أفكار وآراء

السياحة تثري.. ولكــــن !!

01 سبتمبر 2018
01 سبتمبر 2018

د. سيف بن سليمان المعني  -

نفتخر جميعا بما تملكه بلدنا من موروث حضاري وتراثي وثقافي، فالسلطنة تنفرد بتاريخ ضارب في القدم وتزخر السلطنة بحرفها المختلفة الأصيلة التي تعكس مدى ارتباط الإنسان العماني ببيئته ومجتمعه، ويتجلى هذا الأمر من خلال الأزياء العمانية التي نمتاز بها دون غيرنا، والصناعات الحرفية المختلفة التي تجسد عظمة الإنسان العماني، والفنون، والعادات التقليدية التي يعتز بها كل عماني، إضافة إلى بعض المناشط، والفعاليات التراثية، مثل سباق الهجن، وسباق الخيل، ومناطحة الثيران، وغيرها، كما تتميز السلطنة بمواقعها الأثرية التي تعتبر سجلا توثيقيا لعظمة الإنسان العماني والحضارة العمانية، بقلاعها التي تقف شامخة في أرجاء السلطنة وتكاد لا تخلو منها أي مدينة أو قرية، كما أن التنوع الجغرافي، من الصحاري كصحراء الربع الخالي، وآل وهيبة، وجبال مرتفعة كجبل شمس، الذي يرتفع 3 آلاف متر عن مستوى سطح البحر، ويشكل فصل الخريف بجوه المعتدل بمحافظة ظفار عامل جذب للسياحة والسياح، كل هذه المقومات تجعل سلطنة عمان جاذبة لصناعة السياحة والتي من شأنها المساهمة في الناتج المحلي السنوي، إذا استثمرت بشكل منظم ومرتب، ويعمل الجميع يدا واحدة.

في مقالي هذا أود أن أركز على التنمية السياحية بمحافظة ظفار، والاستفادة من مقوماتها بما يعظم الناتج المحلي الإجمالي، سواء كان على المستوى الحكومي أو على مستوى المواطنين، حيث يعد موسم الخريف الذي يبدأ من 21 يونيو وحتى 21 سبتمبر من كل عام موسما لا شك يستعد له الجميع على مختلف مستوياتهم وينعش المنطقة اقتصاديا بالطبع .

في كل عام أحرص على زيارة محافظة ظفار ، للاستمتاع بالموسم السياحي، عندما تشتد درجة الحرارة في باقي مناطق السلطنة لتصل أحيانا إلى ما يتجاوز ال 45 درجة مئوية ، فقد عايشت النمو السياحي الكبير بمحافظة ظفار التي يؤمها الزوار من كل مكان، خاصة الدول المجاورة، وهذا العام بالذات كان عاما استثنائيا بامتياز، من طبيعة ماطرة، وعيون كثيرة متدفقة في كل مكان، التي تشد السياح إليها، فقد كان عدد زوار الموسم السياحي بصلالة هذا العام أيضا استثنائي فقد وصل عدد الزوار إلى حوالي 800 ألف زائر حتى 28 أغسطس 2018م شكل العمانيون منهم 75%.

لو تمعنا في مصادر تعظيم الدخل من السياحة خلال هذه التظاهرة الموسمية نجد أن السلطنة تكاد لا تستفيد إلا بالقليل من هذا الموسم، لأسباب أجهلها، هنالك الكثير من المواقع السياحية التي يفترض أن يتم فرض رسوم على دخولها، والتي يمكن للسلطنة أن تستفيد منها ماليا على الأقل للمحافظة على تلك المواقع بالصورة المشرفة، والمنظمة، وبالتالي تطويرها بشكل مستمر بما يتناسب مع نمو عدد السياح إليها، فمثلا، بماذا تستفيد المحافظة من تزاحم الزوار بمركباتهم بوادي دربات؟ عدى بيع الآيس كريم والقوارب بالبحيرة؟ التي يديرها لوبي الوافدين ولا يستفيد منها المواطن بشيء، غير كفالة أولئك الوافدين إذا كان لهم كفيل أصل، وادي دربات كموقع سياحي فريد لا بد من تعظيم الفائدة منه واستثماره كموقع سياحي هام يستفاد منه ماليا لتغطية مصاريف الحفاظ على الموقع بشكل منظم ومرتب، ففي الوقت الحاضر لا أرى أي فائدة للمحافظة غير الدمار البيئي الذي يتعرض له هذا الوادي الجميل، بطبيعته التي تجذب الزوار، من مياه وشلالات، إلى طبيعة الوادي ببساطه الأخضر، فكما يعلم الجميع بأن الأماكن السياحية حول العالم لا يوجد منها أي شيء بالمجان، بما في ذلك الدخول إلى دورات المياه ، وهذا ينطبق على كل المناطق السياحية مثل زيارة الأضرحة، وكهف المرنيف بالمغسيل، وحفرة طوي عتير ... الخ. في نظري يمكن أن يتم تطبيق رسم دخول على كل مركبة تدخل الوادي مع تحديد المدة (في فصل الخريف) لتخفيف الزحام بالوادي حتى لو ريال واحد عن كل مركبة يا ترى كم ريال في اليوم سيتم تحصيله وكم ريال في الشهر وكذلك بآخر الموسم.

