أفكار وآراء

هزة سياسية في برلين قد تهدد حكومة الائتلاف الحاكم !!

28 سبتمبر 2018
28 سبتمبر 2018

سمير عواد -

حكومة الائتلاف الحاكم في ألمانيا التي تتزعمها للمرة الرابعة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في وضع لا تُحسد عليه. على الصعيد الداخلي فشل الائتلاف المسيحي- الاشتراكي حتى الآن في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اتفاقية الائتلاف، ويتعرض منذ أشهر إلى هزة بعد الأخرى، مما جعل العديد من المراقبين يؤكدون أن ميركل تحكم ولايتها الأخيرة على الأرجح. ولكن السؤال الذي بات يتبادر إلى الأذهان بعد الجدل الذي فجرته قضية رئيس البوليس السري الألماني هانس جيورج ماسن، والضغط الذي مارسه هورست زيهوفر، زعيم الاتحاد المسيحي البافاري، في اجتماعات قادة الائتلاف كي يترقى ماس عوضا عن إقالته من منصبه لولا أن عملية استقراء للرأي أنذرت أحزاب الائتلاف الحاكم أن غالبية الألمان لا يؤيدون ترقية ماسن. وتعود الخلفية إلى تجدد تصريحاته المثيرة للجدل، والتي كان آخرها التقليل من خطر النازيين الجدد في ألمانيا الشرقية ولم تكن هذه الانزلاقة الوحيدة حيث سبق أن شكك بسياسة ميركل المؤيدة للاجئين ووقف في صف واحد مع زيهوفر الذي يُعتبر أبرز خصوم ميركل وخاصة سياستها تجاه اللاجئين. وبعد إعفاء ماسن من منصبه ومكافأته على انزلاقاته بدلا من معاقبته، ضغط زيهوفر كي يحصل ماسن على منصب وكيل الدولة بوزارة الداخلية تحت إمرة وزير الداخلية الألماني زيهوفر نفسه. ومنذ ذلك الوقت تتحدث الصحافة عن تراجع التأييد لميركل وأندريا ناهليس زعيمة الحزب الاشتراكي لأنها وافقت على صفقة ماسن وتتوقع صحيفة “بيلد” الألمانية الواسعة الانتشار أن يطيح الاشتراكيون بزعيمتهم التي بدأت تسعى لتصحيح خطأها وتحميل زيهوفر عواقب قضية ماسن. لكن الأمر لا يتعلق بناهليس فقط. فبعد الهزة التي أحدثها الجدل حول رئيس البوليس السري الألماني شهدت برلين في بحر الأسبوع المنصرم هزة سياسية، حيث فقدت ميركل فولكر كاودر أهم حليف لها في الحزب لأنه كان يرأس المجموعة البرلمانية للاتحاد المسيحي، أي أنه كان يعمل في البرلمان من أجل دعم سياسات ميركل. وفي تطور مفاجئ فقد كاودر منصبه لصالح رالف برنكهاوس، الذي قال أنه يريد التعاون مع ميركل إنما على مبدأ آخر. ويعتقد بعض المراقبين في برلين أن الإطاحة بكاودر يُعتبر بداية النهاية لعهد ميركل وأنها لم تعد تعتمد على التأييد التام لسياساتها من قبل حزبها حيث إن برنكهاوس من نواب الاتحاد المسيحي الذين يسعون إلى تصحيح نهج ميركل واستعادة ثقة الناخبين، الذين فقدهم الحزب لصالح حزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي، الذي أصبح وفقا لآخر عملية استطلاع للرأي ثاني أكبر حزب في ألمانيا بعد الاتحاد المسيحي وقبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهذه مفاجأة من العيار الثقيل تثير قلق جيران ألمانيا الذين يذكرهم سعي الحزب الشعبوي للوصول إلى السلطة بوصول هتلر إليها في عام 1933 وما أسفر بعد ذلك إلى ويلات على ألمانيا وأوروبا.

لكن انشغال ميركل في همومها في الداخل لم يرحها من مشكلاتها الدائمة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فبعدما هدأ الخلاف مؤقتا بين ترامب والأوروبيين بسبب تهديده بمعاقبة الشركات الأوروبية التي تتعاون مع إيران، بفرض عقوبات عليها، أرسل ترامب استفسارا إلى برلين لمعرفة إذا ما يستطيع الاعتماد على ألمانيا الانضمام إلى تحالف قد يشكله لشن هجوم على أهداف لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في حال قام الأخير باستخدام السلاح الكيماوي في محافظة إدلب.

