Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: أضعف الخلق..

29 يناير 2019
29 يناير 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -
[email protected] -

يقال دائما: «الجمال في البساطة»، وعندما يستوقفنا الفضول عند مفهوم البساطة، نجدها لا تغدو كونها البدايات الأولى في كل شيء، فالأشياء تبدو بسيطة في خطواتها الأولى، وتسجل مكاسب مهمة، انعكاسا لهذه البساطة، ولكن عندما تدخل في تعقيدات الأشياء، فإنها تلقائيا تحيطها مجموعة كثيرة من القوانين والنظم، والقيم، والمعتقدات، وبالتالي تتعمق أكثر وأكثر، ولذلك تضرب الأمثال بالأشياء البسيطة، لتكون أنموذجا يحتذى به، ولا يحدث؛ في المقابل؛ العكس، أي في الأشياء المعقدة، فكثير من القصص التي نسمعها، أو نقرأها، أو يتحدث الناس عنها، وهي الذاهبة دائما إلى ضرب المثل في الأخلاق، أو في العطاء، أو في التضحيات، أو في الإقدام على المخاطرة، إنما يمثلها أناس بسطاء، ويقومون بها هكذا بدافع الفطرة النقية، حيث لا يرتجون مكاسب مادية أو معنوية، أو وجاهية، ولذلك هي تأتي صادقة، وخالصة، ونقية، ولا يحدث؛ في المقابل؛ مثل هذه الصور كلها من أناس تخضبوا بالوجاهة، أو بالغنى، أو بالمسؤولية، ومن فرط تعمق هذه الصورة، فحتى أبناء المجتمع لا يوافقون على الإقدام على أية مخاطرة من قبل الفئة الثانية، بينما لا يعارضون أن ينبري أي واحد من الفئة الأولى للإقدام على أية مخاطرة تحدث لموقف ما، هكذا دجنت قيم المجتمع أفراد المجتمع للوصول إلى حالة الرضا في هذه المسألة، ولذلك تكاثرت قيم العطاء، والتضحيات، والإقدام على ركب المخاطر من الفئات الأضعف في المجتمع، وهذه حالة معايشة في كل المجتمعات بلا استثناء، فالمجتمع هو الذي يوجد الأرضية الخصبة لنمو وترعرع القيم التي يؤمن بها، ومن ثم يصدرها لأبنائه، وفق المنظور المادي، في كثير من الأحيان.

قرأت قصصا كثيرة عن أناس بسطاء، تناولتهم بعض الكتب، وبعض المرويات، وهم يتصدرون قمم القيم الرفيعة، وخاصة في أيام المحن، هؤلاء البسطاء، كانوا من مختلف الألوان، والمشارب، وغالبا ما يكونون من الذين لا يعيرهم المجتمع بكثير من الاهتمام، ولكن أفعالهم السامية أوصلتهم منصات التتويج من غير سعي منهم، ولذلك ظلوا عبر، لمن أراد أن يعتبر.

في فترة الثمانينات كتبت خبرا عن أحد رجال الأعمال قام ببناء (مرافق) وكان الخبر مبادرة مني، ومن غير تنسيق مع هذا الرجل، وعندما نشر الخبر في الجريدة، فأول ما بادرني معاتبا، وتوقعت عتابه عن نشر الخبر ذاته، فالعمل تطوعي؛ وكما يفترض؛ يراد به وجه الله تعالى، فإذا العتاب حول عدم نعته بـ«الشيخ» حيث كتب الاسم بأحد المواطنين، فالمواطنة لم تكف، لأن يبذل لها أعمالا تطوعية للوطن، في الوقت نفسه نقرأ كثيرا من القصص عن أمثال: أويس القرني الإنسان البسيط – رجل من اليمن – زكاه الرسول صلى الله عليه وسلم، بقبول دعوته من الله عز وجل، وكما قرأت عن قصة يرويها ابن دينار عن رجل بسيط من الموالي في أنحاء بغداد، والقصة موجودة في كتب التراث، واليوم نسمع كثيرا من أبناء المجتمع البسطاء، الذين يضربون أروع الأمثلة في السخاء، والعطاء، والمبادرات الخيرة، دون أن يتصدروا مجالس الوجاهات، ومنصات التكريم، كما كتب أحدهم أن الوطنية هي عند الفقراء من أبناء الأوطان.

ولعلني هنا أجد مقاربة موضوعية بين بساطة القرية وتصدرها للقيم الرفيعة، وتعقيدات المدن، وانسلاخها من ذلك إلى حد بعيد، وبين النفوس البسيطة وعناقها لذات القيم الرفيعة، وبين النفوس المتوغلة في التعقيد، وعدم اكتراثها لمثل هذه القيم، والصورة في مجملها نسبية، وليست حكما مطلقا، ولكن نسبيتها تبقى في حكم الاستثناء، وأما القاعدة فهي تتصدر المشهد الإنساني، ولعل في قصة الملياردير «بيل جيتس» التي تناولها الـ«واتسأبيون» قبل يومين، والمحاورة التي تمت بينه وبين بائع الصحف الصبي «الفقير» ما يؤكد حقيقة هذه القاعدة الإنسانية.