيم والمبادئ والأعراف.