الملف السياسي

ريادة الأعمال والاقتصاد الوطني

17 سبتمبر 2018
17 سبتمبر 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

تواجه اقتصاديات الدول النامية تحديات حقيقية من خلال إرساء دعائم تنويع مصادر الدخل ، وتوفير الوظائف لآلاف من مخرجات التعليم ، والمنافسة الاقتصادية واللوجستية بين دول الإقليم ، علاوة على خطورة الاعتماد على مصدر دخل رئيسي كالنفط الذي تتذبذب أسعاره خلال السنوات الأخيرة مما شكل اختبارا كبيرا للدول المنتجة للنفط ، خاصة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية .

وقد بدأت السلطنة في اعقاب التدهور الكبير في اسعار النفط خلال السنوات الأربع الاخيرة في ايجاد سياسات تركز على مسألة تنويع مصادر الدخل من خلال البرنامج الوطني «تنفيذ » ومن خلال تنشيط القطاعات غير النفطية كقطاع اللوجستيات والسياحة والخدمات والثروة السمكية ، كما ان التحفيز في مجال ريادة الاعمال للشباب العماني اصبح سمة واضحة من خلال توسيع قاعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي تعد في الدول المتقدمة هي الركيزة الأساسية للاقتصاديات الوطنية.

ريادة الأعمال

بدأت السلطنة في إيجاد مجالات للتحفيز في مجال ريادة الأعمال للشباب العماني الطموح من خلال برامج «ريادة » وأيضا من خلال القروض الميسرة من صندوق «الرفد» وإيجاد ورش تدريبية للدخول في مجال الأعمال الحرة علاوة على غرس هذا المفهوم من خلال الجامعات وإنشاء الشركات الطلابية والتي تتحول مشاريعها الى شركات صغيرة تدعم من خلال إسناد مشاريع تجعلها تنطلق الى النجاح .

فالدول لا تستطيع توفير الوظائف لكل أبنائها مهما بلغت قوتها الاقتصادية ومنها تنبهت دول مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واليابان والصين وغيرها من الدول الى أهمية إيجاد قاعدة عريضة من ممارسي الأعمال الحرة فهناك الملايين من الشركات في الولايات المتحدة هي شركات صغيرة ومتوسطة وهي تمثل القوة الدافعة للاقتصاد الأمريكي . ومن هنا فإن موضوع ريادة الأعمال في السلطنة بدأ يترسخ وأصبحت هناك قناعات بأن البدء بمشروع صغير ومن خلال الدعم المقدم ماليا من صناديق التحفيز ومن خلال الاستشارات فان المجال للنجاح اصبح اكبر. وهناك نماذج للشباب العماني الذين سجلوا نجاحات في مجال ريادة الأعمال ومن خلال تجارب واجهت تحديات ، وهذا شيء طبيعي، ولكنها انطلقت في مسارها الصحيح في النهاية واصبح لها نشاط مميز من خلال تسليط الأضواء عليها إعلاميا ومن المهم ان تكون هناك إرادة علاوة على استغلال الفرص ومجالات التحفيز المتاحة التي تقدمها عدد من المؤسسات الحكومية.

صناعة المستقبل

مستقبل الاقتصاديات وعلى ضوء عدد من الدراسات البحثية فإن مجال ريادة الأعمال من خلال توسيع قاعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وهذا يعود الى وجود فرص هائلة تتعدى طموح الوظيفة الحكومية او في مجال القطاع الخاص . صحيح أن مسألة التوظيف في القطاعين سوف تستمر ولكن نحن نتحدث هنا عن الطموح والتنافسية للأفراد .

والذي يقرأ عددا من الكتب لمشاهير رجال الأعمال وتجاربهم يشعر بالثقة بأن خطوة الألف ميل تبدأ بخطوة، فقط لا بد أولا من التسلح بالمعرفة وهي الأساس ، وأن تكون هناك استشارات واقعية لكل مراحل المشروع ، أما مسألة التحديات فإنها ستظل موجودة ، وهي جزء من الطموح لمستقبل واعد . ولعل كبار رجال الأعمال دونوا قصصا مثيرة حول العقبات والانتكاسات التي واجهوها في بداية مشاريعهم .

المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ونجاحها وتوسيع رقعتها في المجتمع سوف يكون لها انعكاس كبير وإيجابي على الاقتصاد الوطني ، ولعل تجارب دول جنوب شرق آسيا خلال العقود الثلاثة الماضية قامت على أساس تنمية الأفراد والتنافسية وإطلاق الحوافز في مجال ريادة الأعمال ، حتى تحولت تلك المجتمعات الى حاضنات أعمال ، بل وتعدت أعمالها الحدود كما نرى الآن في التجربة الصينية المدهشة .

