أفكار وآراء

تدهور حظوظ أبناء الطبقة الوسطى

26 أغسطس 2018
26 أغسطس 2018

روبرت سامويلسون- واشنطن بوست - ترجمة قاسم مكي -

من المسلمات المفروغ منها لدى أمريكيين عديدين أن كل جيل قادم يعيش حياة أفضل من الجيل السابق له. فعوامل من شاكلة التقنيات الجديدة وتحسن الكفاءة في أداء الأعمال وشيوع روح القدرة على فعل الأشياء(التغلب على الصعاب) تكافئنا بالمزيد من التحسن في مستوياتنا المعيشية. ربما تكون هنالك عثرات بين الفينة والأخرى. لكن مسارنا في الأجل الطويل يمضي دائما إلى أعلى. وأبناء الشريحة العليا من الطبقة الوسطى الحالية هم الأوفر حظا بمستقبل الوفرة هذا. إنهم يتمتعون بكل الميزات من آباء يولونهم كل الاهتمام إلى مدارس جيدة وتعليم جامعي وعلاقات مفيدة في سوق الوظائف. هذه هي الفكرة السائدة لدى الناس. لكن علينا التخلي عنها. فإذا كنت أحد الآباء من هذه الشريحة الاجتماعية كما هي حالي لصار لزاما عليك الانتباه إلى أن العالم الحقيقي لايتقيد بالنص(الفكرة المفترضة). فوسط العديد من الأمريكيين يوجد حَرَاك اجتماعي إلى الأسفل. إن الأبناء لايحققون توقعاتهم أو توقعات آبائهم. وحتى عندما تكون لديهم مكاسب وهذا صحيح قد تتلاشى وتضمحل هذه المكاسب في المستقبل. ذلك أن مسار حياتهم (وضعهم المعيشي) ليس من المحتم أن يكون متجها إلى أعلى. ويشعر الآباء بالقلق من مصير أبنائهم. يعكس هذا الوضع جزئيا ذكرى الانكماش العظيم (2007-2009) والخسائر الهائلة في الوظائف التي نجمت عنه. لكنه يزيد عن كونه كذلك. فأداء العديدين من الشباب الأمريكيين أسوأ مقارنة بأداء كبارهم. إنه يتراجع على الرغم من متانة اقتصاد اليوم. نحن نعلم هذا من دراسة هامة للإقتصادي راج شيتي وزملائه من جامعات ستانفورد وهارفارد وكاليفورنيا في بركلي. تمكن هؤلاء الباحثون من خلال دمج قواعد بيانات متنوعة (بعد حذف الأسماء والهويات منها) قياس الدخول العائلية للأبناء والآباء قبل سداد الضريبة وهم في سن الثلاثين. والنتائج التي توصلوا إليها مثيرة. فحوالي 90% من الأبناء المولودين في عام 1940 حصلوا على دخول تجاوزت في النهاية دخول آبائهم. هذا يعني أن ذلك حدث لهم كلهم تقريبا. وذلك شيء معقول. فمواليد عام 1940 تأثروا بالكساد العظيم في أعوام الثلاثينات (الذي قلص الدخول) وكذلك الازدهار الاقتصادي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية (ورفع الدخول.) لكن من ولدوا في عام 1970 حصلت نسبة 61% منهم فقط على دخول تزيد عن دخول آبائهم. أما نسبتهم بين من ولدوا في عام 1980 فكانت 50% فقط. هذا تغيير ضخم ويوحي بأننا بلغنا سلفا اللحظة التي لن يحظى فيها العديدون من الشباب الأمريكيين أبناء الجيل الحالي والجيل القادم بنفس المستوى المعيشي لأسلافهم. من المؤكد أن ذلك سيكون كذلك إذا استمرت اتجاهات الدخول الحالية. ويمكن أن نرى النتائج وسط جيل الألفية. وهم أولئك الذين ولدوا في الفترة من عام 1981 إلى عام 1996. لقد أجبرتهم دخولهم المتقلصة على إعادة ترتيب أمور حياتهم. فهم يتأخرون في الزواج وفي شراء بيوتهم وفي الإنجاب. ولكي يدخروا المال فإنهم يقيمون مع آبائهم لفترة