الملف السياسي

أبعد من الاونروا: اللاجئون الفلسطينيون وحق العودة

03 سبتمبر 2018
03 سبتمبر 2018

د. صلاح أبونار -

القضاء على كيان دولي يضع بشكل دائم قضية اللاجئين الفلسطينيين على قائمة اعمال الجماعة الدولية، وفي وضعه الدائم لها يشير الى فعل اغتصاب وطن واقصاء شعب من ارضة، ويحمل مجرد وجوده والاجماع على دعمة انتقاصا دوليا من شرعيتها.

في 31 اغسطس اعلنت الخارجية الامريكية رسميا ان الادارة الامريكية قررت بعد مراجعة مدققة، التوقف نهائيا عن اداء التزاماتها المالية تجاه « وكالة الأمم المتحدة لأغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى»، المعروفة اختصارا بالاونروا. ولم يكن القرار مفاجأة فلقد كان شبه مقرر منذ يناير 2018.

تأسست الاونروا عام 1949 كمنظمة خاصة لرعاية اللاجئين الفلسطينيين، ومنفصلة عن « المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» المتولية امر رعاية اللاجئين عامة. وفي لحظة تأسيسها كانت تقوم برعاية 700000 لاجئ ،واليوم يصل عدد اللاجئين المسجلين لديها وفقا لتقريرها عام 2015 الى 603, 266, 5 ، موزعين على 58 مخيما في غرة والأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية. ومصدر نمو العدد هو المعايير المستخدمة في تعريف اللاجئ، والتي تنقل صفة اللاجئ من النازح الاصلي الى ابنائه واحفاده. وهي معايير التزمت بها مؤسسات الامم المتحدة، ومنها مفوضية شؤون اللاجئين.

وتقدم الاونروا خدمات حيوية ومنتظمة لتلك الكتلة من اللاجئين، علاوة على خدمات حالات الطوارئ. واذا نظرنا الى انشطتها الدورية وفقا لبياناتها لعام 2015 المنشورة ، سنجدها موزعة علي اربعة قطاعات. التعليم الذي يضم 666 مدرسة ينتسب اليها 260, 515 طالبا. والصحة التي تضم 14مركزا صحيا،يحصل على خدماتها 3.134.732 لاجئا. والقروض الصغيرة التي قدمت437.310 قروض وصلت قيمتها الى 493.7 مليون دولار.والاغاثة والخدمات الاجتماعية التي تدير 102 مركز اجتماعي وتخدم 290000 مستفيدا من برامج الامان الاجتماعي.

وفقا لتقرير رسمي للامين العام للامم المتحدة وصلت عوائد الوكالة عام 2017 الي مليار و239 مليونا، وكانت اقل بمقدار 35.8 مليون عن العام السابق . ولاتتعدى مساهمة الامم المتحدة 4%، بينما تسهم التبرعات الطوعية بنسبة 94%، وتمثل الولايات المتحدة الممول الاكبر. في العام نفسه وصلت مساهمتها الى 265 , 364 وتلاها الاتحاد الاوروبي بقيمة 137. 143مليون دولار.

وتمنحنا الارقام السابقة دلالتين واضحتين . أولها اننا امام هيئة لا يمكن لأحد التشكيك في ضخامة نفعها، ومجرد مراجعة أعدد الطلاب والمرضى المترددين علي منشآتها تؤكد ذلك . وثانيهما أنها حظيت دائما بدعم مالي امريكي قوي، يعكس بتواصله وتصاعده قناعه قوية بخطورة دورها وشرعيتة . في دراسة اعدها جيم زانوتي صادرة في مايو 2018، عن مركز ابحاث تابع للكونجرس، جاء ان مجموع مساهمات امريكا على مدى الفترة 1949 – 2017، وصلت الى 6 مليارات و83 مليون دولار. ومن 1949 ظلت قيمتها تتصاعد حتى وصلت عام 2008 الى 7, 184 مليون دولار، وفي 2009 قفزت الى 268 مليونا، ثم تواصل صعودها فوصلت عام 2014 الى 399 مليون دولار، وبعدها اخذت في الهبوط ولكن كان اقصى ماهبطت اليه هو 359 مليونا عام 2017. لقد حدث ذلك التواصل المتصاعد في سياقات سياسية دولية واقليمية عامة عالية التغير والتناقض، وفي ظل توالي ادارات سياسية امريكية مختلفة وتبدلات حادة في التوجهات الامريكية تجاة المسألة الفلسطينية. الامر الذي يعني ان وجود الوكالة والشرعية القانونية لعملها الاساسي كانت راسخة، ولا تواجة ايه تحديات اساسية داخل المؤسسات الامريكية.

