الملف السياسي

في 2019.. الشرق الأوسط الحائر بين الاستقرار والاضطراب

31 ديسمبر 2018
31 ديسمبر 2018

د.أحمد سيد أحمد -

أما اليمن فقد شهدت نهاية عام 2018 اتفاق السويد وقرار مجلس الأمن 2254 بشأن التهدئة في مدينة الحديدة وفتح موانئها وسحب القوات العسكرية منها، وتراجعت حدة العنف بشكل كبير خاصة في ظل تفاقم المعاناة الإنسانية.

طوى عام 2018 على منطقة الشرق الأوسط بجراحها وصراعاتها وأزماتها، حيث سيطرت حالة اللااستقرار واللااضطراب على العديد من دوله، فقد تراجعت حدة العنف والصراع بشكل كبير خلال هذا العام، كما حدث في سوريا بعد اندحار تنظيم داعش بشكل كبير وتحرير معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا ولم يعد موجودا سوى في جيوب قليلة مثل بلدة هجين بسوريا، وخلاياه النائمة في العراق وسوريا والتي تقوم بأعمال تفجيرية ما بين الحين والأخر، في المقابل انخفضت حدة الصراع في سوريا بعد نجاح الجيش السوري في تحرير معظم الأراضي السورية، لكن ظل المسار السياسي غامضا، ولم تفلح جولات أستانة ولا جنيف في التوصل إلى حل سياسي دائم ينهى بشكل كامل فصول هذه الأزمة التي استمرت لسنوات طويلة كان الخاسر الأكبر فيها الشعب السوري من ملايين القتلى والجرحى واللاجئين والمهاجرين في الداخل والخارج، كما لا زالت سوريا ساحة لتصارع الأجندات بين الدول الكبرى والإقليمية، وبعد قرار الرئيس ترامب الانسحاب العسكري من سوريا مع نهاية عام 2018، يظل المشهد السوري مفتوحا في 2019 لكل الاحتمالات نظرا للتداعيات المترتبة على هذا الانسحاب، حيث ستسعى العديد من القوى الأخرى المنخرطة في الأزمة السورية إلى محاولة ملء الفراغ الأمريكي، سواء كانت روسيا أو تركيا أو إيران أو فرنسا وغيرها، مما يعنى أننا سنشهد في عام 2019 المزيد من الاستقطابات والصراعات السياسية خاصة مع التوجه التركي نحو التوسع في مناطق شمال شرق سوريا لمحاربة قوات الحماية الكردية، عصب قوات سوريا الديمقراطية، التي تصنفها كمنظمة إرهابية وتربطها صلات بحزب العمال الكردستاني.

ورغم هذه الضبابية على المشهد السوري فإن المؤشرات تشير إلى التركيز على الجانب الإنساني ومحاولة روسيا لعب دور أكبر على المسار السياسي وكتابة دستور جديد والتمهيد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، لكن المعضلة الأكبر التي ستستمر في عام 2019 هي استمرار معاناة اللاجئين السوريين في الخارج الذين يتجاوز عددهم ثمانية ملايين شخص، ورغم عودة مئات الآلاف منهم بعد انتصارات الجيش السوري وإنشاء مناطق خفض التصعيد، إلا أن إعادتهم بالكامل سوف تستغرق سنوات، خاصة في ظل الحاجة إلى أموال ضخمة تصل إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار في المناطق التي طالها التدمير وهو أمر أيضا من الصعب توفيره على الأقل في المدى القصير.

العراق رغم التحديات والعقبات التي واجهها خلال العام الماضي وأبرزها تعثر تشكيل حكومة لعدة أشهر بعد إجراء الانتخابات. وبعد تغلبه على تحدي داعش وتحرير الأراضي التي سيطر عليها وبعد تجاوزه تحدي استفتاء استقلال كردستان، دخل في دوامة المشكلات والأزمات الاقتصادية العاصفة ونقص الخدمات الأساسية من مياه نظيفة وكهرباء وارتفاع معدلات البطالة، التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات الشعبية أكثر من مرة في العديد من المدن العراقية خاصة البصرة، ورغم تجاوز إشكالية تشكيل الحكومة واختيار المناصب السياسية الكبرى، إلا أن المشكلة الأساسية في العراق ما زالت مستمرة وهى المحاصصة الطائفية التي ترتكز عليها العملية السياسية، ولذلك فإن عام 2019 سوف يشهد حالة من الاستقرار السياسي والأمني في العراق، لكن يظل عدم الاستقرار الاقتصادي هو المسيطر خاصة في ظل الحاجة إلى أموال طائلة لإعادة الإعمار وحل المشكلات الاقتصادية، وانخفاض أسعار النفط وانتشار الفساد الإداري والسياسي.

