أفكار وآراء

الموازنة المالية للسلطنة لعام 2019

05 يناير 2019
05 يناير 2019

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -
[email protected] -

لا يختلف اثنان على أن البنود الثلاثة الرئيسية في أية موازنة مالية للدول تشمل الإيرادات والمصروفات والعجز. ووفقًا للموازنة الجديدة للسلطنة التي صدرت وفق المرسوم السلطاني السامي رقم 1/‏‏2019 لهذا العام، فإن الإيرادات المقدرة للبلاد تبلغ نحو 10.1 مليار ريال عماني، فيما تقدّر النفقات العامة بنحو 12.9 مليار ريال عماني، أما العجز المتوقع لهذا العام فيبلغ 2.8 مليار ريال عماني.

تهدف هذه الموازنة كسابقاتها إلى إيجاد استقرار للمستويات المعيشية للمواطنين، بجانب الاستمرار في تحفيز النمو الاقتصادي والاجتماعي، وضمان الاستدامة المالية للدولة، وانتهاج سياسة ترشيد الإنفاق في ضوء تراجع أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، مع العمل على تفادي أية تبعات اقتصادية أو اجتماعية يمكن أن ينتج عن تنفيذ تلك السياسات. والجميع يأمل بأن تكون الموازنة قادرة على تلبية تطلعات وآمال المواطنين والمؤسسات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية في الدولة خلال العام.

لقد اعتادت السلطنة على تحقيق الإدارة المالية الحكيمة للموازنة في إطار التحديات الناجمة عن تراجع أسعار النفط منذ حوالي أربع سنوات مضت، حيث تمثل الأولوية في السعي للحفاظ على عجز الميزانية عند أقل من 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وتعتمد الميزانية الجديدة لعام 2019 على سعر النفط مقدر بواقع 58 دولارا للبرميل، وعلى متوسط إنتاج 970 ألف برميل يوميا. وقد تحتاج الحكومة إلى إعادة النظر في اتخاذ مزيد من الإجراءات للسيطرة على العجز. ونظرا لتقلب أسعار النفط، فإن نجاح الحكومة في تنويع مصادر الدخل يمثل المفتاح الرئيسي من أجل تحقيق النمو، وزيادة أعداد التوظيف، بجانب الحفاظ على الدين العام عند مستويات معقولة بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

لقد أدى تقلبات أسعارالنفط في الفترة الماضية إلى اتخاذ عدة إجراءات منها الترشيد لدى المؤسسات والهيئات الحكومية بهدف الحفاظ على المصروفات الشهرية، والتقليل منها قدر الامكان بهدف الحفاظ على البنود المالية للمؤسسات، وبالتالي الاستمرار في الحفاظ على مستوى العجز. وتهدف ميزانية عام 2019 إلى تخصيص أموال كافية لمشاريع التنويع الاقتصادي وتعزيز مشاركة القطاع الخاص. كما ينصب التركيز على تحسين مناخ الاستثمار والترويج له وتعزيز شراكة القطاعين العام والخاص، بجانب تقديم الدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال تخصيص حصة من الدعم الحكومي لمشاريع هذه الكيانات، مع التركيز على تعزيز بنية التحول الإلكتروني وتسهيل الإجراءات، والعمل على فتح بوابة الاستثمار، والاستفادة من الموقع الاستراتيجي للبلاد ليصبح مركزا تجاريا عالميا في المنطقة.

في موازنة العام الحالي سوف تمثل عائدات النفط والغاز 74٪ من إجمالي إيرادات الدولة، حيث من المتوقع أن تزيد عائدات النفط والغاز بنسبة 10٪ مقارنة بميزانية 2018، مع التزام السلطنة بخفض إنتاج النفط تمشيا مع قرارات منظمة أوبك لخفض الإنتاج، فيما من المتوقع أن تشهد السلطنة زيادة في الإيرادات النفطية من مشروع حقل خزان للغاز خلال الفترة المقبلة.

وبالنسبة للإيرادات غير النفطية فسوف تصل الى 26% من إجمالي العائدات الحكومية، حيث من المتوقع أن تبلغ 2.65 مليار ريال عماني وبنسبة انخفاض قدرها 2٪ مقارنة مع إيرادات 2018. أما الإيرادات المتوقعة من الضرائب فسوف تبلغ 500 مليون ريال عماني في عام 2019- وهي مماثلة لـ ميزانية عام 2018، فيما يوجد الآن بند جديد بعنوان «ضريبة الدخل المحلي» المدرج تحت عنوان الضرائب والرسوم، حيث يقدّر بنحو 100 مليون ريال عماني في بند الميزانية. ومن المحتمل أن يكون هذا مرتبطًا بالضريبة المقترحة على السلع الانتقائية.

وتواصل الحكومة التركيز على رفاه المواطن من خلال تخصيص جزء كبير من إنفاقها على مجالات التعليم والصحة والسكن والرعاية الاجتماعية، والإنفاق على الخدمات الاجتماعية الأساسية وكنسبة مئوية من الإنفاق العام الكلي لها، وتشير بيانات الميزانية الصادرة عن وزارة المالية إلى زيادة هذه النفقات عبر السنوات الماضية من 32٪ في عام 2016 إلى 39٪ في عام 2019 من إجمالي الإنفاق. كما من المتوقع أن تزيد الفائدة على القروض بنسبة 31٪ من 480 مليون ريال مدرجة في عام 2018 إلى 630 مليون ريال عماني في عام 2019، مما يدل على زيادة القروض لتمويل العجز المالي.

