37777
37777
إشراقات

رسائل للمعلم والطالب والأسرة .. بمناسبة العام الدراسي الجديد

30 أغسطس 2018
30 أغسطس 2018

طلب العلم وتحقيق النجاح -

يوسف بن إبراهيم السرحني -

بداية أهنئ أبناءنا الطلبة؛ ذكورًا وإناثًا بالعام الدراسي الجديد، داعيًا الله تعالى أن يجعله عام خير وبركة، وأن يكلل جهودهم بالنجاح والتفوق. هذا. ولا ريب أن الطالب هو محور العملية التعليمية وقطب رحاها؛ فمن أجله تنشئ المؤسسات التعليمية بكل مراحلها؛ ابتداءً من الروضة مرورًا بالمدرسة وصولًا إلى الجامعة، ومن أجله يُعد المعلمون في كل التخصصات الدراسية، ومن أجله تؤلف الكتب الدراسية، ومن أجله توفر كل الإمكانات اللازمة المتاحة، وتهيئ كل التجهيزات المطلوبة الممكنة، هذا ما تقوم بها الجهات المعنية بالتربية والتعليم وما تؤديه الجهات المسؤولة عن العملية التربوية التعليمية، أمَّا عن دور الأسرة، فدورها معروف، وهو دور ضروري ومحوري، هو دور مكمل ومعزز وداعم لدور المدرسة، فالأسرة توفر لأبنائها الجو الملائم لتحصيل العلم والتفوق؛ إذ تفرغهم للدراسة وترعاهم وتعتني بهم، وتوفر لهم ما يلزمهم لمواصلة دراستهم.

فيا ترى بم يقابل الطالب كل هذا؟ بعبارة أخرى ماذا على الطالب؟

قد يقول قائل: إن هذا حق للطالب على الأسرة والدولة؟

والجواب: نعم هذا صحيح، ولكن كل حق يقابله واجب، فما واجب الطالب؟

في هذا السياق نوجه رسالة للطالب عنوانها (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) سورة الرحمن الآية «60».

على الطالب أن يستشعر قيمة الجهود التي تبذل لأجله، ويدرك قيمة ما يقدم له من رعاية وتوجيه، وما يوفر له من مستلزمات وإمكانات، فإذا ما أدرك الطالب هذا الجهد، واستشعر قيمته، فإنه لا ريب سيدرك رسالته، وما الذي يتوجب عليه، وسيقوم بدوره المرجو منه، وسيؤدي ما يتوجب عليه، كل هذا يتمثل في تحصيله العلمي، من هنا يجب على الطالب أن يدرك أن نيل العلم وتحصيله، وأن تحقق النجاح في الدراسة والتفوق فيها إنما يتحقق بالأخذ بالأسباب واستخدام الوسائل بعد توفيق الله تعالى، في هذا السياق يقول الإمام الدين السالمي رحمه الله تعالى في «جوهر النظام - باب العلم»:

العلم إلهام من الحميد .......في مذهب الشيخ أبي سعيد

وعنده التعليم كالنبات ..... للنخل للتلقيح والثباث

وخالف الشيخ أبو محمد ..... فقال بالجد ينال فاجهد

ولا أرى الخلاف في ذا الباب ...... يفضي لغير اللفظ والخطاب

فليس للجد بنفسه أثر ...... من غير توفيق وإلهام صدر

ولم يك الإلهام دون كد ..... في الشرع ينفعن لمستعد

فكل واحد من الشيخين .... جاء بوجه وهو ذو وجهين

وإن نقل خلافهم فيم الأهم .... من ذين فالأهم إلهام الحكم

كم قد رأينا من فتى مجتهد ..... وهو بباب منه لما يسعد

وآخر لم يقر إلا البعضا ...... وهو يفض المشكلات فضا

ويقول أيضًا:

