1099289
1099289
إشراقات

د. ماجد الكندي: ترك الأيدي العاملة دون متابعة لا يجوز.. والنصح لها أمر واجب

10 يناير 2019
10 يناير 2019

التزام عاملة المنزل بالآداب الشرعية يدفع بالأبناء إلى الصلاح والتربية الحسنة -

سدّ ذرائع الفساد أصل أصيل من أصول الشريعة الإسلامية -

متابعة : سالم بن حمدان الحسيني -

نبّه فضيلة الشيخ الدكتور ماجد بن محمد الكندي أمين فتوى بمكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى أن ترك الأيدي العاملة دون متابعة لا يجوز.. والنصح لها أمر واجب، حيث إن سدّ ذرائع الفساد أصل أصيل من أصول الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أن التزام العاملة بالآداب الشرعية يدفع بالأبناء إلى الصلاح والتربية الحسنة.

وأوضح أنه يجوز إعطاء العاملين من الزكاة إن كانوا فقراء مسلمين إلا أن يكون ذلك مشوبا بتحقق مصالح خاصة، مؤكدا عدم جواز تفتيش العاملة قبل مغادرتها إلا أن يكون هنالك أمر قضائي أو اتفاق مسبق بينهما، أو إلزامها بفتح أغراضها بنفسها إن كان هناك شك في أمر معين، لما في ذلك من الخصوصية التي يراعيها الشرع الحكيم. مبينا في الوقت ذاته أحقية الكفيل بفسخ العقد المبرم بينهما أو إنقاص ما اتفقا عليه من الراتب حال الإخلال بالشروط المتفق عليها.. نقرأ المزيد من هذه الأحكام الفقهية في هذا الجزء الثاني من هذه المحاضرة القيمة :

■ ■ عاملة منزل قدمت بواسطة مكتب جلب أياد عاملة سابقا، وقد أخبر الكفيل أن راتبها سيكون 120 ريالا وان لديها خبرة وتستطيع التكلم باللغة العربية وتجيد كذلك الطبخ، فلما أتت كانت لا تجيد اللغة العربية ولا تجيد الطبخ، فأخبره صاحب المكتب أن راتبها سيكون 100 ريال، فإذا أعطاها هذا المبلغ هل يكون ظالما لها بذلك؟

في هذه القضية من حق صاحب العمل أن لا يعطيها ذلك المبلغ وهو 120 ريالا، ومن حقه أن يفسخ العقد، لأن الحديث الشريف يقول: «المسلمون على شروطهم»، وهذا ليس من الشرط، فقد اشترط الكفيل بأن تكون العاملة بهذه المواصفات، فإذن من حقه أن يفسخ العقد ومن حقه أن يرضى به، وان كان من حقه أن يفسخ العقد فمعناه انه من باب أولى من حقه أن ينقص من راتب هذه العاملة، لأن رضاه هنا معتبر، والأصل في هذا التعامل أنها تطلع على هذه الشروط وأنها قادرة على الكلام باللغة العربية وأنها قادرة على الطبخ أيضا، فهي قد رضيت بذلك أنها تأخذ 120 ريالا في بلادها بهذه الشروط، فلما تبين خلاف ذلك فمعنى ذلك أنها مدلسة، وما دامت مدلسة لم تأت بالحقيقة فلتتحمل نتيجة عملها، ولا يجبر الآخرون على تحمل نتيجة عملها الخاطئ وعلى كذبها وتدليسها. مضيفا القول: أما إن كان الذي دلّس هو المكتب فهو الذي يتحمل القضية، لذلك أقول للكفيل: إن رأيت أن تتعاقد بـ100 ريال معها فلذلك من حقك، وإن رأيت أن لا تقبلها رأسا فذلك من حقك لأن العقد كما يقول أهل القانون: «شريعة المتعاقدين» ما لم يكن مخالفا للشرع، ولا خلاف للشرع في هذه القضية، بل الشرع يقول: المسلمون على شروطهم، والله أعلم.

