abdullah
abdullah
أعمدة

نوافذ: شـهـادة أم خـبرة!

09 سبتمبر 2018
09 سبتمبر 2018

عبدالله بن سالم الشعيلي -

Twitter:@ashouily -

ندمت على سنوات عمري التي قضيتها في الدراسة، أكثر من عقدين من الزمان وأنا أرهق نفسي في المذاكرة والتحضير والحفظ والفهم منكبا ما بين كتاب للغة وآخر للرياضيات وغيره للكيمياء والفيزياء. علوم يرفض عقلي الترحيب بها وعلوم أخرى يكره حتى سماع اسمها ولكن كان لا مناص من دراستها لتأتي النتيجة في النهاية دائرة حمراء تزين الشهادة الورقية ويأتي بعدها تأنيب وضرب على الإهمال وقضاء الوقت في اللعب والمرح.

لو أنني ولدت في عصر البرمجة والذكاء الاصطناعي لما احتجت إلى دفتر وكراسة ولاكتفيت بشراء هاتف آيفون أكس أو كمبيوتر أبل ماك بوك برو ولأمضيت العقدين من الزمان منكبا عليهما لأنني في النهاية سوف أضمن الحصول على الوظيفة التي تدر علي دخلا أكبر بعشر مرات من وظيفة طبيب أو مهندس سهر ليله وقضى نهاره منكبا على كتب تعلمه علوما أجزم أنه لم يستفد من نصفها وإنما كانت لإكمال ساعات أو لسد وقت فراغ أو لأنها مناهج لم يقم أحد بمراجعتها منذ قرون من الزمان فصارت فرضا لازما على الطالب دراستها.

الوظيفة المحتملة في أبل وأخواتها من شركات التقنية مثل جوجل وفيسبوك وغيرها من الشركات المتربعة اليوم على عرش الصناعة الرقمية والتجارة الإلكترونية لا تطلب شهادة علمية سواء كانت جامعية، ثانوية أو حتى ابتدائية فهي لا تعترف بذلك النوع من الشهادات مطلقا فكل ما يحتاجه الشخص للحصول على وظيفة في تلك الشركات هو الإلمام بمسؤوليات الوظيفة والإبداع فيها والتفوق على الآخرين في لغات البرمجة والذكاء الاصطناعي وغيرها من تطبيقات المعرفة الحاسوبية فالدرجة المالية في تلك الشركات لا تقاس بالشهادة العلمية وإنما بما يقدمه الموظف من اختراع وابتكار في عالم التقنيات والبرمجة الحديثة.

تحضيرا لهذا المقال بحثت عن عينة من الأثرياء وأصحاب الشركات الكبرى العاملة في مجال المعلوماتية لكنهم لم يكملوا تعليمهم الجامعي فوجدت على رأس هؤلاء وشيخهم وقدوتهم بيل جيتس أغنى أغنياء العالم ومؤسس شركة مايكروسوفت ويليه في الندية مؤسس موقع الفيسبوك مارك زوكربيرغ الذي هو أيضا لم يحصل على شهادته الجامعية لكنه اليوم يترأس شركة تقدر ثروتها بالمليارات، وغيرهم الكثير ممن لم ينتظروا قطار التعليم الطويل كي ينتهي فآثروا النزول منه وركوب محطة أخرى نقلتهم إلى الثراء السريع.

قد يبدو ما أقوله غير قابل للتصديق أو للتطبيق في أيامنا هذه ولكن المستقبل ينبئ أن الشهادة العلمية لن تكون معيارا أو مقياسا للحكم والحصول على الوظيفة التي ترغب وتحلم بها في عالم شركات التقنية الصغرى والكبرى وهذا هو ذات المشهد الذي حدث قبل عقود طويلة في عالم الرياضة بكافة أشكالها وألوانها فمحترفو كرة القدم على سبيل المثال لا يطلب منهم شهادة علمية تثبت مهارتهم كي يوقع معهم عقد بملايين الدولارات وتتنافس عليهم الأندية والفرق لرفع سعرهم فالوظيفة هنا لا ذكر لها ولا حتى الشهادة بقدر ما هو ذكر للفرد وسعره في سوق الملاعب.

أعرف من كل العالم أناسا لم يكملوا تعليمهم أو لم يؤمنوا به بمعنى آخر وهم اليوم رؤساء لكبرى الشركات يديرون موظفين يعملون لصالحهم ممن لديهم شهادات عالية جدا في الدكتوراه في مجالات مختلفة، وأعرف أيضا أناسا في قطاعات حكومية مختلفة لم يتحصلوا على تعليم عال أو حتى متوسط وهم اليوم ممن يشار لهم بالبنان بأنهم من التنفيذيين الناجحين في عملهم وان كان البعض ينعتهم بأنهم وصلوا إلى ما هم عليه عن طريق معرفة أو صدفة ولكنها الحقيقة التي تقول بأن الشهادة العلمية هي ليست المعيار الأوحد للنجاح.