نأتي إلى منافسة القوى العاملة الوافدة للصناعات الحرفية، وأقصد بها على وجه التحديد سوق الحافة ذلك السوق الشعبي الذي تفوح منه رائحة البخور الظفاري، ولبان الحوجري، وكان يمتاز بباعته التقليديين العمانيين، أصبحت أعطف على أمهاتنا اللاتي نافسهن الوافدون في عيشهن ، في تجارة هي في الحقيقة موروث حضاري يجب أن يبقى حصريا للعمانيين فقط ، لا يجب أن يترك الوافدون يعبثون بهذه المهنة التقليدية وينافسون التجار العمانيون، نود أن نرى كل تلك المحلات بها عمانيون لتشكل جانبا من المقومات السياحية التي تنفرد بها محافظة ظفار حيث يحرص الزوار على زيارة السوق ويكاد من لا يزوره كأنه لم يزر صلالة، حتى لا يصبح السوق كسوق مطرح، ويجب أن تكون منافسة الوافدين على هذه التجارة خط أحمر ومن يقوم بذلك سواء كان بطريقة شرعية أو غير شرعية يرتكب جرما يعاقب عليه القانون، فلماذا نحرم أهلنا من مصدر عيش مهم ونترك الوافدين يعبثون بها، وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل في الحقيقة يدمرون تلك المهن بالغش والتدليس، وبالتالي ستنخفض سمعة هذا السوق التقليدي، كما هو الحال الآن ببيع الحلوى، وبالتالي تلك الممارسات قد تهدد سمعة ومكانة اللبان الحوجري والبخور الظفاري... الخ، والغريب أننا بالمقابل نعاني من مشكلة الباحثين عن عمل، ونرى فرص العمل يستولي علها الأجانب، أعتقد حان الوقت للاستيقاظ وإعادة النظر في هذا الأمر... لقد راقبت شخصيا نمو الأجانب بشكل مخيف بسوق الحافة وبالمقابل انحسار المواطنين عن مهنتهم الأصلية، بل لا أبالغ إذا قلت بأن العمانيين أصبحوا يعملون أحيانا مع الوافدين ليكونوا في الواجهة والوافدون هم من يملك التجارة التي توارثها الآباء من الأجداد.

لن أتكلم عن بيع جوز الهند والمشلي، لأن المزارع في الأصل قد استولى عليها الأجانب بل فئة محددة منهم، ويمكن القول دمروها أيضا، ورب قائل يقول ان العمانيين لن يمارسوا تلك الحرفة، لا بأس، ولكن لماذا نترك القوى العاملة الوافدة تسيطر على تجارة العقارات مثلا ، والباعة الجائلون ، وعلى المحلات بالمعارض، والمطاعم التي كثرت في كل ركن وزاوية من سهول صلالة، والمواطن هو المستهلك والمستفيد هو الوافد.

الموضوع ذو شجون ويطول الحديث عنه، ولكني متفائل وأشعر بأنه لا زال الخير فينا ولا بد من تنظيم هذه العملية لتعظيم الفائدة من السياحة في السلطنة تحت عنوان “السياحة تثري” أناشد كل من يعنيه هذا الأمر الإسراع في تنظيم وضبط هذه الجوانب ففرص العمل يفترض أن تكون للعمانيين وليس للوافدين الذين يحولون نحو 7 مليارات ريال عماني سنويا، أنا لا أنكر بأن الوافدين كان لهم فضل علينا في التنمية ، وسنبقى بحاجة إليهم في كثير من المهن ، ولكن في بعض الجوانب الأمور بحاجة إلى ضبط ، حتى لا تتحول كل مناطقنا كما هو الحال مع أبو مريم بمنطقة الوسطى وسيطرته على صيد وبيع الأسماك.