واذا كان الأمر كما شرحناه ما الذي تغير وجعل الموقف من الاونروا يتحول للنقيض كما يحدث الآن.؟ طرحت المصادر الامريكية الرسمية نمطين من الحجج في معرض تبرير سياساتها الجديدة. يركز الأول علي نقد اداء الوكالة، من حيث سوء الادارة والفساد والتوسع المتواصل للانشطة والعجز عن تعبئة المزيد من موارد الاعضاء بما يسمح بتوزيع متوازن لمشاركات المساهمين الكبار، وفي النهاية تسييس الوكالة لبرامجها التعليمية التي تبث العداء لاسرائيل . يحمل هذا النقد مضمونا واضحا ان واشنطن بانسحابها من التمويل كليا، تسعى لدفعها لاصلاح نفسها كما هو شأن انسحابها من اليونسكو ومجلس حقوق الانسان . ويتركز هذا النمط من النقد في دوائر وزارة الخارجية ، التي لاتزال تعكس تقاليد السياسة الخارجية في المنطقة قبل ان تهب عواصف ترامب.

وسنجد نمط النقد الثاني داخل دائرة صنع القرار الضيقة المحيطة بترامب ، اي دائرة جاريد كوشنر ، و نيكي هيلي وجورج بومبيو، وجون بولتون. وهنا لا تصبح المسألة هي اصلاح الوكالة بل وجودها نفسة، من خلال الرفض الصارم لمفهومها في تعريف اللاجئ الفلسطيني . الوكالة وفقا لهذا النقد تقوم بتأبيد مشكلة اللاجئين جيلا بعد جيل، لانها توسع تعريف اللاجئ من لاجئ 1948 الي ابنائه واحفاده ، ولانها بنشاطها تخلق اساسا ومؤسسات تغذي هذه الاستمرارية وتعوق عمليات اعادة توطينهم حيث استقروا. والمطلوب تعريف آخر يقصر مفهوم اللاجئ علي نازحي 1948 ، وهنا سينخفض العدد الي رقم غير محدد حتى الان بدقة، وقيل انه يتراوح بين نصف مليون وخمسون الفا.

يمكننا ان نضع ايدينا مباشرة علي هذا التوجه الجديد في عدة وقائع بارزة. خلال زياره كوشنر الاخيرة للاردن طالب بنزع صفة اللاجئين عن الفلسطينيين المقيمين ، بحيث لا يصبح للاونروا اي عمل هناك على ان توجه واشنطن مخصصاتها الى الأردن نفسه. ولكن الأردن رفض الاقتراح. وبعد ذلك ظهرت مشاريع قوانين جمهورية في الكونجرس، تقدم بها دروج لامبرون في مجلس النواب وجيمس لانكفورد في مجلس الشيوخ، تطالب بتحويل المساعدات الامريكية بعيدا عن الاونروا وتوجيهها وجهات اخرى، واعلان امريكي واضح بعدم الاعترف بصفة اللاجئ الا بالنسبة لنازحي 1948. وفي 3 اغسطس نشرت مجلة فورين بوليسي الامريكية نص رساله اليكترونية، ارسلها كوشنر الي احد العاملين معه، جاء فيها:» يجب ان نكون امناء ونبذل مجهودا مخلصا من اجل القضاء علي الاونروا.

