abdullah
abdullah
أعمدة

نوافذ : سِفــر الحـكـمة

28 أكتوبر 2018
28 أكتوبر 2018

بقلم: عبدالله بن سالم الشعيلي  -

Twitter:@ashouily -

خلود عساف زميلة فلسطينية التقيتها في منتدى دولي يبعد عن بلدينا آلاف الأميال، حكت لي وللحاضرين عن رحلتها المضنية للخروج من بيتها في مدينة رام الله إلى مدينة عمّان الأردنية أولا ومنها إلى تلك المدينة القصية من العالم ثانيا، وصفت لنا رحلتها التي استمرت يومين كاملين ليس بسبب طول المسافة وإنما بسبب المعابر الإسرائيلية وتعقيد إجراءات الخروج والتفتيش وغيرها من الإجراءات الأمنية التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي على دخول وخروج الفلسطينيين من وإلى فلسطين.

خلود سردت لنا تجربتها في العبور وهي تتنهد بتنهيدة خرجت من أعماق جوفها ولسان حالها يقول لنا بأنكم لن تدركوا أو تشعروا بما يعانيه الفلسطينيون كل يوم فمعاناتهم لا تقتصر على التنقل والعبور والمنع من السفر فهذا أمر سهل إذا ما قورن بالمعاناة الأكبر المتمثلة في هدم البيوت والحرمان من التعليم والصحة وتوفير الماء الصالح للشرب وانقطاع الكهرباء وقلة الفرص الوظيفية فضلا عن الاعتقالات والحرب اليومية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشباب الفلسطيني المسالم والمقاوم.

من يستشعر هذه المعاناة التي دامت سبعين عاما عانى خلالها الفلسطينيون من ويلات الحروب والتشرد والفقر والتمييز لا بد له من البحث عن بصيص أمل وإن كان بسيطا للخروج من هذا النفق الطويل المأزوم بالكوارث والتضحيات وأن يحاول بما أوتي من قوة إرجاع بعض الحقوق لأصحابها وهذا لن يتأتى إلا إن عاش الفلسطينيون في سلام دائم أولا بينهم وبين أنفسهم، وثانيا بينهم وبين من احتلهم، فلغة الحروب التي جرَّبها العرب على مر تاريخهم الطويل لم ولن تجدي نفعا في تحقيق سلام واستقرار وأمن واطمئنان.

بدايات هذا العام، قام الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية معالي يوسف بن علوي بن عبدالله بزيارة إلى الأراضي الفلسطينية وقف فيها بنفسه على المعاناة الفلسطينية واستمع إلى أنات الرجل البسيط في الشارع وشكوى المرأة العاملة في الحقل وحلم الشباب الحالم بمستقبل جميل لبلاده وأمل المسؤول عن ملفات التفاوض مع إاسرائيل، استمع إليهم وقلبه يخفق شوقا وحبا ولهفة للمسجد الأقصى ولإخوانه في فلسطين الذين لم ينصفهم العالم، ولم يشعر بمعاناتهم كثير من إخوانهم العرب. استمع إليهم بصدر رحب وحمل كل ما سجله قلبه وعقله إلى صاحب الأمر جلالة السلطان قابوس الذي أيقن من أول يوم له في الحكم أن التعايش بين شعوب الأرض قاطبة لن يتأتى إلا بإحلال السلام فكان هذا ديدنه في كل قضايا العالم، يحاول ما استطاع تغيير مفردات اللغة من الحرب إلى السلم، ومن الدمار إلى العمار، ومن الخراب إلى ا لبنيان، فأبى على نفسه إلا أن يقف في صف الكهل الفلسطيني في معمله والشاب في مدرسته، والأم في بيتها، والمفاوض في طاولته، وجاءت بداية الغيث بنزول محمود عباس رئيس دولة فلسطين رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى العاصمة مسقط تلاها بأيام معدودات وصول طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أيضا إلى مسقط للتباحث والتشاور مع الطرفين حول إمكانية استئناف مفاوضات السلام المتوقفة بالتوافق مع شركاء وأطراف السلام في العالم، صرح بعدها الرئيس الفلسطيني بأن عمان وسلطانها دولة حكيمة تقودها الحكمة والعقلانية وليست لها مصالح وإن استطاعت التصدي لأي مشكلة فإنها تبقى صامتة.

إنها الحكمة التي أشار إليها الرئيس عباس، ومن قبله ممن جلس على الطاولة السلطانية واستمع إلى صوت العقل والحكمة التي فهمت العالم وخبرته من خلال عمر طويل خاضت به غمار السياسة وسبرت أغوارها وعرفت معادن الناس والدول، وأيقنت أن لا بقاء ولا استمرار في الحياة إلا بالسلم والأمن والاطمئنان والتعايش، إنها الحكمة التي وصفها القرآن الكريم بأن من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا، وهي ذات الحكمة التي نقلتها إلينا أسفار العهد القديم، وهي التوراة اليهودية، حيث يتحدث الإصحاح الأول من سِفر الحكمة عن المحبة والإخاء والعدل ومحبة الرب وتلمس الخير والنية الطيبة، ويصف هذا السفر في إصحاحاته التسعة عشر الحكمة بأنها لا تلج النفس الساعية بالمكر ولا تحل في الجسد المسترق للخطيئة.

حكمة عمان لم تظهر اليوم فقط بل هي حاضرة منذ الأمد البعيد تمد اليد للصديق وتحتضن البعيد وتحاول أن تقرب بين الفرقاء لمنع الشقاق والخلاف ولا مصلحة لها في ذلك سوى إيمانها بأن الله يدفع الناس بعضهم ببعض كي تصلح الدنيا ويستقيم أمرها.