إشراقات

غـــذاء الــروح

20 سبتمبر 2018
20 سبتمبر 2018

مروة بنت مرهون السيابية/ مرشدة دينية -

«إذا كانت الصلاة عادة فقط لم تنهه عن الفحشاء والمنكر، لذلك نجد من الناس من يصلي ولكنه لا زال في خضم المعاصي غارقًا كيف ولا وهو قد جعل من صلاته عادة وليست عبادة، لا يؤديها بمفهومها الصحيح، تَعوَّدَ على أدائها ولكنه لم يستشعر أهميتها، لم يستشعر أنها صلة بينه وبين خالقه، وأنها تهذيب للنفس وصون لها من الوقوع في براثن المعاصي والآثام. هي راحة للعبد من همومه التي تعتريه في يومه فيتوجه بقلبه إلى الله تعالى من خلال الصلاة.

كثيرا ما نهرع إلى الصلاة عند سماع صوت المؤذن قائلًا: حيّ على الصلاة، ولكن كيف هي حال صلاتنا أكما يريدها الله تعالى منا أم أنها أصبحت عادة اعتدنا عليها ليس إلا ولم تعد تلك العبادة التي نشعر بروحانياتها وخشوعها، الصلاة عماد الدين وأساسه القويم، فكلما زادت علاقة العبد بربه كلما أحسّ بالسكينة والراحة، فلا مكان للقلق والخوف في قلبه لأي أمر من أمور الدنيا، فإذا كنت مع الله تعالى فلا تبالي بشأن من شؤون الحياة فالأمر كله بيد الله تعالى.

الصلاة هي غذاء للروح، وهي جوهر العبادة، والركن الثاني من أركان الإسلام، افترضها الله تعالى على المسلمين المكلفين ذكورًا وإناثًا، هي قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم وآخر وصاياه، وصى بها أمته فقد كان يقول في مرضه الذي توفيّ به: «الصلاة وما ملكت أيمانكم».

للصلاة أهمية وفوائد عظيمة في حياة الفرد على المستوى الفردي والاجتماعي، فعلى المستوى الفردي تتمثل أهمية وفوائد الصلاة في أنها: المفزع للإنسان عند الشدائد، وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: «إنَّ الصّلاةَ تنهى عن الفحشاءِ والمنكر»، وهي الواقي من الوقوع في براثن الكفر، قال صلى الله عليه وسلم: «ليس بين العبد والكفر إلا تركه الصلاة»، وهي اللحظة السعيدة التي يتفتح فيها القلب البشري، فيرى النور الغامر الذي لا تحده حدود، وهي التي تُعَوّد المرء على الدقة، والعناية بكل عمل يُوكَل إليه، فينعكس على انطباعاته وأفكاره، وهي خشوع القلب تجعله دائم اليقظة والترقب، وهي أيضًا تدرِّبه على التفكير المُنظّم حتى يتتبع المرء ما يقوله ويتفهمه، وهي إظهارُ الحاجة والافتقار للمعبود سبحانه وتعالى، وهي التي تجذبه إلى الخُلق الطاهر الكريم في كل شيء، تنسي الفرد المشكلات الدنيوية التي يعيشها، وهي وسيلة لتقوية إيمان الفرد، حين يقف للصلاة فإنه يقف أمام خالقه سبحانه وتعالى، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر».

أما أهميتها وفوائدها الاجتماعية فتتمثل في أنها: وجهة للمسلمين ليعيشوا في رحابها، وهي أخص الشعائر التعبدية، تؤدي دورها مع بقية الشعائر في خدمة البيئة الإسلامية وإصلاح الحياة الاجتماعية، وهي تُوَجِّه الفرد والجماعة إلى إله واحد وهو الله تعالى، بها تكون المساواة بين المسلمين أمام رب واحد الكل له عبيد والكل أمامه محتاج، وهي مكانٌ للقاء الجماعة المسلمة في بيت الله ضيوفًا على الله، وهي نظام دقيق يجعلها أشبه بميدان للقتال، صفوف مستقيمة متراصة، قبلة واحدة تميل لها كل النفوس، وسيلة لتهذيب النفوس في المعاملات بين الناس، تسهم في بناء المجتمع الطاهر، مدرسة للمسلمين يتدارسون في المسجد شؤون دينهم ودنياهم، تزيد رباط الألفة والمحبة بين المسلمين، يسأل كل مسلم عن أخيه إذا غاب، تجتمع نفوس المسلمين على حب الخير وعلى الإيمان الصادق الذي يؤثر في أخلاقهم وبيئاتهم وفي مجتمعاتهم فتزكو وتطهر ويدعمها البناء الأخلاقي المتين، أكبر وسائل التهذيب والإصلاح الاجتماعي تَهذَّب بها الرسول صلى الله عليه وسلم وهذّب بها نفوسًا تتوق الدنيا إلى تتبع سيرتهم، لقد صنع صلى الله عليه وسلم أبطالًا تجري ذكراهم على الألسنة وتقف شخصياتهم كبيرة أمام الأبصار فتُجلّها وتعظمها.

