أفكار وآراء

كيف تستطيع الصين الفوز بالحرب التجارية؟

15 أغسطس 2018
15 أغسطس 2018

ميري لوفلي - نيويورك تايمز -

بادرت الولايات المتحدة الأمريكية لإلحاق المزيد من الضرر بالصين، بادرت خلال الأيام الماضية برفع وتيرة التصعيد في الحرب التجارية. فقد توعّدت أمريكا بأن الجولة التالية التي تستهدف رفع الرسوم الجمركية على ما قيمته (200) مليار دولار من الواردات القادمة من الصين ستكون بمعدّل 25% بدلاً من الـ 10% المعلنة سابقاً . الرئيس ترامب يؤكد لمسانديه أن المزيد من الرسوم الجمركية يعني «المزيد من الوظائف والمزيد من الثراء».

إذا كانت الوظائف والثراء هما معايير «الفوز بالحرب التجارية» فإن الصين وليس أمريكا هي التي ستكون الفائز. لن تفوز الصين لكونها الدولة التي يحكمها الحزب الواحد (بالرغم من أن فوزها سيساعد الرئيس «تشي جينبينج» في مواجهة الصعوبات المناخية التي تحل ببلاده جراء التوترات التي تتسبب فيها الحرب التجارية) ، لكن الصين ستفوز لأنها تلعب اللعبة بمهارة أكثر . الرسوم الجمركية المفروضة بواسطة الولايات المتحدة سرعان ما تتحملها الشركات الأمريكية والمستهلكون ، بينما الصين سترد على الإجراءات الأمريكية بإجراءات تخفف الضربة على الشركات العاملة في الصين بما فيها الشركات المملوكة لأجانب.

لكن للفوز في الحرب التجارية على الولايات المتحدة حق فرض رسوم جمركية بالغة التأثير لإلحاق الضرر بالاقتصاد الصيني لدرجة تُرغم رؤساء الصين على تحسين معاملة الملكية الفكرية الأمريكية ، وقد كان هذا مطلباً لطالما نادى به المفاوضون القائمون على التجارة الأمريكية. إن الصحة التي يتمتّع بها الاقتصاد الصيني تعتمد على التصدير للولايات المتحدة ، وعليه يقول المنطق ان الحكومة الصينية ستبني استراتيجيتها على شدّة الطلب الأمريكي.

لكن من المؤكد أن هذه الاستراتيجية ستنقلب على صاحبها، وذلك للأسباب التالية:

أولاً: ان حوالي 60% من الصادرات الصينية للولايات المتحدة تنتجها مصانع تملكها شركات مملوكة لأجانب، والكثير من هذه الشركات تصنع منتجات مصممة لتلبية طلب شركات الصناعة الأمريكية، وهذه المنتجات من أمثال قطع توزيع بيانات الإنترنت (كمبيوتر روتر) للحواسب الآلية ، وتركيبات شاشات العرض ذات الإضاءة الإلكترونية (ال.ئي.دي)، ومحركات القوارب. وهذا يعني أن الرسوم الجمركية التي تفرضها إدارة ترامب على الصين تؤثر بشكل مباشر على الشركات الأمريكية (والأوروبية) التي تمتلك مصانع في الصين.

ثانياً ، لا يمكن للشركات التصرّف فوراً مع هذه الرسوم بنقل عملياتها سريعاً خارج الصين، فبدلاً من ذلك ستمتص الرسوم على الواردات أو تحولها للمستهلكين الأمريكيين في شكل زيادة أسعار، هذا الإجراء بدأ بالفعل يأخذ مجراه، حيث ان زيادة التعرفة الجمركية بنسبة 20%، التي فُرضت في شهر فبراير الماضي، تبعتها زيادة أسعار على المستهلكين بنسبة 16.4% على المنتجات المتأثرة وارداتها بزيادة التعرفة؛ وعليه فإن معظم الإيراد الذي تجلبه الرسوم الجمركية في الواقع يخرج من جيوب المستهلكين الأمريكيين.

الجدير بالذكر أن انخفاض الطلب الأمريكي على المنتجات الصينية سيؤذي الصين . فواردات المنتجات التجارية القادمة لأمريكا من الصين تمثل 3% من إيراد التصنيع الصيني، هذا مجال كبير كفاية لإلحاق بعض الضرر (على الاقتصاد الصيني) عند زيادة الرسوم الجمركية لكنه ليس كارثياً.

ثالثاً: الكثير من الواردات القادمة لأمريكا من الصين تحتوي على منتجات يمكن تصنيعها في مواقع أخرى في العالم بما في ذلك أمريكا نفسها من أمثال هذه المنتجات بعض أجزاء «الآيفون» التي يمكن الحصول عليها في كوريا الجنوبية والشرائح التي يمكن الحصول عليها من اليابان والتصميم والبرمجة من أمريكا، لكن من الملاحظ أنه بينما تتصاعد وتيرة الحرب التجارية تبدو الصين ملتزمة بتعميق التزامها تجاه خطوط الإمداد العالمية . هذا عكس ما تفعله إدارة ترامب التي تبدو مصرّة على عزل جهات التصنيع الأمريكية.

على سبيل المثال، في تصديها لأول رسوم مضادة تجنبت الصين ضرب الواردات التي تغذي مصانعها المملوكة لأجانب . هذا يساعد في تخفيف الضغط على جهات التصنيع الصينية والمستثمرين الأجانب وتجنيبهم أثر الحرب التجارية. في أواخر يونيو سهّلت الصين للمستثمرين الأجانب آلية الدخول في مجالات الصيرفة والزراعة والصناعة الثقيلة . بعد الإعلان عن المزيد من الرسوم ، أبقت الصين على قرارها بـ « مزيد من الانفتاح الاقتصادي». شركة تيلسا أصبحت مؤخراً أول شركة تصنيع مركبات أجنبية في الصين تحصل على الموافقة للعمل دون شريك محلي، علاوة على صفقة للحصول على مصنع مملوك لها بالكامل في شنغهاي لإنتاج المركبات. هذه التحركات ترسل رسالة قوية للمستثمرين فحواها أن الصين تظل ملتزمة تجاه شركائها الدوليين، حتى في خضم الحرب التجارية.

يجدر التأكيد على أن الصين ما زالت تمارس سياسات تهدم مبدأ العدالة في النظام التجاري العالمي. الصين فشلت مثلاً في الوفاء بالتزاماتها بفتح قطاعات معيّنة لمشاركة المستثمرين الأجانب . كما أن الصين تستمر في تقديم الدعم للصناعات الثقيلة التي تغرق بها الأسواق في الدول الأخرى ، محبطة الأسعار ومحدثة فقد الوظائف في تلك الدول.

الرسوم الجمركية التي تفرضها إدارة ترامب فشلت في التصدي لهذه التحديات، فبدلاً من ذلك عندما يتم تسديد الضربة القادمة من الرسوم الجمركية على الصين، سوف تواجه المنازل الأمريكية أسعاراً أعلى بالنسبة لأجهزة الحاسب الآلي والملبوسات وآلاف المنتجات الأخرى. من المستفيد من هذه الإجراءات؟ ستكون الصين ، وليس الولايات المتحدة، هي الدولة التي تحسّن وضعها في العالم كدولة قادرة على صناعة وبناء المستقبل.

(ميري لوفلي أستاذة علوم الاقتصاد في جامعة سيراكيوز وعضوة زمالة في معهد بترسون للاقتصاد العالمي، وخبيرة في مجال الحرب التجارية مع الصين)