أفكار وآراء

الوجه الجديد للإرهاب في عام 2019

25 يناير 2019
25 يناير 2019

جيم هوجلاند- نيويورك تايمز -
ترجمة: قاسم مكي -

الطريقة التي يفكر بها الغرب في إرهاب الأصوليين الإسلاميين صارت بالية وخطرة. لقد ركز المسؤولون الغربيون لعقود عديدة على الهجمات التي يشنها الشرق أوسطيون. لكن الشرق البعيد هو مصدر التهديد الحقيقي والمتزايد اليوم. فالحركيون في بلدان الاتحاد السوفييتي السابقة وما وراءها والذين كانت لديهم مظالم محلية في معظمها يوجهون اهتمامهم الآن نحو الغرب. وسيشكل هؤلاء الخطر الذي ينبغي الالتفات إليه في عام 2019.

إن تهديد الإرهابيين في الشرق الأوسط يتقلص منذ بعض الوقت. وحتى أثناء الحرب ضد داعش كان الناطقون بالروسية من البلدان السوفييتية السابقة يشنون العديد من الهجمات الكبرى في الغرب. من بينها هجمات الذئاب المنفردة البسيطة نسبيا مثل الهجمات على المارة في نيويورك وستوكهولم (كلتيهما بواسطة أوزبكيين). لكن أيضا عمليات أكثر تعقيدا مثل التفجير الانتحاري عام 2016 في مطار إسطنبول والذي قيل أن منفذه مواطن روسي والهجوم الذي قاده أوزبكي عام 2017 على ملهى ليلي في نفس المدينة.

هنالك عدة أسباب للتصاعد النسبي في وتيرة الإرهاب المعادي للغرب والقادم من عالم ما بعد الاتحاد السوفييتي.

فأولا في الأعوام القليلة الماضية كان المتشددون الشرق أوسطيون أكثر انشغالا بالصراعات المحلية في العراق وسوريا واليمن. كما تلاشت جاذبية داعش بعد هزيمتها الكاملة تقريبا في العراق وسوريا. وفي نفس الوقت حولت الحروب في الشرق الأوسط الحركيين من المناطق المتحدثة باللغة الروسية الذين ركزوا في السابق على محاربة القهر الحكومي في الداخل إلى إرهابيين دوليين. فبحلول عام 2017 ذهب حوالي 8500 محارب على الأقل من الجمهوريات السوفييتية السابقة إلى سوريا والعراق للانضمام إلى داعش. أتاحت تلك التجربة لهؤلاء فرصة القتال لأول مرة ضد قوات الولايات المتحدة والناتو وجعلتهم يتطلعون إلى الانتقام وأقنعتهم بأن العمليات في المستقبل يجب أن توجه نحو الغرب. فمثلا أحمد شاتايف الذي قيل أنه دبر الهجوم على مطار إسطنبول يظهر أنه فكر لأول مرة في مهاجمة أهداف غربية عندما كان يقاتل في العراق وسوريا.

وكشفت محادثة تسربت في العام الماضي بين شاتاييف وإرهابي آخر يتحدث اللغة الروسية اسمه إسلام عطابييف أن الرجلين كانا يخططان لجمع معلومات استخبارية عن عدة قنصليات أمريكية ومطاعم يرتادها الأمريكيون في تركيا وجورجيا.

نفس هذه الدينامية تحدث بعيدا باتجاه الشرق حيث يتاح للأصوليين المسلحين من عالم ما بعد السوفييت والذين عركتهم الحرب السفر بسهولة أكثر من العرب من حملة الجوازات العراقية أو السورية أو اليمنية. ومع تزايد اضطهاد المسلمين في آسيا كذلك تتزايد فرص تحول المظالم المحلية إلى عالمية.

