1081518
1081518
إشراقات

خطبة الجمعة: السرعة الجنونية أهم الأسباب في وقوع الإصابات الخطيرة

20 ديسمبر 2018
20 ديسمبر 2018

أرواح المسلمين وأجسادهم أمانة يجب الحفاظ عليها -

تطرق خطبة الجمعة لهذا اليوم موضوع السرعة الجنونية وما تسببه من الوقوع في الإصابات الخطيرة، التي ربما تقعد أصحابها عن الحراك، فيصبحون من ذوي الإعاقة الدائمة، حيث إن أرواح المسلمين وأجسادهم أمانة وجب الحفاظ عليها، مشيرا إلى أن الإسلام الحنيف أبرز دور أصحاب الإعاقة في تنمية المجـتمع ورقيه، وأن الأخذ بأيدي أصحاب الإعاقات ورفع معـنوياتهم ضرورة ملحة لدوام اللحمة في المجـتمع.. وهنا نص الخطبة كاملا تحت عنوان: «هم لبنة المجتمع».

الحمد لله الذي خلقنا في أحسن تقويم، وأكرمنا بتعاليم دينه القويم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، جعل عباده مسخرين لبعضهم، وأمرهم بالتعاون فيما بينهم، ورغـبهم في خدمة الضعفاء منهم، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين في دعوته، أرسله الله رأفة ورحمة بأمـته، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الأخيار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم القرار.

أما بعد، فيا أيها المؤمنون: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، واعـلموا- رحمني الله وإياكم-، أن الله جل وعلا قد خلق البشر فأكرمهم وأحسن صورهم، وفضـلهم على كثير ممن خلق من غيرهم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، وقد اهـتم الإسلام بهذا الإنسان غاية الاهـتمام، فجعل له حقوقا وواجبات، وأمره بحسن التعامل مع إخوانه، ووجهه بأن يعطي كل ذي حق حقه، فهو معهم يشكل مجـتمعا واحدا لا يتجزأ بتنوع شرائحه، ولا ينقسم بتعدد أحوال أفراده، فهم جميعا كالجسد الواحد، «إذا اشـتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، ومن شرائح المجـتمع الذين هم جزء منه ذوو الإعاقة، فهم وإن كان الواحد منهم يعاني شيئا من الصعوبات في جسده إلا أن الله تعالى قد كرمهم كما كرم غيرهم، وأعزهم وأعـلى بين الناس شأنهم، فها هو ذا ربنا جل جلاله يعاتب حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ عبس في وجه ابن أم مكتوم –رضي الله عنه– فقال تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى)، فليس ما هو فيه من عدم القدرة على النظر مسوغا لإهـمال رأيه، أو العبوس في وجهه، وهذا تعـليم للأمة كلها في إعطاء أصحاب هذه الفئة حقهم، وصون منزلتهم. ومن رأفة الله تعالى وكرمه لذوي الإعاقة أن رفع عنهم الحرج في بعض العبادات الواجبة تخفيفا عنهم، ورعاية لحالهم، ولذا فإنه جل وعلا يقول: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا).

أيها المؤمنون:

إن الإسلام الحنيف أبرز دور أصحاب الإعاقة في تنمية المجـتمع ورقيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد جعل لهم في خدمة الدين نصيبا رائدا، فأسسوا للإسلام بما قدموه عزا ماجدا، فقد أرسل صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن قاضيا وواليا، وكان -رضي الله عنه- به إعاقة في رجـله، فغدا للمسـلمين هنالك قدوة للخير، وموجها ومعلما آخذا بهم بعيدا عن كل شر، وكذا اسـتخلف النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن أم مكـتوم -رضي الله عنه- مؤذنا وإماما للمصلين في غيبته صلى الله عليه وسلم عن المدينة، وغيرهم من القدوات الناصعة الذين أنجزوا أعمالهم التي وكلت إليهم، وأسهموا في رسم معالم الحضارة لأمـتهم، ولم يقصروا في خدمة مجـتمعهم، ولذا فإن إشراك هذه الفئة في خدمة المجـتمع له أسس محمدية، ومناهج ربانية، فهم قادرون على العطاء، يسـتمدون عزمهم من الله مقتدين بأسلافهم العظماء، فخذوا بأيديهم للمشاركة في البناء، ولا تقفوا أمام طموحاتهم كالصخرة نحو التقدم والنماء.