هذه المنظمة تؤبد الوضع الراهن، ولا تساعد على تحقيق السلام. هدفنا الاستراتيجي لا يمكن ان يكون الحفاظ على الواقع مستقرا وكما هو عليه. احيانا علينا ان نتخذ مخاطرة استراتيجية، تؤدي الي هدم الاشياء من اجل ان نتمكن من تخطي الوضع.» ومن الواضح اننا امام تسريب عمدي، لان الرسالة يرجع تاريخها الى 11 يناير و لا يوجد مبرر لتسريبها الا كجزء من عمليه الاعداد للقرار القادم . وفي 28 اغسطس كانت «هايلي» تتحدث امام مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، وهناك صرحت :» سوف ننظر في العودة كمانحين الي الاونروا، اذا اصلحت نفسها وغيرت عدد اللاجئين الي عددهم الحقيقي الدقيق».

وبالتوازي مع ذلك سربت اخبار ، تتحدث عن دراسة سرية انجزتها الادارة عن الاعداد الحقيقية للاجئين الفلسطينيين، وستعلنها قريبا كجزء من عملية انسحابها من الاونروا.

وماهو هدف اعادة تقدير اعداد اللاجئين وهدم الاونروا؟ اطلقت ادارة ترامب سياسة جديد تجاه المشكلة الفلسطينية، اختفى معها أي تمايز اساسي عن مواقف اليمين الاسرائيلي الحاكم، فكأننا الآن امام سياسة واحدة. هناك – اولا – هدف الازاحة الكاملة لحق العودة من المشهد السياسي. لم يكن حق العودة مطروحا في اطار مفاوضات اوسلو كموضوع للتفاوض،لكنه استمر حاضرا بقوة خارجها. سنجده في الوعي الوطني الفلسطيني، والمفاهيم المؤطرة لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفي الذاكرة التاريخية الفلسطينية، وداخل تيارات سياسية شعبية واسعة . هذا الحضور يسبب قلقا تاريخيا لاسرائيل ، لأنها هي ذاتها دولة قائمة على حق وهمي للعودة ، قائم على وعد ديني متخيل وخبرة تاريخية عتيقة لكنها عاشت حية في الوعي التاريخي، وبالتالي تدرك جيدا ماذا يمكن لهذا الوعي ان يفعل مهما طال الزمان، وكيف يمكنه أن يستمر مسيطرا داخل الذوات الجمعية مهما كانت ضعيفة ومستبعدة.

وهكذا تحلم باستئصال الفكرة من الوعي والذاكرة الفلسطينيين، وتتوهم ان اعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني سيساهم في ذلك لانه يعني إلغاء الحامل التاريخي لحق العودة.

وهناك – ثانيا – القضاء علي كيان دولي يضع بشكل دائم قضية اللاجئين الفلسطينيين علي قائمة اعمال الجماعة الدولية، وفي وضعه الدائم لها يشير الى فعل اغتصاب وطن واقصاء شعب من ارضة، ويحمل مجرد وجوده والاجماع علي دعمة انتقاصا دوليا من شرعيتها.

وهناك –ثالثا – هدف إطلاق عملية توطين من نمط جديد للاجئين. توطن الفلسطينون بالفعل في وسوريا ولبنان والاردن، ومع الزمن تحولت الخيام الي مبانٍ مرتفعة واحياء واسعة. وكان التوطن الفلسطيني في بدايته جماعيا يتمركز في مكان واحد، ومع مرور الزمن تراجعت سيطرة التمركز، ولكن حتى الان ووفقا للاونروا لايزال 58% من اللاجئين يعيشون في المخيمات ..شكلت هذه المخيمات مجالا لنمو الوطنية الفلسطينية.

فلقد وفرت قاعدة للتعبئة السياسية، ومجالا للتواصل الثقافي وتطوير ونشر الوعي الوطني، وحيزا للحفاظ علي الذاتية الجماعية وهياكلها المنظمة. ويراهن القرار على ان تفكيك هياكل الاونروا يمكن ان يساهم في تفكيك التمركز الفلسطيني، وان التوجية المشروط للمخصصات التي كانت موجهه للاونروا يمكن تحويله الي اداة مساعدة على هذا التفكيك، وان هذا التفكيك يمكن ان يضعف الوطنية الفلسطينية.