Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: أسواق النفوذ..

19 فبراير 2019
19 فبراير 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

لفت نظري هذا التعبير «أسواق النفوذ» الذي جاء في كتاب (متلازمات الفساد: الثروة، والسلطة، والديمقراطية) لمؤلفه مايكل جونستون «مترجم» يفسر الكاتب هذا المفهوم بقوله: «أسواق النفوذ» ينطوي على جهود تبذلها المصالح الخاصة؛ لتستأجر الوصول والنفاذ إلى عمليات وضع السياسات التي تجري بشكل مؤسسي راسخ، في معظم الأحيان من خلال الشخصيات السياسية كوسطاء»-انتهى النص -.

يعدها الكاتب من أبرز وسائل جلب الثروات الى الأفراد والمجموعات، وأسرعها لأنها تعتمد كثيرا على العلاقات الشخصية القائمة بين رجالات الأعمال، والمسؤولين، وهي العلاقات التي تختصر كثيرا من الإجراءات الإدارية والقانونية، فمن خلال هذه العلاقات الشخصية القريبة التي يقدم من خلالها رجال الأعمال – بصورة مبدئية - الى تقديم خدمات شخصية عديدة للمسؤولين، فهم بذلك ينفذون الى صفقات ربحية كبيرة للمشاريع، دون أن تدخل هذه الصفقات القنوات الرئيسية للعطاءات الحقيقية للمناقصات، وبذلك لا يؤثر فقط على القيمة الحقيقية لتكلفة المشروعات، بل تؤثر حتى على القيمة الفنية للمشروع فيما بعد، وهذا بدوره يؤثر على البرامج التنموية في أي دولة، ويسرع من ضعف المشروعات واستدامتها، حيث تقصر أعمارها عما هو مرسوم عليه عند بداية إنشاء الفكرة والهدف من تحققها على أرض الواقع.

ينظر الى «أسواق النفوذ ..» على أنها أحد سرطانات برامج التنمية، وهي حالة معايشة في كل دول العالم بلا استثناء، والاستثناء الوحيد الذي تتفاوت فيه دول العالم هو مدى قدرة الدولة على تقصي حقائق «أسواق النفوذ ..» ووأدها في مهدها من خلال سلطة القانون، وقبضته الحديدية، وعدم مهادنته في التعامل مع من يمثل هذا السوق تحت أي ظرف من الظروف، فالمسألة هنا لا تقتصر فقط على الدول الغنية، وإنما تتضمن حتى الدول الفقيرة، ولعل الدول الفقيرة؛ ربما؛ أكثرها ظاهرة في هذا الجانب، نظرا لضعف تطبيق الإجراءات القانونية فيها، وتسلط النخب، وضعف السلطات القضائية الى حد كبير.

يعتمد على الوسائل الإعلامية في كشف مختلف التلاعبات التي تتم في «أسواق النفوذ ..» اعتمادا كبيرا، وينظر إليها بكثير من الأمل، وهي اللاعب الكبير في هذا الاتجاه، نظر لمحدودية مجال الحركة للسلطتين التشريعية والقضائية، لكونهما مؤسسات محكومة بكثير من النظم الإدارية التي لا تتيح لأعضائها حرية العمل في مختلف الاتجاهات، إلا ما يتوافر لها من أدلة رسمية تمكن من الاطلاع عليها، وفق الاختصاصات الممنوحة لها، أما بخلاف ذلك فهي كأي مؤسسة تتلقى الأنباء مما يتوارد من هنا أو هناك، وبالتالي تأتي السلطة الإعلامية لتقوم بهذا الدور، وهو دورها الأصيل، مكلفة به من قبل صانع القرار الذي أوجدها كمساعد لكشف مختلف بؤر الفساد من خلال الوسائل المتاحة لها من غير مزايدة أو تقفيز لمراحل الحصول على المعلومات، نظرا لحساسية العلاقة القائمة بين أفراد المجتمع، وما يتبعها من جوانب التشهير بالأفراد المحكومة مكانتها بنصوص القانون.

ويأتي مفهوم «أسواق النفوذ ..» ليبلس مختلف العلاقات القائمة اليوم أكثر من أي وقت مضى نظرا لتشابك هذه العلاقات وتعقدها أكثر وأكثر، أما أنه كحالة معايشة في أي تجربة تنموية فهو موجود وممارس، ويندر أن أي تجربة تنموية لا تعيش ممارسات «أسواق النفوذ ..» وهذا يحصل حتى على مستوى الأفراد أنفسهم في مختلف أنشطتهم في الحياة، وكثيرا ما نسمع اليوم عن مجموعات الإخفاقات التي يسجلها مقاولو البناء الذين يقومون بتنفيذ مشاريع المنازل الخاصة للأفراد، وإن كان الفهم العلمي يذهب أكثر الى المشروعات الحكومية، أو حتى الشركات الخاصة، يمكن أن تقع هي الأخرى في حبائل «أسواق النفوذ ..»وفي كل الحالات يبقى المخرج من هذا المأزق، وتجفيف منابعه، أو التخفيف منه؛ على الأقل؛ هو السلطة الفاعلة للقانون.