البرامج التحفيزية في السلطنة هي فرص للعقول الواعدة ان تنطلق في مجال ريادة الأعمال ، ونحن نشهد بشكل مستمر ومن خلال وسائل الإعلام تجارب ناجحة للشباب العماني ، وخاصة من خريجي الجامعات ، وهذا شيء إيجابي من خلال الربط بين المعرفة وانطلاق تلك المشاريع .

والمؤسسات الحكومية المسؤولة عن قطاع تنمية ريادة الأعمال عليها مسؤولية كبيرة في دفع هذا القطاع من خلال المزيد من التحفيز ، ومن خلال المزيد من الورش والمشاركات الخارجية وعمل حاضنات الأعمال في محافظات السلطنة لأن نجاح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يعني وجود قاطرة مهمة للاقتصاد الوطني وسوف تكون له انعكاسات مهمة على التنمية الشاملة في السلطنة كما ان توسيع نطاق تلك المؤسسات ونجاحها سوف يحفز الآخرين للدخول في عالم ريادة الأعمال ويخلق فلسفة جديدة بأن انتظار الوظيفة ليس هو الحل الوحيد ولعل وجود عدد من الشباب في مشاريع مشتركة سوف يكون بداية من اجل ضمان الانطلاقة لأي مؤسسة صغيرة أو متوسطة .

تجارب ناجحة

عادة يأتي التحفيز من خلال النجاح في أي مجال ، وهذا الأخير يحفز الآخرين للدخول في معترك تلك التجارب الناجحة ومن هنا فان على وسائل الإعلام ان تنشط في هذا الجانب ، كما تمت الإشارة، حتى يكبر نطاق ريادة الأعمال ونرى حركة مجتمعية كما أن مسألة التحفيز من قبل المؤسسات الحكومية لا بد ان تتوسع وان يكون هناك مزيد من التقييم والمتابعة .

النجاح في أي مجال يدفع الآخرين للدخول في التجربة ومن هنا فان مستقبل ريادة الأعمال في السلطنة ومن خلال التجارب يعد واعدا ومع ذلك لا بد من تذليل الصعاب والبعد عن البيروقراطية في تخليص المعاملات حتى لا يضيع الوقت خاصة في مجال الأعمال.

هناك الآن نسبة عشرة في المائة من المناقصات تعطى للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة كما ان الاستشارات تعد مجانية وهناك مركز الأعمال الذي يقدم خدمات لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومن هنا فان الدفع بقطاع الأعمال سوف يشكل نقلة في المستقبل في إطار سياسة السلطنة بضرورة تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على مصدر وحيد وأيضا تشجيع المبادرات ومنها ريادة الأعمال التي أصبحت جزءا أصيلا من اقتصاديات الدول.

ولعل الاقتصاد الوطني وفي ظل الظروف التنافسية وعلى ضوء البنية الأساسية المهمة من المطارات والموانئ وشبكات الطرق يحتاج الى تحفيز الأفراد للانطلاق في مجال ريادة الأعمال والتي تعد الخيار الأكثر قبولا لدى شباب العالم ومن خلال ربط ذلك بالتقنية والثورة الصناعية الرابعة و أدوات الابتكار.

ان العالم يتجه بشكل كبير الى تنويع الاقتصاديات وفي مقدمتها وجود اقتصاد متنوع يقوم على وجود كم كبير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي سوف تكون اللاعب الأساسي لتلك الاقتصاديات في المستقبل خاصة في الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ولا شك ان هناك اهتماما حكوميا واضحا من خلال الدفع بهذا القطاع الى الأمام ومن خلال التحفيز من خلال صناديق الدعم ومن خلال بنك التنمية وانه من الضروري ان يزداد الدعم وان تكون هناك ندوة موسعة ثانية حول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتطرح فيها التحديات والعقبات التي تواجهها وهذا شيء مهم وضروري لإيجاد الحلول التي تجعل من قطاع ريادة الأعمال جاذبا ومحفزا لأكبر شريحة من الشباب العماني الطموح وحتى تتحقق الأهداف الوطنية من خلال وجود قطاع واسع من ممارسي ريادة الأعمال في السلطنة.

ان المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي مستقبل الاقتصاد الوطني ومن هنا تأتي أهمية التركيز عليها ودعمها من خلال حزمة من الآليات والتي تجعلها نموذجا يحتذى للآخرين وان نرى ريادة الأعمال في السنوات القادمة مجالا يجذب الآلاف من الشباب العماني والذي يرى بأن هذا المجال هو المجال الذي من خلاله يحقق طموحاته وطموح مجتمعه ووطنه .