أيها المسـلمون:

إن الأخذ بأيدي أصحاب الإعاقات ورفع معـنوياتهم ضرورة ملحة لدوام اللحمة في المجـتمع، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه الجامع: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»، فأي فضـل هذا، وأي خير ذلك الذي يناله من رغب نفسه في معونة محـتاج، وسخر بعض طاقاته في خدمة إخوانه المسـلمين، راجيا في ذلك الأجر من الله تعالى رب العالمين، متذكرا (إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ). وفي المقابل -رعاكم الله- وجب التنبيه أن الاسـتهزاء والسخرية من ذوي الإعاقة فيه خطر عظيم، وينطوي على شر جسيم، فقد قال صلى الله عليه وسلم في من تعمد تضـليل من لا يبصر الطريق إلى غيرها: «ملعون من كمه أعمى عن طريق» أي أضله. وقد سخر قوم من نحول ساق عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه – فنهرهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد»، ولقد جاء القرآن الكريم منبها حتى لا يقع الناس في مغبة هذا الداء العضال، فنهى عن السخرية على كل حال، فقال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ)، ومن سخر من إخوانه فقد سخر ممن صور وخلق، ووزع أعطياته على الخلق، (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

عباد الله:

إن من ابـتلي بعاهة من العاهات، أو إعاقة من الإعاقات، لديه فسحة للفوز بجنة الله تعالى من باب الصبر والاحـتساب، فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو صرعا يصيبها فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي، قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك»، فقالت: أصبر، ثم قالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها. وقد قال ربنا سبحانه بعد آيات تحدث فيها عن الصبر والصابرين: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)، فالرضا بقضاء الله تعالى، واليقين بأنه سبحانه ما أصاب بالمصائب إلا زيادة للحسنات، أو رفعا للدرجات، أو حطا للأوزار المهلكات، يجعل الإنسان قريبا من الله رب الأرض والسماوات، وعندها ييسر الله تعالى له إلى الخير طريقه، ويوفيه تعالى أجره دون مشقة (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، وقد شرع رسولنا الكريم لمن رأى مبـتلى أن يحمد الله تعالى أن عافاه من البلاء، وفي ذلك ذكر لله تعالى الذي بيده مقاليد الأمور، واعـتراف له تعالى بالقدرة المطلقة على خلقه، يعطي من يشاء ويمنع عمن يشاء وإليه يرجع الأمر كله.

فاتقوا الله -عباد الله-، وراقبوا أفعالكم وأقوالكم عند المبتـلين من إخوانكم، وكونوا لهم عونا ترضوا بذلك ربكم، وتسعدوا يوم لقائه بتوفيقه لكم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.


الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فيا عباد الله:

اعـلموا أن من أسباب الوقوع في الإصابات الخطيرة، التي ربما تقعد أصحابها عن الحراك، فيصبحون من ذوي الإعاقة الدائمة، السرعة الجنونية، نعم والله؛ فكم تسببت الحوادث الناجمة عنها من آلام، وكم حرمت الواقعين فيها من لذة القيام، فأصبحوا على سرير أو كرسي على الدوام، وقد أمر الله تعالى الإنسان بالإحسان، ونهاه أن يلقي نفسه إلى التهـلكة، فقال جل وعلا: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وعلى المسـلم أن يعـلم أن أرواح المسلمين وأجسادهم أمانة وجب عليه الحفاظ عليها وهو يمسك بمقود سيارته، فمثل قائد السيارة اليوم كحامل النبـل والسهام، عليه أن يمسك بها كي لا يؤذي أحدا من إخوانه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مر أحدكم في مسجدنا وفي سوقنا ومعه نبـل فليمسك على نصالها أن يصيب أحدا من المسـلمين منها بشيء»، وفي هذا دليل على أهمـية أن يمسك السائق للسيارة منتبها للطريق، ومتقـيدا بقوانين السير فيه كي يحـفظ نفسه وإخوانه من كل بلاء، ويبعدهم عن العناء.

فاتقوا الله -عباد الله-، وخذوا في الطرقات حذركم، وانتبهوا عند قيادتكم لسياراتكم، تحافظوا على سلامة أجسادكم، وتغنموا بالصحة والسعادة في حياتكم.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).