لا يورث العلم من الأعمام ...... ولا يُرى بالليل في المنام

لكنه يحصل بالتكرار ...... والدرس في الليل وفي النهار

مثاله كشجرة في النفس ...... وسقيها بالدرس بعد الغرس

يدركه من كد فيه نفسه ...... حياته ثم أطال درسه

مزاحمًا أهل العلوم بالرُكب ...... وطالبًا لنيله كل الطلب

فعلى الطالب أن يدرك أن العلم لا يورث من قريب، ولا يُهدى من حبيب، ولا يعرض في الأسواق، ولا يباع في المحلات التجارية، ولا يرى في المنام، ولا ينال بالإهمال، وإنما يحصل بعد الإخلاص لله تعالى بالجد والاجتهاد، وبالدارسة والمذاكرة، وبالمطالعة وملازمة العلماء، وبالقراءة والبحث، وبالمشاركة في المناقشة والحوار، وبالحرص والمواظبة، وعلى الطالب ان يؤدي واجباته المنزلية أولًا بأول، وعليه أن يسأل فيما أشكل عليه ولا يتردد في ذلك، فالسؤال نصف العلم، يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى:

واسأل أهل العلم فالسؤال ...... نصف العلوم هكذا يقال

يقول الإمام الشافعي:

أخي لن تنالَ العلمَ إلا بستةٍ ...... سأنبيك عن تفصيلها ببيان

ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبُلغةٌ ...... وصحبةُ أستاذٍ وطولُ زمانِ

وعلى طالب العلم أن يسأل ليتعلم؛ متصفًا بالتواضع. مبديًا ضعفه، معترفًا بجهله، فقد حفظ الشيخ الوضاح بن عقبة عن أبي علي الشيخ موسى بن علي رحمهم الله تعالى أنه قال: «العالم يسأل مسألة الجاهل، ويحفظ حفظ العاقل» المصدر: الكندي: المصنف ج1ص80.

وقد قال الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى في جوهر النظام، باب العلم:

من أدب السؤال للعفيف ...... أن يسأل العالمُ كالضعيف

يقول أبو عبد الله الشيخ محمد بن محبوب -رحمه الله تعالى- مبينًا مراحل العلم: «أول العلم الصمت، والثاني الاستماع، والثالث الحفظ، والرابع نشره» المصدر: الإيضاح في الأحكام ج1 ص12.

وعليه فإنه يراد بالصمت في عبارة الشيخ التفرغ الكامل للعلم، بمعنى من أراد تحصيل العلم والرسوخ فيه فعليه بالتفرغ الكامل لطلبه وتحصيله، فمن تفرغ للعلم جمع ما لم يجمعه غيره؛ لذا فإن من أراد العلم فلا يشتغل بغيره، ولا يشغل قلبه بسواه، ومعنى الاستماع؛ الانتباه والتركيز، وهذا أدعى إلى الفهم والاستيعاب والمناقشة؛ بقصد التوضيح والاستزادة، ومعنى الحفظ؛ التوثيق، ويتم توثيق العلم بحفظه في الصدور عن ظهر غيب، وبتدوينه في السطور كتابةً بالقلم، وتسجيله صوتيًا في الأدوات الحديثة، ومعنى نشره أي تعليمه للآخرين وإيصاله إليهم، ويكون تعليمه للآخرين بالفعل والقول. والفعل أبلغ أثرًا من القول، فعلى الإنسان أن يكون عاملًا بعلمه حتى لا يكون علمه حجةً عليه. يروى عن القاضي أبي محمد نجاد بن موسى –رحمه الله تعالى- أنه كان يقول: «أما إنا لا نقول: لا نعلم فنكفر- أي نعصي- أو فنجحد نعمة الله علينا، ولكنا نقول: إنا ضعفاء، وإن الله تعالى قد علمنا من العلم ما إن لم نعمل به لكان حجةً علينا» المصدر: الكندي: كتاب الاهتداء والمنتخب من سير الرسول وأئمة وعلماء عمان ص193.

فعلى الطالب أن يسعى دائمًا جادًا في طلب العلم والاستزادة منه، فالعلم بحر لا ساحل له، ولا حد له، ولا نهاية له، فمن علم شيئًا غابت عنه أشياء، يقول تعالى: (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) سورة الإسراء الآية «85» ويقول الله تعالى آمرًا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أمر لنا نحن المسلمين: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) سورة طه الآية»14».

