Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: حكم قضـائي

18 سبتمبر 2018
18 سبتمبر 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تعاد معظم الجرائم التي ترتكب في حق الغير، وفي حق النفس ذاتها إلى حالة واحدة لا ثانية لها، وهي حالة الجهل بالقانون، وهذه «مصيبة المصائب» كما يقال، والقانون؛ كما هو معلوم بالضرورة؛ «لا يحمي المغفلين»، ولأن القانون مادة ليس سهل إدراكها، ولأنه كذلك مادة ثقيلة على الفهم، وتتبعها جوانب وتفرعات كثيرة، لذلك فهي تحتاج إلى كثير من الجهد في توضيحها، وهذا لا يقوم به إلا المتخصصون في مجال القانون بصورة خاصة، وبدون هذا التوضيح والتفسير للعامة والخاصة، فإن هناك الكثيرين سوف يقعون ضحايا نتيجة جهلهم بالقانون، وتطبيقاته الصارمة والصادمة أيضا.

أسوق هذه المقدمة للتعليق على الخبر الذي انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل يومين، والذي نصه: «حكم قضائي في السلطنة صدر في شهر مايو ٢٠١٨ بإدانة شاب قام باعتراض طريق فتاة وتسليمها قصاصة ورقية عليها رقم هاتفه. حكم عليه بالسجن ستة أشهر سجن نافذة وتعويض المرأة عشرة آلاف ريال بالإضافة إلى دفع المصروفات القضائية وأتعاب المحاماة “وذيل الخبر بـ (المصدر: مجلة المجتمع والقانون التي يصدرها الادعاء العام-العدد :١٠ - سبتمبر ٢٠١٨).

أجزم أن من أدين بهذا الحكم، ليس لديه أية فكرة عن نص القانون الذي أدانه، ولذلك هو مارس سلوكه «المشين» بتلقائية بسيطة، كما يحدث كثيرا من مثل هذه السلوكيات من الجنسين، وليس فقط من جنس الذكور، ولأن من وقع عليها الضرر من هذا السلوك من قبل هذا الشاب؛ كما جاء في نص الحكم؛ لا تقبل به، فلم تتعاط معه، كما يحدث عند كثير من الجنسين عندما تبدأ علاقاتهم بهذه الطريقة البدائية جدا، ولذلك وصلت إلى منصات القضاء، وصدر هذا الحكم القاسي جدا، وفق العبارة أعلاه « القانون لا يحمي المغفلين» وكان يمكن تدارك هذا الحكم من خلال حكماء العائلتين للوصول إلى صيغة توفيقية، تقلل من الضرر على الشاب الذي صدر ضده الحكم.

تنبئ هذه الصورة في مجملها أن هناك جهلا مطلقا بنصوص الكثير مما يتضمنه قانون الجزاء العماني؛ الذي يروج له، كما أقرأ أحيانا؛ عبر منصات التواصل الاجتماعي، فقط، وهذا لا ينسف الجهد الذي يبذله رجال الادعاء العام الذين نقرأ لهم أخبارا متناثرة من هنا وهناك عن محاضراتهم في شرح نصوص هذا القانون في مناسبات مختلفة، والمسألة تحتاج إلى كثير من الجهد المكثف، سواء من قبل رجال الادعاء العام، أو من قبل بعض مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالشأن الاجتماعي، أو من قبل مكاتب المحاماة المنتشرة في جميع ولايات السلطنة؛ من قبيل خدمة المجتمع؛ على أن لا تقتصر هذه المحاضرات على النخب في المجتمع، بل يصبح من الضرورة القصوى أن يستهدف بهذه المحاضرات المجتمع الأكاديمي بجميع مراحله، والمجتمع المدرسي، خاصة للطلبة من الصفوف الـ (7 -12) على أن يبسط الفهم لهذه الفئة بالذات لاستيعاب أكبر، أما أن يترك استلهام الوعي القانوني للجهد الفردي الذاتي، فإن في ذلك خطرا شديدا على كثير من الناس الذي لا يعون شيئا من القانون، وإن كان ذلك الخطر هم من أقدموا إليه بملء إرادتهم – كسلوك – وبجهل إرادتهم – كوعي بالقانون – مع اليقين الجازم، أن ليس هناك إنسان عاقل يقدم على فعل وهو عارف مستوى الضرر الذي سوف يرتد إليه من خلاله، إلا إذا هو واقع تحت تأثير ما، ليس له حول ولا قوة في تحييده.

يحل اليوم الوعي بالقانون؛ أكثر من أي وقت مضى؛ ضرورة قصوى، وعلى الجهات المعنية كافتها واجب تبسيط الفهم لاستيعاب نصوصه المختلفة، حتى لا يقع الناس في قضايا سلوكية مختلفة، وهم فعلا (مستغفلون) رحمة بهم من أثر هذا الجهل الذي يعيشونه، فالقانون جاء لينظم العلاقات بين الأفراد، وليس فقط سيفا مسلطا على كل من ارتكب جرما بجهل وبغير جهل.