ومن المتوقع أن يصل عجز ميزانية 2019 إلى 2.8 مليار ريال عماني، وهو أقل بمبلغ 200 مليون ريال من ميزانية العام الماضي 2018 وأقل بمبلغ 100 مليون ريال عماني من العجز الفعلي. ومن المتوقع أن يتم تمويل العجز لعام 2019 من القروض بنسبة 86٪ والسحب من الاحتياطيات بنسبة 14٪، على غرار التمويل للعجز الفعلي لعام 2018.

وبالنسبة للإنفاق الاستثماري في ميزانية عام 2019 فهو يقدر بـنحو3.7 مليار ريال عماني منه 1.2 مليار ريال عماني مخصصة للبنية الأساسية والمشاريع مثل بناء المستشفيات وشبكات المياه والكهرباء والمدارس والسكن والطرق السريعة، والطرق والمطارات، فيما من المخطط استخدام بقية الرصيد البالغ 2.5 مليار ريال عماني من قبل الشركات المملوكة للدولة لتنفيذ المشاريع الصناعية والخدمية. وكجزء من الجهود الحكومية الرامية إلى تحقيق التنويع الاقتصادي، فان ميزانية عام 2019 يعمل على تخصيص العون للقطاعات الاقتصادية الخمسة المستهدفة من قبل البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي «تنفيذ» وهي الصناعات التحويلية، والخدمات اللوجستية، والسياحة، وقطاعات المصايد والتعدين.

وتبدي الحكومة اهتماما متواصلا بمشاركة القطاع الخاص، حيث يشير بيان ميزانية هذا العام إلى أنه لدى الحكومة دﻻلة على أهمية هذا القطاع وتوفير التمويل له، وإفساح مجال الاستثمار في المشاريع والمبادرات المقدمة، حيث تخطط الحكومة التواصل والتركيز على السياسات التي تحقق التنويع الاقتصادي من خلال تعزيز مشاركة القطاع الخاص والاستعانة بمصادر خارجية لبعض الخدمات الحكومية وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام، بجانب العمل على إصلاح التشريعات لتحسين بيئة العمل وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.

كما تتضمن ميزانية 2019 أيضًا عائدات بقيمة 120 مليون ريال عماني من بيع الاستثمارات المملوكة للحكومة، مما يشير إلى خطط الحكومة للمضي قدما في خصخصة بعض الكيانات وإلى تعميق السوق وزيادة سيولته وتوفير بدائل للمستثمرين وغيرها من الأهداف الأخرى. كما تهدف ميزانية 2019 الى توفير 5000 فرصة عمل في القطاع العام الذي سيتم ملؤه على أساس الحاجة، لا سيما في قطاعي التعليم والصحة. ومع ذلك تتوقع الحكومة أيضا بأن يلعب القطاع الخاص دورا أكبر في توفير فرص العمل، مع الاستمرار في الجهود الحكومية باتخاذ التدابير اللازمة الموجهة بتعزيز قدرات الباحثين عن عمل، بما في ذلك خطط لتدريب 6170 متدربا من خلال صندوق التدريب الوطني.

وضمن الموازنة سيتم العمل بفرض ضريبة على سلع معينة تعتبر ضارة للإنسان والصحة والبيئة، فضلا عن أنها تدخل في إطار بعض السلع الفاخرة، كالضريبة المتوقع فرضها على الكحول ومنتجات التبغ والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة ومنتجات لحوم الخنزير وغيرها، حيث من المتوقع أن يكون معدل الضريبة ما بين 50٪ أو 100٪ على أساس طبيعة البضاعة، وهذا ما يتم العمل به أيضا في بقية دول مجلس التعاون الخليجي. أما ضريبة القيمة المضافة فإن ميزانية عام 2019 لا تشير إلى فرض هذه الضريبة، والتي هي الآن قد تم تنفيذها في بعض دول مجلس التعاون الخليجي. وكان من المقرر في الأصل أن يتم العمل بهذه الضريبة بالتزامن مع جميع الدول الست. أما السلطنة فإنها بصدد العمل بهذا الضريبة وتنفيذها بعد شهر سبتمبر من العام الحالي، أو في بداية شهر يناير 2020. كما يشير بيان الميزانية إلى الإيرادات المتوقع الحصول عليها من ضريبة الإنتاج وبناء القدرات من أجل الإصلاحات الضريبية الأخرى، وهو خطوة سيتم تنفيذها مستقبلا، حيث إن لمثل هذه الضرائب في بعض من الأحيان تأثيرا فوريا على سلوك المستهلك. ولكن لا بد للمؤسسات بضرورة التخطيط مبكرا لمثل هذه السياسات لأن ذلك ربما ستخلق أحيانا اضطرابا في العمل، وتؤدي إلى التسرب الضريبي وبالتالي إلى فرض العقوبات الإدارية على المخالفين.