أطول. وماهو مفاجىء أيضا أن أكبر الخاسرين هم، كما يبدو، أبناء الطبقتين الوسطى الدنيا والوسطى العليا. وهؤلاء بالضبط هم أولئك الذين يفترض أنهم الأكثر تمتعا بالحماية من التحولات غير المواتية، بحسب دراسة جديدة أعدها ريتشارد ريفز وكاثرين جايو من معهد بروكنجز. جاء في تقريرهما أن النجاح الاقتصادي لأناس عديدين لايعني أن يكون أداء الابن أفضل من أداء الأب. إذ يبدو أن مثل هذا (التفوق) في الأداء صار أصعب منالا بالنسبة لأولئك الذين ولدوا لعائلات من الطبقة الوسطى، خصوصا ابتداءا من عام 1950. وتفسير الباحثين لذلك بسيط. فمن ينتمون للشريحتين العليا والوسطى من الطبقة الوسطى لديهم الكثير الذي يمكن أن يفقدوه قياسا بالفقراء مثلا. إذ لايمكن أن تتدنى دخول الفقراء كثيرا. بل بحصول أبنائهم على مكاسب قليلة سيكون في مقدور هؤلاء الأبناء أن يتفوقوا حقا على آبائهم. والنتيجة أنه كلما كانت دخول الآباء أكثر ارتفاعا كلما قل احتمال أن يضارعهم أبناؤهم. وتقول الاقتصادية أبارنا ماثور من معهد أمريكان انتربرايز انستيتيوت هذا صحيح حتى عند أغنى 1% من العائلات الأمريكية. فهي ترى أن الأبناء الذين ولدوا في عام 1980 في هذه الفئة من العائلات الغنية (أغنى 1%) لديهم فرصة بنسبة 1% كي يكونوا من بين أغنى 1%. لايعنى هذا بالطبع أنهم سيكونون فقراء ولكن فقط أنه ستكون لديهم دخول أقل من دخول آبائهم. ونفس الشيء ينطبق على الشريحتين العليا والوسطى من الطبقة الوسطى. إن السبب وراء ضعف الدخول حكاية متشابكة من العوامل المعتادة مثل ضعف مستوى المدارس التي تنتج أيدي عاملة ضعيفة القدرات وعدم المساواة في الدخول الذي يخنق الاستهلاك وضعف تشييد المساكن وعدم كفاية الابتكار والإفراط في تطبيق الإجراءات التنظيمية. ومع وجود هذه الكثرة من المصادر المربكة من الصعب إعداد برنامج يمكنه أن يغير تلقائيا من الوجهة الحالية لأوضاع الدخول على الرغم من أن الرئيس ترامب يقول أنه يحاول ذلك. كما من الصحيح أيضا، كما تنوه ماثور، عدم افتراض الصحة المطلقة لبيانات الدراسة. فبعض الدخول لم يتم التحقق من دقتها على نحو كاف في التقرير لأنها تستبعد المزايا الجانبية (التأمين الصحي على حساب الجهة المشغلة) أو الفوائد الحكومية المدفوعة عينا ( مثل طوابع الطعام أو العون الصحي.) أيضا تجاهل التقرير الضرائب. كما أن سن الثلاثين ربما أصغر من أن تلائم أغراض المقارنة بين الأجيال. كذلك لم يتم تعديل أرقام الدخل لوضع اعتبار للحجم المتقلص للعائلة. وربما توجد أسباب أخرى لتأخر سن الزواج. لكن الإتجاهات العامة التي رسمتها الدراسة تبدو موثوقة. والمفارقة واضحة. فبصرف النظر عن قوة الاقتصاد في الوقت الحاضر هنالك قلق حول المستقبل. فالناس يتساوون باطراد في الإحساس بالانزعاج من مآلات أوضاعهم الاقتصادية. إن الفقراء قلقون من البقاء في حال الفقر وأفراد الطبقة الوسطى الدنيا يخشون من عدم قدرتهم على سداد فواتير استهلاكهم أو فقدان وظائفهم. والآن انضم آباء الطبقة الوسطى العليا إلى جوقة المنزعجين الذين كثيرا ما يقاس يُسْر أوضاعهم بحُسْن أداء أبنائهم. وهذا ما يشكل لهم مصدر تعاسة لايزول.