على الفرد أن يعي أهمية الصلاة التي افترضها عليه الله سبحانه حتى تبقى راسخة في ذهنه لا تغيب عنه؛ لتبقى عبادة راسخة يؤديها تقربًا لله تعالى، فما إن تلاشت هذه الأهمية من ذهن المرء حتى باتت الصلاة عادة يعتاد على فعلها كل يوم بحركاتها وركعاتها وكأنها حركات رياضية يؤديها من قيام وركوع وقعود، وهذا ما يؤشر على أنه في منعطف خطر وعليه أن يصحح مساره ويراجع أعماله، فإذا تحولت العبادة إلى عادة فيمكن للإنسان أن يتركها عند أول مشكلة تعترض عليه أو قد يكون متهاونًا في أدائها إن أداها أداها وإن لم يؤدها لا يبالي، بَيْدَ أنه لو استشعر فضل الصلاة ومقامها لاستشعر عظمة الملك الجليل الذي يقف بين يديه في صلاته، ولنزلت عليه نفحات من الله تعالى في صلاته، ولجنى ثمرات وأجور هذا العمل المبارك.

فإذا كانت الصلاة عادة فقط لم تنهه عن الفحشاء والمنكر، لذلك نجد من الناس من يصلي ولكنه لا زال في خضم المعاصي غارقًا كيف ولا وهو قد جعل من صلاته عادة وليست عبادة، لا يؤديها بمفهومها الصحيح، تَعوَّدَ على أدائها ولكنه لم يستشعر أهميتها، لم يستشعر أنها صلة بينه وبين خالقه، وأنها تهذيب للنفس وصون لها من الوقوع في براثن المعاصي والآثام. هي راحة للعبد من همومه التي تعتريه في يومه فيتوجه بقلبه إلى الله تعالى من خلال الصلاة، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة، ويقول لبلال رضي الله عنه: «أرحنا بها يا بلال».

هنالك أسباب تجعل العبادة تتحول إلى عادة منها: ضعف الإيمان في القلب؛ فكلما كان الإيمان راسخ وقوي في القلب كلما استشعر المرء حلاوة القرب من الله تعالى، فحين يصلي يصلي بخشوع هكذا يكون عابدا وليس معتادا. كذلك الأسرة إذا لم تُحبَّب أبناءها على الصلاة وحُبّ الدّين وأعماله تجده يصلي فقط للعادة التي رأى والديه عليها وليس العبادة. وللأصدقاء كذلك دور في تحويل العبادة إلى عادة فعلى المرء أن يتخيّر الصحبة الصالحة التي تحبّبه في الصلاة وتشجعه عليها، كما أن الملذات والشهوات التي لا يخلو منها أي مجتمع باتت تسحب أصحاب القلوب الضعيفة إليها وتجرهم نحو التّهاون والتضييع للصلوات وعدم استشعار مكانتها إن أداها؛ فعلى المرء أن يوقظ قلبه وأن يبني لنفسه سورًا يحميه ويصده عن ملذات الدنيا وشهواتها.

ومن الأمور التي تُعين على أن نجعل الصلاة عبادة هي: النية التي ننوي بها التقرب إلى الله تعالى، والخشوع الذي يستشعر المرء فيه وهو يصلي أنه واقف بين يدي الله تعالى ومدركا لما يقوله فيها. وعدم الانشغال بأمور الدنيا وملهياتها، والإدراك لأهمية الصلاة وفوائدها وثمارها العظمية، والقراءة عن حياة الصالحين وكيفية عبادتهم وخشوعهم في الصلاة كي يقتدي بهم، والدعاء بأن يكون محافظًا على الصلاة وعابدًا متقربًا لله تعالى بها.

الصلاة لها أسرارها وأنوارها ومزاياها نؤديها لنكسب بها رضا الله تعالى عنا، من خلالها أناجي ربي، وأنجو بنفسي، بها أجد راحتي، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المقيمين للصلاة والمحافظين عليها.