■ ■ ما هي مسؤولية الكفيل تجاه العمال الذين يقصرون في أمور دينهم؟

  • الكفيل كما تعلمون له سلطة على العامل الذي يكون في بيته، هذه السلطة يفترض فيها أن يكون الكفيل مراعيا لهذا العامل يعلمه شأن دينه، حيث إن هناك كثيرا من العاملين لا يجيدون الاطلاع على أحكام الشرع في بلادهم، ويفترض فيهم انهم حينما يأتون إلى هذا المكان أن يتعلموا شرع الله تعالى، لكن كثيرا من أرباب العمل لا يعنيهم صلاح هؤلاء العاملين وإنما يعنيهم العمل فحسب، مبينا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده عاملون وكان يدعوهم إلى الإسلام، كما فعل مع اليهودي الذي أسلم، فكم كان هناك من الخدم الذين كانوا عنده صلى الله عليه وسلم الذين رووا الأحاديث، ومنهم من ينقل الأحكام الشرعية وهناك الكثير من الأحاديث ستجدون الراوي فيها: عن خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مبينا: أن ذلك واجب على الإنسان أن ينصح له، وأن يبين له شرع الله سبحانه وتعالى.. أولا: إن كان العامل يظهر معصية في البيت كأن تكون هنالك عاملة تتبرج في البيت بأن تظهر شعرها أو تظهر مفاتنها فانه لا يجوز للإنسان أن يقر السوء في بيته، فضلا أن تكون هذه العاملة تخرج إلى الخارج وهي ناشرة شعرها أو وهي مظهرة لزينتها.

    وأضاف: هنالك من الناس من يقول: هذه على دينها، والإسلام ما جاء بإلزامها بالحجاب ونحوه، معقبا القول: إنني الآن لا أكرهه على الإسلام لكن حينما يعمل معي في بيتي وفي شروطي الخاصة فلماذا لا أكرهه على ذلك؟! فان أراد العمل معي فهذه شروطي، مبينا: أن التقصير في هذا الجانب يعد تقصيرا في حق الله سبحانه وتعالى وفي نصح هؤلاء القوم لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، أما أن تمارس المعاصي في بيتك فهذا مما لا يجوز. لذلك عليه أن يبذل جهده في النصح، لكن قد تكون هناك أمور معينة كالصلاة مثلا، حيث إن الصلاة لا يملكها الإنسان، ولكن عليه أن يحضه عليها، لكن الأمور المادية الحسية كالحجاب مثلا ونحوه، فهذا من الواجب على الإنسان أن يلزمه بها وان لا يرضى السوء في بيته، وأيضا حتى لا يعتاد أولاده الاطلاع على العورات في البيت، وفي هذه الحالة أين ستذهب تربية الأولاد، فهو مطالب بأن يربي أولاده على الصلاح والتقوى، والله تعالى أعلم.

• يكثر بعض الناس في الحديث عن خدمهم وأخطائهم، ويدخلون في الغيبة، فما ضابط هذه المسألة؟

  • إن كان ذلك ذكرا للعيوب وان كان تنقيصا لهؤلاء بأعيانهم فإنه لا يجوز، بل ذلك من الغيبة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، قال: أريت لو كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته، وان لم يكن فيه ما تقول فقد بهته». فكل ما يكرهه الآخر فهو غيبة ولو كان فيه ذلك لا يجوز للإنسان أن يذكر فيها الآخرين إلا إن كان الإنسان متظلما عند جهة يمكنها أن تعينه، أو أن كان الإنسان طالبا لنصح عند من يمكن أن ينصح لهذا الإنسان لا أن يتفكه في المجالس بمثل أخبار هؤلاء خاصة أن كانوا معينين، ينوي أو يقصد فلانا بعينه، هذه كله لا يصح، بل هو من الغيبة، والله تعالى أعلم.