أما اليمن فقد شهدت نهاية عام 2018 اتفاق السويد وقرار مجلس الأمن 2254 بشأن التهدئة في مدينة الحديدة وفتح موانئها وسحب القوات العسكرية منها، وتراجعت حدة العنف بشكل كبير خاصة في ظل تفاقم المعاناة الإنسانية، لكن تظل الأزمة اليمنية مستمرة بحالتها في عام 2019 في ظل عدم وجود حل سياسي شامل ينهي الأزمة بشكل كامل، وسيكون التركيز في هذا العام الجديد على تثبيتاتفاق التهدئة، رغم الانتهاكات التي يتعرض لها ما بين الحين والآخر، وإعطاء الأولوية الأساسية لتخفيف معاناة الشعب اليمني الأساسية حيث يوجد أكثر من ثمانية ملايين شخص مهددين بالمجاعة. لكن من المؤشرات الإيجابية في الأزمة اليمنية هو تركيز المجتمع الدولي عليها والعمل على تخفيف المعاناة الإنسانية، لكن يظل مستقبل الأزمة بمدى القدرة على التوصل إلى اتفاق سياسي شامل.

في ليبيا تظل حالة الشد والجذب أيضا مسيطرة على المشهد، فرغم التطورات الإيجابية التي شهدها عام 2018 وأبرزها انعقاد مؤتمري باريس وروما والتي جمعت أطراف الصراع الرئيسية، اللواء خليفة حفتر في الشرق، ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج في الغرب، والاتفاق على عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية في ربيع 2019 تحت إشراف الأمم المتحدة وبرعاية مبعوثها الدكتور غسان سلامة، لحل القضايا العالقة المتعلقة بالدستور وإجراء الانتخابات، إلا أن حالة الانقسام ما تزال مسيطرة، ما بين برلمانيين وحكومتين في الشرق والغرب، وما تزال ظاهرة المليشيات المسلحة التي تسيطر على مناطق واسعة في ليبيا، كما تظل ليبيا مثل سوريا ساحة لتصارع النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية خاصة بين فرنسا وإيطاليا، ولا توجد أية مؤشرات عملية على إنهاء تلك الأزمة بشكل كامل في عام 2019، وإنهاء حالة الانقسام وتوحيد المؤسسات الأمنية والسياسية في البلاد، ويظل الحل في ليبيا بأيدي الليبيين أنفسهم أولا وأخيرا ومرهونا بمدى قدرتهم على تجاوز حالة الانقسام وإجراء المصالحة الوطنية وإعادة بناء ليبيا وتوظيف مواردها الغنية من النفط والغاز في إعادة الإعمار وتحقيق التنمية، كذلك مواجهة خطر الإرهاب ومنع تنظيم داعش من إيجاد حاضنة جديدة له في البلاد بعد هزيمته في سوريا والعراق. ولذا الأزمات العربية في ليبيا سوريا واليمن، رغم تراجع حدة العنف والصراع نسبيا في عام 2018، إلا أن الضبابية السياسية ستظل هي السائدة على المشهد في عام 2019.

تحديات منطقة الشرق الأوسط الأخرى والتي تمثل عامل عدم استقرار عديدة، أبرزها الإرهاب، فرغم اندحاره بشكل كبير في العراق وسوريا بعد هزيمة تنظيم داعش، إلا أنه سيظل خطرا محتملا في المنطقة في ظل وجود العديد من الخلايا النائمة وفي ظل استمرار ظاهرة الذئاب المنفردة التي تقوم بعمليات إرهابية ما بين الحين والآخر.

المناوشات بين حزب الله وإسرائيل والتصعيد على الحدود اللبنانية يظل أيضا أحد عوامل عدم الاستقرار في العام الجديد، كذلك التوتر بين حماس وإسرائيل، إضافة إلى التوتر بين الولايات المتحدة وإيران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، كذلك صراع النفوذ بين أمريكا وروسيا في المنطقة، تظل كلها عوامل لعدم الاستقرار والاضطراب في المنطقة في العام الجديد.

القضية الفلسطينية تظل هي أم القضايا في المنطقة، ورغم أن عام 2018 لم يشهد حدوث اختراق في إحياء عملية السلام المجمدة منذ سنوات، إلا أن طرح الولايات المتحدة لخطة سلام جديدة أطلق عليها صفقة القرن، ستكون محل جدل شديد في العام الجديد في ظل المعارضة الكبيرة لها من جانب الفلسطينيين خاصة بعد القرارات الانفرادية التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في عام 2018 وهى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وقرار وقف التمويل الأمريكي لوكالة الأونروا وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ومن المستبعد أن يشهد العام الجديد حدوث تقدم جذري على صعيد عملية السلام في ظل انشغال إسرائيل بالانتخابات البرلمانية المبكرة في أبريل وتشكيل حكومة جديدة، إضافة إلى استمرار حالة الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس.

وبالتالي تظل حالة اللااستقرار واللااضطراب هي المسيطرة على المشهد في منطقة الشرق الأوسط خلال عام 2019، حيث تظل الأزمات والمشكلات مفتوحة ولا توجد نهاية واضحة في الأفق لتسويتها وإنهائها.