وكان ملفتا للأنظار ما دار من مناقشات في البرلمان الألماني “بوندستاج” أخيرا حيث فاجأت ميركل أعضاء البرلمان بإعلانها الموافقة على مشاركة ألمانيا في عمل عسكري ضد سوريا إذا استخدم النظام السوري السلاح الكيماوي. وتجدر الإشارة إلى أن برلين التزمت الصمت عندما أمر ترامب في أبريل الماضي بضرب أهداف تابعة للنظام السوري بالصواريخ عقابا على استخدام النظام أسلحة كيماوية في “خان شيخون”.

والحقيقة أن ميركل لم تأخذ في حساباتها الدخول في خلاف جديد مع ترامب إذا رفضت الاستجابة لطلبه بالانضمام إلى تحالف تقوده واشنطن، وإنما كانت تخشى غضب التحالف الغربي ولذلك سوابق. ففي مطلع عام 2011 وكانت ألمانيا تتقلد مقعدا مؤقتا في مجلس الأمن الدولي، صوتت ألمانيا في “نادي الكبار” ضد قرار دولي يدعو إلى محاربة نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، ووجدت نفسها في زورق واحد مع روسيا وكوبا والبرازيل وضد حلفائها الغربيين الذين بدأوا يشككون بولاء ألمانيا للتحالف الغربي. كان نائب المستشارة وزير الخارجية الألماني في ذلك الوقت د.جيدو فيسترفيلله، يريد تحقيق مكاسب سياسية في الداخل بأن يُظهر الحزب الليبرالي الذي ينتمي إليه كحزب مسالم، لكن قرار برلين انتهى حينها بخيبة أمل الحلفاء الغربيين منها. ومن جانب آخر أوضحت أندريا ناهليس زعيمة الحزب الاشتراكي رفض حزبها مشاركة الجيش الألماني في عمل عسكري ضد سوريا، وأكدت أن حزبها لن يوافق على هذه المهمة. وهكذا أصبح واضحا أن الائتلاف الحاكم في ألمانيا ليس متفقا على موقف مشترك. والمعروف أن مهمات الجيش الألماني خاصة المشاركة في صراعات مسلحة لا تحظى بتأييد من قبل المواطنين الألمان. ويشير إلى ذلك ضعف تأييد مهام الجيش الألماني في أفغانستان والعراق ومالي وفي ما يُسمى الحرب ضد “داعش”، ويقولون أن التدخلات العسكرية في البلدان المذكورة لم تحقق السلام والاستقرار فيها بل على النقيض من ذلك، تؤدي إلى ازدياد أعداد اللاجئين إلى أوروبا.

وبينما كانت برلين تناقش القضية وصل إلى برلين خبر أثار ارتياح المسؤولين الألمان، بعد اتفاق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على تأجيل الهجوم السوري الروسي الذي كان متوقعا على إدلب إلى اجل غير مُسمى. ويقول مراقبون في برلين أن بوتين وافق على طلب أردوغان لأنه يحتاج إلى بعض الهدوء العسكري في سوريا كي يُقنع الأوروبيين بالموافقة على تمويل عودة تعمير سوريا حالما يتمكن النظام السوري من استعادة كافة المناطق التي فقدها لمعارضيه والتي تُعتبر محافظة إدلب آخرها.

وتعتقد برلين أن اتفاق إدلب بين بوتين وأردوغان أنقذها من موقف حرج لأنه كان يتعين عليها تقديم إجابة واضحة لترامب، ويخشى المسؤولون الألمان فشل الهدنة في إدلب والحصول على دعوة من واشنطن كي تشارك ألمانيا في عمل عسكري في سوريا لا يحظى بتأييد غالبية الناخبين الألمان.

قبل أيام ألقى هايكو ماس وزير الخارجية الألماني كلمة ألمانيا في الأمم المتحدة وقال أن بلاده التي ستتولى مقعداً مؤقتاً في مجلس الأمن الدولي في مطلع العام القادم، سوف تلعب دورا أكثر فاعلية في تحمل المسؤوليات الدولية. ولا شك أن الأمريكيين سيذكرون المسؤولين الألمان بهذا الوعد عند قيامهم بمهمات عسكرية في المستقبل القريب.