أفكار وآراء

مكاسب الاقتصاد العماني من عمل المرأة والشباب

18 أغسطس 2018
18 أغسطس 2018

محمد إسماعيل -

إنجازات كبيرة وطفرات هائلة حققها اقتصاد سلطنة عمان خلال العشر سنوات الأخيرة بفضل مشاركة المرأة والشباب في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقيادة قاطرتها، ويكاد لا يخلو قطاع من قطاعات الإنتاج المختلفة سواء القطاع المصرفي أو التجاري أو السياحي أو الصناعي أو الاتصالات أو النقل أو الزراعة أو سوق الأوراق المالية أو التأمين أو المقاولات وغيرها، والتي تساهم بشكل فعال في تنمية الموارد الاقتصادية للسلطنة من جهود المرأة والشباب سواء في القطاع الرسمي الحكومي أو الخاص، كما أن المناصب القيادية لم تعد حكرا على الرجال، بل بتنا نرى ونسمع عن الكثير من النساء العاملات والشباب يتصدرون المشهد في المناصب القيادية ومواقع صنع القرار في الكثير من المؤسسات الاقتصادية التي تزيد من تنافسية الاقتصاد العماني، وتعد مشاركة المرأة والشباب بمختلف أوجه العمل والنشاطات، من أهم مظاهر الحياة العصرية التي تشهدها سلطنة عمان، حيث أثبتت المرأة والشباب وجودهم في سوق العمل ودخلوا مجالات عمل عديدة، وبنسب تواجد متفاوتة تختلف بحسب نوع وشكل القطاع ومتطلباته.

والمؤكد أن رعاية ودعم الحكومة العمانية بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - للمرأة والشباب وتذليل جميع العقبات والعراقيل أمامهم، وبذل كافة الجهود وإصدار القوانين والتشريعات الرامية إلى تعزيز مناخ الأعمال في البلاد، أوصلتهم لمرحلة التمكين والإبداع في كافة المجالات داخل المؤسسات الاقتصادية المختلفة ، ودفعتهم لتولي المناصب القيادية المؤثرة، والاستثمار في تعليمهم وتدريبهم وتثقيفهم وإكسابهم المعارف اللازمة لقيادة قاطرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بدأت تؤتي ثمارها بالفعل، حيث من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي العماني بنسبة 5.2 بالمائة في العام الجاري، وأن الجهود الحكومية الرامية إلى تنمية الموارد البشرية وعلي رأسها المرأة والشباب ومشاركتهم في تنويع مصادر الدخل في السلطنة وزيادة التطوير والتحفيز قد دفعت إلى تحقيق نمو إيجابي، وأن هذا النمو القوي ساعد في زيادة دخل الفرد والأسرة وخلق المزيد من فرص العمل، وساهم بشكل أكثر فعالية في قوة وحيوية الاقتصاد العماني وقدرته على الاستجابة لمختلف التطورات، وأيضا على التفاعل مع تقلبات الأسواق العالمية وانخفاض أسعار النفط.

واللافت للنظر أنه منذ التسعينات اتخذت الحكومة الكثير من الإجراءات والتشريعات، وخصوصا تحقيق المساواة بين الجنسين والتي ساعدت المرأة والشباب على الانخراط في سوق العمل بعد أن كانت مشاركتهم ضئيلة ، وأصبح لهم دور مهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وزادت معدلات مشاركة المرأة في الاقتصاد العماني من 8.6 في المائة عام 1993 إلى 29.6 في المائة في عام 2011، كما أن النساء العاملات سجلن رقما قياسيا في قطاعات العمل خلال العام 2018.

وأفاد تقرير بعنوان « المرأة العمانية شراكة وتنمية» صادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن هناك 41 بالمائة من الإناث موظفات في القطاع الحكومي مقابل 59 % من الذكور، وتبلغ نسبة الإناث العاملات في القطاع الخاص 23 بالمائة من إجمالي العاملين، وشكلت الإناث النسبة الأعلى في قطاع التربية والتعليم حيث بلغت نسبتهن 28 % مقابل 19 % من الذكور من إجمالي موظفي الخدمة المدنية في الوحدات الحكومية، وأن 89 بالمائة من العاملين في الصناعات الحرفية هن نساء مقابل 11 % هم الرجال، وأن نسبة النساء شاغلات وظائف الإدارة العليا والوسطى والمباشرة بلغت 22 بالمائة، وتكمن أسباب الزيادة في تحسن مستوى التعليم وفرص التدريب والرغبة في زيادة الدخل وتحسين المستوي الاجتماعي للأسرة، وتغيير المواقف والعادات والتقاليد الاجتماعية التي كانت تقف حجرة عثرة في سبيل انخراط المرأة في سوق العمل والمساهمة في تنمية وتعزيز اقتصاد السلطنة، وتعمل أكثر من ثلثي النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين الــ 21 إلى 31 بقطاعات الوساطة المالية وشركات السياحة والبنوك والاتصالات، وتفضل المرأة العمانية العمل بقطاع التعليم والصحة، ولقد حصلت على العديد من المناصب القيادية، ومساهمة المرأة في التنمية الاقتصادية عكس تقدم المجتمع العماني ونهضته في المجالات المختلفة، وبأن المرأة أصبحت شريكا للرجل في المسؤوليات والواجبات.

