Randa-New
Randa-New
أعمدة

عطر: في البدء كانت الأم

17 أكتوبر 2018
17 أكتوبر 2018

رندة صادق -

[email protected] -

المرأة عالم واسع لا يمكن تحديد معالمه، لخصوصية كل امرأة وتفردها في صناعة الفرح والجمال، فلا توجد امرأة قبيحة، لأن الجمال نسبي إضافة الى ان لكل امرأة موجات جذب يلتقطها رجل دونا عن الجميع، لتكون هذه المرأة شريكته أو حتى حلمه الذي لم يكتمل.

هذا الكائن الذي يملك كل الصفات الناعمة بفطرته من رقة وحنان وجمال، قادر على ان يحدث انقلابا نوعيا، فتحت ملمسها الرقيقة،تسكن موجات غريبة من القسوة والتحدي والتناقضات العمودية،التي هي نفسها لا تفهمها،ولا تدرك حجم قوتها،كأنها تخرج من تحت الرماد لتنتفض وتحمي عالمها ووجودها.

هذه المرأة هي التي أنشأت المجتمع الزراعي، وساهمت في تأسيس ما نراه اليوم من مجتمعات متفاوتة التطور، لم تكن يوما ظلا أو تابعا، حتى وان ركز الإعلام على تهميشها وعدم منحها الحقوق المدنية التي تساويها بالرجل.

كانت المرأة في القرى اللبنانية على سبيل المثال عمود أساسي في إدارة العلاقات الأسرية وزرع مفاهيم “العونة“ والتكافل بين أبنائها، هذه المرأة لها كل الاحترام والتقدير فهي الى جانب عملها في الأرض، أسست لنفسها مع مثيلاتها في القرية جمعية غير موثقة قائمة على الالتزام والتضامن من أجل دعم أسرهن.

كانت المرأة في هذا المجتمع تتفق مع جاراتها على تدوير إنتاجهن فمثلا كن يجمعن الحليب كله ويمنحنه الى واحدة منهن بحسب اتفاق مسبق، وهكذا الى ان يقمن جميعهن في تأمين حاجتهن من (سمن وقريش وشنكليش، وكشك والخ.) عالم جميل يتساوى فيه الجميع، وبساطة لم تتلوث بعالم المادة الذي اكتسح الحياة الريفية وقتل قيمها.

المرأة في هذا المجتمع ،كانت تُعلم أبناءها التعاضد و تفرض بحبها على الجميع التعاون من اجل دعم بعضهم البعض.

عند بحثي عن المرأة العُمانية، وجدتها أيضا امرأة قوية وحكيمة وجميلة لم تهمش يوما بل كانت تساهم في الدورة الاقتصادية وفي دعم العلاقات الأسرية وتأسيس مجتمع يقوم على القيم والرقي في التواصل، والمرأة الفلسطينية والعراقية والسورية وكل امرأة في مجتمعنا العربي لها دورها، اذا ما الذي حدث ؟

المرأة اليوم لم تعد المرأة” الأم” بالدرجة الأولى،بل أصبحت المرأة المثقفة والحاضرة في سوق العمل الواسع،تزاحم الرجل بكفاءتها ووعيها،هذا إنجاز رائع حتما في تاريخ سوق العمل وخروجها من المجتمع البسيط الى المجتمع التنافسي المليء بالأحقاد والخوف والضغوطات، اذا ماذا حصد المجتمع الذي اعتمد عليها لقرون خلت ؟

علينا جميعا ان نعترف ان التطور العلمي رغم أهميته،سلب من الأسرة درعها الحنون والمعطاء، المرأة العاملة اليوم تعتمد على الخادمات في تربية أبنائها، هؤلاء النساء العاملات اللواتي عملن دعما لأسرهن وربما مرغمات تحت وطأت الضغط الاقتصادي، خسرن لحظات جميلة من أعمار أولادهن،حيث لم يكن شاهدات عليها،هناك تفاصيل لا يعرفنها في منازلهن، وأشياء كثيرة جميلة تسربت منهن، لأنه لا يمكن تحقيق التوازن مهما ادعينا إننا نجحنا في ذلك،الأسرة هي المجتمع وغياب الأم غياب لقوة المجتمع وصموده.

على كل امرأة، ان تفتخر بكل النساء الناجحات، اللواتي هن اليوم في أعلى المراكز،وأن تشعر بالسعادة لكل هذه الإنجازات، لكن لا تقارن أي امرأة اليوم مهما ارتفع شأنها بتلك الأم التي أمسكت بيد قوية اقتصاد بيتها، وعرفت ان الاقتصاد لا يعني استثمارات كبيرة قابلة لخسائر كبيرة،بل اكتفاء ذاتي لا يحول المجتمع الى مجتمع استهلاكي، لا يوازن بين مدخوله ومصروفه، ومع هذا تبقى الأمور تسير بحتمية تطورها، فلا يمكن عكس الزمن لإعادة تحديد ما يحتاجه المجتمع من الأفراد لا ما يحتاجه الأفراد لتحقيق ذواتهم،المعادلة بسيطة أن الأم الناجحة تساوي مجتمعا ناجحا.