الملف السياسي

متاعب «الكبار» تخيم على جلسات المنتدى

04 فبراير 2019
04 فبراير 2019

مروى محمد إبراهيم -
إغلاق حكومي أمريكي ثمنه قرابة الـ7 مليارات دولار..حروب تجارية.. خروج بريطاني من أوروبا تكلفته مليارات..تراجع غير مسبوق للاقتصاد الصيني.. عام من الأزمات الاقتصادية والسياسية ألقت بظلالها على اجتماعات المنتدى الاقتصادي الدولي الذي انعقد في منتجع دافوس السويسري قبل أيام.

ولكن المؤتمر الاقتصادي العام الحالي تأثر بشكل مباشر بالأزمات الداخلية للدول الكبرى، سواء بسبب انعكاسها على الاقتصاد العالمي والتحذيرات التي أطلقها صندوق النقد الدولي، أو من خلال غياب القيادات الكبرى عن القمة وهو ما أفقدها الكثير من جاذبيتها الإعلامية.

خلال العامين الماضيين، كان حضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يثير الكثير من الجدل بالقضايا التي يثيرها ويدعمها من خلال الترويج لسياسته للحمائية التجارية وتهديده للعالم بفرض المزيد من القيود على حركة التجارة بين أكبر اقتصاد في العالم والدول الحليفة وغير الحليفة له. ولكن العام الحالي، شهد غياب واحد من أكبر اللاعبين الدوليين. فالإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، الذي ورط فيه ترامب بلاده، دفع الرئيس الأمريكي إلى إلغاء مشاركته في دافوس لعجز بالبلاد عن دفع قيمة الرحلة ومرتبات الوفد الأمني والسياسي المرافق له.

كما أن خلافه مع نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي تسبب في غياب القيادات الأمريكية الكبرى عن هذا التجمع الاقتصادي الضخم.

أما الأزمة والخلافات الداخلية الطاحنة التي تمر بها بريطانيا بسبب الاتفاق حول الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، فكانت السبب وراء غياب تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية عن المنتدى الاقتصادي الدولي، خاصة وأن بريطانيا تواجه موقفا اقتصاديا صعبا في حالة الخروج بلا اتفاق ينظم حركة التجارة وعمل الشركات الأوروبية داخل بريطانيا.

وحمل فيليب هاموند وزير الخزانة البريطانية رسالة من تيريزا ماي إلى قادة العالم، مفادها أن التصويت على المغادرة يجب أن يُحترم - لكن الخروج بـ«لا اتفاق» سيكون خيانة للآمال بمستقبل أفضل لأولئك الذين قاموا بالتصويت.

وعقد الوزير البريطاني سلسلة من الاجتماعات مع رؤساء الشركات وصانعي السياسة في محاولة لطمأنتهم بأن الحكومة تبذل قصارى جهدها لتجنب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 29 مارس المقبل بلا اتفاق.

كل هذه الملابسات بالطبع كان لها دور رئيسي في خفض صندوق النقد الدولي لتوقعاته للنمو الاقتصادي العالمي، ورسم صورة مظلمة لضعف الزخم، وتزايد عدم اليقين والتوترات التجارية العالمية. فقد خفض الصندوق تقديره للنمو العالمي هذا العام إلى 5.3%، بتراجع من 3.7 % التي تنبأ بها في أكتوبر الماضي وانخفاضا من نسبة 3.78 % في عام 2018. وأشار الصندوق إلى التوترات التجارية المتزايدة وارتفاع أسعار الفائدة.

وقالت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي، وهي تعرض التوقعات أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، إنه «بعد عامين من التوسع القوي، ينمو الاقتصاد العالمي بوتيرة أبطأ مما كان متوقعا، والمخاطر تتزايد». ويبدو أن صندوق النقد الدولي لم يكن منفردا في تشاؤمه. فقد خفض كل من البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وغيرهما من خبراء تقديراتهم للنمو العالمي.

ولكن في مقابل هذه التقديرات المتشائمة، فقد أكد المستثمرون والمصرفيون والساسة والخبراء الاقتصاديون المشاركون في منتدى دافوس أن الاقتصاد العالمي متعثر لكنه لا يتراجع. فقد شددوا على أن التوسع يضعف ولكن ليس بما يكفي لينتج عنه ركود اقتصادي. ومن ثم أكد فيليب هيلدبراند نائب رئيس «بلاك روك» ومصرفي سابق في البنك المركزي السويسري في تصريحات لوكالة أنباء «بلومبيرج» الاقتصادية الأمريكية «نحن نتباطأ، لكننا ما زلنا في حالة نمو».