■ ■ عندنا عاملة اضطرت للسفر، هل يصح أن نعطيها من الزكاة؟ وفي المنطقة أيضا عامل سرقت أمواله قبل سفره، هل يصح أن نعطيه من زكاة المال؟

  • إن كان هؤلاء العاملون مسلمين، وكانوا فقراء حقا، فلا حرج، لكن علينا أن ننظر إلى أمر، هنالك كثير ممن يريدون إخراج الزكاة، يخرجونها للعاملين لديهم، وهذا الإخراج يكون مشوبا بتحقيق مصالح خاصة لأرباب العمل، فالزيادة التي تعطى في نهاية السنة وهي ما يعرف بـ«البونص» هذه الزيادة التي تعطى العامل قد تجعله يعمل اكثر وأكثر، هذا الأمر واقع ترونه، مبينا: أن هذه الزيادة يفترض أن تكون من حر مال الإنسان، لكن بعض الناس حتى يضرب عصفورين بحجر واحد يقول هي فقيرة وأعطيها من الزكاة لأجل أن يتضاعف جهدها ولأجل أن تبقى معي، فمثل هذه النية لا يصح، لأن الأصل في الزكاة ألا يجلب الإنسان بها مصلحة لنفسه، بل يحقق بها المقتضى الشرعي وهو التعبد لله بإخراج هذا المال، فهذا هو الأصل فيها وهذا هو الواجب، فان كان هذا الحال مع هذا العامل انه يعطى من الزكاة لأجل أن يرجع مرة ثانية لأنه ذهب، أو لغير ذلك، فهذا لا يجوز، أما إن كان يعطى إياها لكونه فقيرا وهو في الوقت نفسه مسلم فإنه لا حرج بإذن الله، وهكذا العامل الذي سرقت أمواله قبل سفره، نعم له أن يعطى من زكاة المال مادام هذا العامل فقيرا ويعطى بسبب انه غارم يمكن أن يعطى من الزكاة، ولا حرج في ذلك، والله أعلم.

■ ■ ما هو حكم فتح مشروع استثماري في جلب الأيدي العاملة؟

ذلك مبني على هذه الأيدي التي يأتي بها، فإن كانت الأيدي التي يأتي بها لا تتعارض مع الشرع في شيء، بل في الدائرة الشرعية المباحة فإنه لا حرج عليه بإذن الله سبحانه وتعالى في فتح هذا المشروع، أما إن كان يأتي بها والعياذ بالله كما ترون الآن الذين يسيّبون كثيرا من العاملين يعيثون في الأرض فسادا يتاجرون بالمخدرات أو يتاجرون بالممارسات المخلة بالأدب وبالأخلاق التي تتعارض مع قيمنا ومبادئنا فهذا كله لا يجوز، ليس بسبب العامل وإنما بسبب النشاط الذي يتحقق بعد ذلك، مبينا: أن الإنسان عليه أن لا يغمض عينيه يقول: عليّ أن آتي بهم، وأنا لا أعلم بممارساتهم، فسد ذرائع الفساد أصل أصيل من أصول الشريعة، فلا يجوز له أن يكون معينا لهؤلاء، والله تعالى أعلم.

■ ■ عندنا عاملة انتابتنا شكوك في بعض تصرفاتها، فهل يصح لنا تفتيش أغراضها الخاصة لأننا نخشى أن تتعامل ببعض أمور الشعوذة والسحر؟

  • الأمر إن كان متفقا عليه من قبل وهناك توافق بينهم على انه عندما نجد كذا وكذا من الأعمال فإننا نفتش أغراضك في حضرتك، وحصل توافق بينهم على هذا الحال، فلا حرج بإذن الله تعالى مع هذا الشرط، أما إن كان هذا الشرط غير موجود وأرادوا أن يفتشوا أغراضها فهذا لا يصح لهم إن كان دون علمها، لكن يصح لهم أن يلزموها بأن تفتح أغراضها أمامهم وان تريهم ذلك، أما أن يفتحوها بأنفسهم فذلك مما لا يجوز لأنه خاص بها، وفي مثل هذه الأحوال لا يصح فتحها، إلا أن تكون هناك جهة تحكم بين الطرفين، أو يكون هناك إذن قضائي، أما ما عدا ذلك يخشى أن يكون من التجسس المحرم الممنوع، فتفتيش أغراضها الخاصة قد يكون له فيه شيء من الخصوصيات فان شك في الأمر فعليه أن يشرط أولا، أثناء الاتفاق أننا سنفعل كذا بعلمك حينما يكون هنالك شك، فهذا لا حرج فيه بإذن الله، أما أن يفتشونها دون علمها فذلك مما لا يصح، إلا أن يكون هنالك توافق وتراض. والله تعالى أعلم.