عندما كنت في بنغلاديش في يوليو الماضي صادفت على الأقل جماعتين منفصلتين من القوقاز تقدمان مساعدات بدوافع دينية في معسكرات لاجئي الروهنجا المسلمين. وذكر زعيم جماعة تتحدث الروسية ومرتبطة بحركيين في سوريا أنه أيضا يرتب لإرسال بعض أعوانه إلى بنغلاديش. يمكن لمثل هذا الاحتكاك تعزيز قدرات الأصوليين المحليين الذين ينفذون سلفا عمليات معادية للغرب في المنطقة بما في ذلك أولئك الذين اقتحموا في عام 2016 مخبزا في دكا يرتاده الأجانب. وقد ينجح في إقناع المزيد من الروهنجا بفكرة أنهم منخرطون في صراع عالمي لخدمة الإسلام وليس فقط في قتال محلي من أجل البقاء. وفي الأعوام القادمة سيزداد التهديد الإرهابي من روسيا وما وراءها. فمع سقوط داعش تمكن الإرهابيون الناطقون بالروسية من الفرار من العراق وسوريا بسهولة أكبر من المسلحين الأجانب الشرق أوسطيين. وهم الآن مختفون في المجال الجغرافي السوفييتي السابق أو في أوروبا. وبعد نجاحهم في الفرار من قبضة الجيش الأمريكي قد يجدون أن تنفيذ خططهم أيسر. وسيساعدهم التعاطف المحلي في ذلك. فقد جعل الإهمال والقهر المسلمين المتدينين في كازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان أهدافا جذابة للأصوليين الباحثين عن مجندين جدد. ومع تغير مركز الإرهاب سيتعين على الولايات المتحدة وحلفائها تحديث استراتيجياتهم لمحاربته. فخلال العقدين الماضيين أنشأت واشنطن بيروقراطية ضخمة لمكافحة الإرهاب الشرق الأوسطي. وضخت ملأيينا لا حصر لها من الدولارات لإيجاد وتدريب باحثين ومحللين ناطقين باللغة العربية. وحسب بيانات من برنامج حكومي أمريكي فائق الأهمية يقدم منحا لتعليم اللغات فإن من بين 550 طالبا جامعيا من المقرر قبولهم في العام الحالي سيدرس 105 منهم اللغة العربية و60 طالبا فقط اللغة الروسية.

ووفقا للأساتذة الذين تحدثت إليهم من مدارس السياسات الكبرى مثل مدرسة هارفارد كنيدي ومدرسة جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة ومدرسة بوش للحكم والخدمة العامة بجامعة تكساس أيه آند أم لاتزال الأغلبية الغالبة من الطلاب الجامعيين الذين يخططون للعمل في مكافحة الإرهاب في الصفوف الأولى بشعب الدراسات الشرق أوسطية أو اللغة العربية. كما توجد أيضا ندرة في الخبراء الذين تخصصوا في آسيا الوسطى وفي مقدورهم تدريس جيل جديد من المحللين.

وسينطوي تحول وجهة اهتمام الغرب فيما يخص مصدر الإرهاب على تحديات سياسية أيضا. إذ سيلزم الولايات المتحدة البحث عن طريقة للتعاون مع روسيا وجيرانها. فخلال الأعوام القليلة الماضية مثلا أجادت الشركات الأمريكية عملية حذف الدعاية المتشددة من منصات التواصل الاجتماعي المتمركزة في الولايات المتحدة لكن نفس هذه الدعاية لا تزال متاحة على نطاق واسع على تطبيقات اللغة الروسية مثل (في كيه) وأيضا (أو كيه) في البلدان السوفييتية السابقة. كذلك صار تطبيق تليجرام الذي أسسه مواطن روسي أداة اتصال كبرى للإرهابيين من كل الخلفيات. واكتشف أن الهواتف الذكية التي صودرت من داعش كانت مزودة ببطاقات تشغيل من أوكرانيا. تتطلب مراقبة هذه الأنظمة وغيرها تعاونا عميقا واقتساما للمعلومات الاستخبارية مع روسيا. لكن مثل هذا التعاون لايبدو مرجحا في المستقبل القريب. فببساطة قد يكون هنالك قدر من العداء المتبادل الذي لايسمح بالتعاون الفاعل بين موسكو وواشنطن. كما توجد أيضا مشكلة نوعية المعلومات الاستخبارية. فالعديدون ممن تظهر أسماؤهم في قوائم مراقبة الإرهاب المحلي، بل حتى قوائم الإنتربول، هم في الحقيقة أعضاء في المعارضة المحلية. كما لا يتم أبدا فرز الكثيرين من الإرهابيين المعروفين.

ومعلوم جيدا أن روسيا تقدم جوازات سفر لمتشددين من منطقة القوقاز. ومنطقها في ذلك أن ترك المتشددين المحتملين يغادرون إلى الخارج أيسر من التعامل معهم في الداخل. لقد صارت المعلومات الاستخبارية من المنطقة مسيسة وتستخدم لانتهاك الحقوق الإنسانية للمتدينين أكثر من استخدامها لوقف الهجمات الإرهابية الحقيقية. وهذا ما جعل من الصعب على الولايات المتحدة معرفة ما يمكن أن تفعله بها.

لقد كان من الواجب على الغرب إدراك هذا التحول (في مصدر الإرهاب) منذ فترة طويلة. لكنه لم يفعل. ولا يعني هذا أن عليه ألا يفعل شيئا الآن. على الولايات المتحدة وحلفائها إدراك أن الهجمات المستقبلية ستأتي في الغالب من الشرق الأبعد وليس من الشرق الأوسط ولايوجد خيار آخر سوى التعاون مع روسيا وجيرانها لوقفها. وإذا فشلت الولايات المتحدة في ذلك قد تشهد قريبا أثر ذلك إما في تزايد الهجمات على أراضيها أو ظهور جماعة إرهابية جديدة من بلدان الاتحاد السوفيتي السابقة في واحدة من مناطق الحرب العديدة حول العالم .