أفكار وآراء

دور الهيئات الشرعية في تطوير الصيرفة الإسلامية بالسلطنة

15 أغسطس 2018
15 أغسطس 2018

د. عبد القادر ورسمه غالب -

بدأت تجربة الصيرفة الإسلامية، قبل فترة قصيرة، في سلطنة عمان وقام البنك المركزي العماني بمنح تراخيص لبعض البنوك الإسلامية لمباشرة العمل المصرفي مع بقية البنوك التقليدية. والعمل المصرفي في السلطنة يقوم على أسس ثابتة وقواعد متينة راسخة في الممارسات المصرفية السليمة وفق أفضل الممارسات المصرفية الدولية، والكل يشهد بهذا الصرح المصرفي ذي المسحة العمانية الأصيلة.

إن العمل المصرفي الإسلامي في كل بقاع العالم، بصفة عامة، يعتبر حديثا وفي طور النمو والتنامي والتكاثر. وكما نعلم، بدأ أول مصرف إسلامي العمل في حوالي 1970 / 1971وهذا يعتبر تاريخا حديثا نسبيا، خاصة وأن الصيرفة التقليدية بدأت قبل هذا التاريخ بما يتجاوز كثيرا المائة عام. وحتى فترة قصيرة، كان العالم لا يعتبر الصيرفة الإسلامية عملا مصرفيا بالمعنى المهني. وفي هذا أشير لما سبق أن قاله أحد محافظي بنك انجلترا السابقين حيث قال إن أي عمل يخلو من تحصيل “الفوائد” لا يعتبر عملا مصرفيا البتة. وتحصيل الفوائد محرم تماما في الصيرفة الإسلامية.

وبالطبع، فإن هذا الموقف تغير الآن تماما حيث نجد المصارف الإسلامية قائمة وتعمل في قلب المنطقة التجارية في لندن. وهذا يدلل على غزو الصيرفة الإسلامية للعواصم العالمية التي تحتضن أكبر البنوك التقليدية ذات السمعة العالية منذ القدم والتي تغطي الآفاق والعالم.

إن العمل المصرفي الإسلامي يسير بخطى واسعة وهو يزيد سنويا بنسبة عالية وهو الآن يغطي كل العالم من غربه لشرقه ومن شماله لجنوبه، والدلائل تشير إلى أنه سيستمر في الزيادة والتطور والمنافسة جنبا إلى جنب العمل المصرفي التقليدي. وللكل فإن الخيار مفتوح ومتوفر، ولكل طرف أن يذهب للتعامل مع القطاع الذي يرغب فيه والبنوك الإسلامية مفتوحة للجميع وتتعامل مع الجميع وبدون أي استثناء لمن يرغب في الاستفادة من تطبيق القواعد والمعاملات الإسلامية عبر المصارف الإسلامية.

وكما ذكرنا، فإن الصيرفة الإسلامية بدأت حديثا في سلطنة عمان، وهي بدأت لتبقى وتستمر. ومن دون شك فإن المنافسة قوية خاصة وأن المصارف التقليدية عديدة ومنتشرة منذ فترة طويلة استطاعت خلالها من التمكن في إيجاد علاقات قوية مع الزبائن والشركات العالمة في السلطنة. ولكن، ما يميز العمل المصرفي الإسلامي أن من يرغب فيه يأتي له طوعا واختيارا بالرغم من العديد من الحوافز أو الامتيازات التي قد تمنحها البنوك التقليدية الأخرى. ولكن، على المصارف الإسلامية بذل الجهد لاستقطاب الأطراف الأخرى البعيدة عن دائرة الرغبة الكامنة في التعامل مع المصارف الإسلامية.

وفي هذا الخصوص، فإن على الهيئات الشرعية العاملة في المصارف الإسلامية بذل المزيد من الجهد من أجل تطوير العمليات والمنتجات المالية الإسلامية وفتح الآفاق للمزيد من الممارسات المالية الإسلامية وتوسيع المواعين حتى تستقطب وتستوعب كل التطلعات وكل الطموحات التي يتطلع لها السوق والمستهلك والزبائن في سلطنة عمان وحواليها.

ومن المعلوم أنه يتوجب على كل مصرف إسلامي أن يعين “الهيئة الشرعية” التي تتمتع بالسلطة الفنية في إجازة واعتماد وإقرار العمليات المصرفية وأن العمل المصرفي يقوم ويتم وفق المبادئ الشرعية المستقاة من الشريعة الإسلامية الغراء. والشهادة أو الموافقة الصادرة من الهيئات الشرعية في المصارف هي التي تمنح الشرعية لعمل المصرف المعني واعتماد أنه يتم وفق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، أي أنه “حلال” شرعا ومقبول شرعا، ويأتي من يأتي وهم مطمئن بأنه يتعامل كما ورد في أحكام الشريعة الإسلامية التي يرغب فيها تقربا لربه.

وانطلاقا من هذا الدور الهام للهيئات الشرعية، فإنها تتمتع بالصلاحية الشرعية لتطوير الصيرفة الإسلامية وتوسيع دائرتها وفتح مجالاتها الجديدة. وكما هو معلوم، فإن المعاملات الشرعية واسعة ومتسعة وما زال هناك الكثير مما يمكن الاستفادة منه في زيادة وتطوير المنتجات وفتح المزيد من الآفاق للعمليات المالية الإسلامية. ولتحقيق هذا، علينا عدم الانغلاق والشريعة واسعة وبها الكثير الصالح والحلال وعلينا سبر الأغوار. وهناك حاجة ماسة تتطلب من الهيئات الشرعية تطوير إمكانياتها ومقدراتها العلمية والمهنية والعمل علي فهم المتطلبات المصرفية والمهنية ومتطلبات التجارة والحركة الاقتصادية الداخلية والخارجية حتي يكون لدى هذه الهيئات والمشايخ والفقهاء كل الخلفية المهنية الضرورية التي تمكن الجميع من المساهمة بإيجابية وفعالية في تطوير الأعمال والصيرفة الإسلامية التي ما زالت تتطلع للمزيد من أحشاء المعاملات الإسلامية السليمة وهي مليئة ومتوفرة لمن يجتهد في البحث المقرون بالاجتهاد, ولكل مجتهد نصيب.

وفي نفس الاتجاه، على مجالس الإدارة والإدارة التنفيذية في المصارف الإسلامية في سلطنة عمان الحرص على تدريب العاملين وتثقيفهم الثقافة الإسلامية الشرعية حتى يكونوا عونا ودعما للهيئات الشرعية في التطبيق الصحيح والالتزام بمنهج الشرعية الإسلامية الغراء. وكل هذا سيساهم في تقوية دعائم العمل المصرفي الإسلامي وتثبيت أركانه حتى يكون عونا وموردا إضافيا في دعم الحركة التجارية والاقتصاد العماني المتطلع للنمو والريادة. وطبعا، كل هذا في الإمكان بعزيمة الرجال وتوجيه ودعم الهيئات الشرعية للبنوك الإسلامية، وكذلك الهيئات الرقابية العليا وعلى رأسها البنك المركزي العماني وقيادته الحكيمة، ولنسير بعزم في هذا الاتجاه.

Email: [email protected]