وتؤكد دراسة أجرتها منظمة المرأة العربية عن سلطنة عمان أن من ثمار الجهود المخلصة التي بذلتها الحكومة العمانية زادت مشاركة المرأة في كافة المجالات وبالذات في النشاطات الاقتصادية العامة (الحكومية) والخاصة، فقد تمكنت المرأة من اختصار الزمن وتحدي كافة الصعوبات حتى أصبحت حاضرة في كافة الأنشطة الاقتصادية، وأن مشاركة المرأة تتركز في المهن الفنية والاختصاصية ومهن الكتابة والخدمات، ويتركز في بعض النشاطات الاقتصادية المعروفة تقليديا بتفضيل المرأة لها والتي من أهمها التعليم والصحة والعمل الاجتماعي والإدارة العامة، وأما من حيث طبيعة القطاع الاقتصادي الذي تعمل فيه المرأة فتشير البيانات، الى أن غالبية الإناث في عمان يعملن في القطاع العام (الحكومي) ويأتي القطاع الخاص في المرتبة الثانية ويليه القطاع العائلي والأهلي، وأن أغلبية العاملين العمانيين، وبالذات الإناث، يعملون بأجر، أي أن نسبة أصحاب الأعمال (الذين يملكون المؤسسات) وكذلك الذين يعملون لحسابهم الخاص قليلة نسبيا .

لقد تمكنت سلطنة عمان من تحقيق إنجازات مشهودة في سبيل النهوض بالمرأة والشباب في شتى المجالات وخصوصا في مجال التنمية الاقتصادية وإفساح المجال أمامهم في توظيف قدراتهم البشرية في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتبذل حكومة السلطنة كافة الجهود التي ترمي لتطويرهم وتدريبهم وتثقيفهم وإكسابهم المعارف والعلوم التي تمكنهم من قيادة قاطرة التنمية الاقتصادية، ولكن مسؤولية تنمية قدرات المرأة والشباب وجعلهم مساهمين إيجابيا في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تقع على عاتق الحكومة فقط بل يتحمل جزءا كبيرا منها المرأة والشباب أنفسهم.

ولقد اتخذت سلطنة عمان الكثير من الخطوات الإيجابية في سبيل تمكين المرأة والشباب للمساهمة بفاعلية في عناصر الاقتصاد كمنتجين ومسوقين وأصحاب أعمال، ويأتي على رأسها تعزيز حقوق المرأة والشباب الاقتصادية واستقلالهم الاقتصادي بما في ذلك حصولهم على فرص العمل وظروف الاستخدام الملائمة والسيطرة على الموارد الاقتصادية، إضافة إلى تسهيل سبل وصول المرأة والشباب على قدم المساواة إلى الموارد والعمل والأسواق والتجارة، علاوة على توفير الخدمات التجارية والتدريب وسبل الوصول إلي الأسواق والمعلومات والتكنولوجيا للمرأة والشباب، إلي جانب تعزيز القدرة الاقتصادية للمرأة والشباب، وذلك من أولويات خطط التنمية في السلطنة.

ومع المكتسبات الملحوظة التي حققتها المرأة في السلطنة، لم تعد الفرص الاقتصادية المتوافرة لها أقل من قدرتها، بل تتناسب مع تلك القدرات وتدعمها، غير أنه لا يزال هناك ثغرات مهمة بين النساء والرجال في سوق العمل، فمشاركة المرأة في القوى العاملة لا تزال أقل من مشاركة الرجل، ولا تزال السلطنة تشهد اهتماما كبيرا بتمكين المرأة والشباب من سوق العمل، حيث يمثل المرأة والشباب عاملا مهما في تطوير جميع قطاعات الاقتصاد الوطني، فهم الجيل المتعلم المتمتع بوتيرة عالية في معدلات الالتحاق بالتعليم، وانخفاض معدلات الأمية، ومن ثم فهم أكثر القوى المؤثرة في سوق العمل، وأكثر فئات المجتمع رغبة في التجديد واستيعاب المتغيرات، وأكثرها قدرة على التفاعل والاستجابة لمخرجات عملية التطور والتقدم العلمي والتقني بيد أن هذه الطاقة تبقى كامنة، ما لم ينجح المجتمع العماني في إيجاد البيئة المساعدة للاستفادة منها من خلال السياسات والبرامج المناسبة.