والعلم في الإسلام ليس مقتصرًا على علوم الشريعة فحسب، فليس في الإسلام علم ديني، وآخر دنيوي، كما هو عند الغرب، إذ ليس في القرآن الكريم آية واحدة، ولا في السنة المطهرة حديث واحد في تقسيم العلم إلى قسمين، بل العلم في الإسلام هو كل علم ينفي عن الإنسان الجهل، ويرفع قدره، ويعلي مكانته، ويزكي أخلاقه، ويحقق له السعادة في الدارين، كل علم ينير الطريق، ويكشف حقائق الوجود، ويظهر أسرار الكون، ويزيد الخشية من الله تعالى، ويدفع عجلة التقدم والتنمية إلى الأمام، ويسهم في تحقيق الرفاهية والازدهار في الحياة، وعليه فإن العلم في الإسلام هو العلم النافع بمفهومه العام الواسع نظريًا كان أو تطبيقيًا. إنسانيًا كان أو تجريبيًا، والعلوم كلها نافعة إلا ما نهى عنه الشرع، كتعلم الكهانة والتنجيم والسحر. في هذا يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى:

العلم درك القلب مثل البصر .... يكون درك العين عند النظر

وهو على الإطلاق محمودُ لما ...... جاء من الثناء فيه فاعلما

ولا يذم أبدًا وإنما ...... يذم ما كان شبيهًا بالعمى

وفي السياق ذاته يقول العلاَّمة الرباني أبو مسلم البهلاني رحمه الله تعالى:

ولا تقولنَّ علمٌ ليس ينفعني ..... بكلِ علمٍ يعيشُ المرءُ منتفعا

فاطلبْ وأطلقْ بلا قيدٍ ولا حرجٍ .... وقفْ إذا كان عنه الشرعُ قد منعا

نعم؛ العلوم تتفاوت من حيث المراتب والدرجات والأهمية، فأعلاها وأشرفا وأهمها على الاطلاق هو علم الشريعة، فهو أول علم يجب أن يتعلمه الإنسان. لا أقول: إنه يجب على كل مسلم أن يكون مختصًا في علوم الشريعة، ومتبحرًا فيها، فذلك لا يتأتى، ولكن أقول يجب على كل مسلم أن يتعلم من الشريعة القدر الكافي لنجاته وسعادته في الدنيا والآخرة، فإذا أشكل عليه أمر، أو خفيت عليه مسألة فعليه أن يسأل العلماء المختصين المتبحرين في علوم الشريعة، فللشريعة الإسلامية علماؤها ورجالاتها، يقول تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) سورة الأنبياء الآية «7».

وفي الختام على الطالب أن يحترم معلميه كاحترام أبيه، فالمعلم هو الأب الروحي للطالب، بل وعليه أن يحترم ويقدر كل من يعمل بمؤسسته التعليمية من معلمين وإداريين وموظفين وعاملين فهم جميعًا في خدمته، وعينوا لأجله.

يقول أحمد شوقي:

قُـم لِـلـمُـعَـلِّمِ وَفِّه التبّجيلا ...... كـادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا

أَعَـلِـمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي ... يَـبـنـي وَيُـنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا

وعلى الطالب أن يكون متحليًا بمكارم الأخلاق ومحاسن الفضائل، متصفًا بجميل الخصال وحميد الصفات؛ إذ الإنسان بأخلاقه الكريمة يسمو ويرقى، ويعلو ويرتقي، ويتميز ويرتفع، وبها يُذكر وعليها يشكر، وبها يوصف وينعت، وبها يُحب ويؤلف، وبها يؤتمن ويوثق به، والإنسان بأخلاقه الكريمة يكون مصدر خير ونفع، وينبوع فضيلة وصلاح لنفسه وأسرته، ولمجتمعه ووطنه، ولأمته وللإنسانية كلها.