وطالب الخبراء الاقتصاديون صندوق النقد بعدم النظر إلى نصف الكوب الفارغ والتراجع عن رؤيته التي صدم بها العالم في بداية المنتدى، وذلك بالرغم من أن توقعات هذا العام سوف تشهد أضعف معدل نمو عالمي منذ عام 2016، إلا أنها تركت تقديراتها للولايات المتحدة والصين في عام 2018 دون تغيير وتوقعت انتعاشاً طفيفاً في جميع أنحاء العالم في العام المقبل.

وقال أدير تيرنر، وهو مسؤول سابق في بنك إنجلترا ورئيس مجلس إدارة مركز أبحاث اقتصادي جديد «إن أكبر قصة في الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن هي التباطؤ الصيني».

وفي مواجهة التوقعات بأن الاقتصاد الصيني يواجه أسوأ معدل نمو له منذ 28 عاما، أكد وانج تشي شان نائب الرئيس الصيني على أهمية التعددية والحوار، بينما قدم تقييما متفائلا لاقتصاد الصين مؤكدا أن آخر ما يجب أن يقلق عليه العالم هو الاقتصاد الصيني، قائلا إنه سيواصل تحقيق النمو المستدام.

وفي بادرة حسن نوايا من قبل واشنطن، أثار وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو ملاحظة إيجابية لحل النزاع التجاري الأمريكي مع الصين من خلال تسجيل فيديو تم بثه خلال اجتماعات المنتدى، حيث أكد أن «هناك من يقول إن صراع القوى العظمى بين بلدينا أمر لا مفر منه، نحن لا نرى ذلك بهذه الطريقة».

أما فيما يتعلق بالرؤية الاقتصادية اليابانية «أبينوميكس» كما يطلق عليها نسبة لشينزو آبي رئيس الوزراء الياباني، فقد أكد «آبيي» أن المرأة كانت عامل مساعد في التصدي لأزمات اليابان الاقتصادية وانتشالها من حافة الهاوية، وفقا لتأكيدات رئيس الوزراء الياباني، حيث دخلت مليوني امرأة قوة العمل منذ عام 2012، مما عزز الاقتصاد.

أما فيما يتعلق الاقتصاد الرقمي الأفريقي، فقد أكد رئيس جنوب افريقيا سيريل رامافوزا إنه «لدينا المهارات، ولدينا التكنولوجيا، وعلينا الآن أن نتحلى بالشجاعة لكي نتقدم على المنحنى». وأشار إلى أن تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة سوف تسمح للقارة بقفزة اقتصادية واسعة إلى الأمام.

وفي الوقت الذي غابت فيه رئيسة الوزراء البريطانية عن المنتدى، إلا أن ثلاثة من القادة الأوروبيين حاولوا طرح رؤيتهم لمستقبل أوروبا. فقد قال جيسيبي كونتي الإيطالي إن بلاده ستعطي المزيد من السلطة للشعب لمواجهة شعور باليأس بين الطبقات المتوسطة.

ومن ناحيته، حث بيدرو سانشيز رئيس الوزراء الأسباني المندوبين على تذكر أن الاقتصاد يجب أن يكون دائما في خدمة الشعب.

وقدمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دفاعًا قويًا عن المؤسسات العالمية، لتذكير الناس بمدى التقدم الذي تم إحرازه على مدار الخمسين عامًا الماضية.

منتدى دافوس الاقتصادي هو انعكاس مباشر للأوضاع العالمية، فقد شهد اجتماعات كارثية وصعبة في عام 2009 لدى اندلاع الأزمة العالمية الدولية، عندما عاش العالم في حالة طوارئ ممتدة في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المؤسسات المالية والبنوك الدولية. وعلى الرغم من أن تقرير بلومبيرج، حول أثرياء العالم الذين ازدادوا ثراء بعد مرور 10 أعوام على الأزمة الاقتصادية العالمية وأضافوا إلى ثرواتهم نحو 175 مليار دولار والفقراء الذين ازدادوا فقرا، قد استبق اجتماعات المنتدى، إلا أنه لم يثر قلق أو ذعر الحاضرين. وعلى الرغم من غياب القادة الكبار الذين انشغلوا بأزماتهم الداخلية عن اجتماعات أكبر تجمع اقتصادي، إلا أن خبراء دافوس بعثوا رسالة طمأنة إلى العالم مفادها أن الاقتصاد العالمي المتعثر أبعد ما يكون عن الركود، بل إن مؤشرات انتعاشه أقوى من التكهنات بانهياره. وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي يعانيها رجل الشارع العادي في مختلف دول العالم، إلا أنه ليس أمامه اختيار سوى الأخذ برؤية الخبراء واستغلال بصيص أمل الذي بثوه من دافوس، لعل الأيام تثبت صحته.