Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ : هل الخبرة صناعة أيضا؟

14 أغسطس 2018
14 أغسطس 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يرى البعض أن الخبرة عبارة عن ممارسة متراكمة في شأن من شؤون الحياة اليومية، وهذه الممارسة هي التي تنتقل بالرؤى والأفكار من طور الخطوات الأولى المتعثرة، إلى مستوى الابتكار والوصول إلى حلول نوعية، وسهولة الوصول إلى نتائج أكثر واقعية، كما يمكن من خلالها تجاوز الكثير من الأخطاء التي من الممكن وقوعها على امتداد مسار خط سير العمل اليومي، سواء أكان هذا العمل فرديا، أو جماعيا، أو مؤسسيا، ومن هنا يقيم الأمر في شأن من ينجح، ومن يخفق في ممارسة عمل ما، متقارب الموضوع، والجهد، والإمكانيات، كمثال العمل في مقاولات البناء، أو غيرها من الأنشطة المتاحة لكثير من الناس ممارستها، فأحدهم ربما لا يكمل سنته الأولى، والثاني يواصل إلى فترات أكثر، والثالث يحقق مكاسب مضاعفة ويبقى في السوق بالمستوى نفسه وأكثر نظرا لما يحققه من خطوات متقدمة في ذات المجال.

وما ينطبق على هذا المثال ينطبق على كل الأنشطة التجارية وغيرها التي يمارسها الناس، وحتى الأنشطة الأخرى المتعلقة بالمؤسسات الخدمية في القطاع العام التي تتعامل مع جمهور عريض من الناس، لأن في كل الأحوال يجب أن تعمل كل مؤسسة على مبدأ السوق، وهو المبدأ القائم على الربح والخسارة، وهذا المبدأ لا يتعلق فقط بالمؤسسة التجارية الصرفة، وإنما يقتضي الفهم هنا- وفق هذه الرؤية- أن يسود حتى في المؤسسات الرسمية في القطاع العام، لأنه المبدأ الموكول إليه نجاح المؤسسة من عدمه، ومسألة العقد الاجتماعي، وهو المفهوم غير القائم على الربح والخسارة يجب أن يسود أكثر في مؤسسات المجتمع المدني فقط. ولذلك يشاد دائما ببيئات العمل في القطاع الخاص، لأن هذا القطاع قائم عمله على مبدأ الربح والخسارة، بعكس القطاع العام القائم عمله على مبدأ العقد الاجتماعي، ولذلك يقال دائما بأن الحكومة «أم الجميع» وهذه إشكالية موضوعية في العلاقة بين الموظف ومؤسسته في هذا القطاع، ولذلك نرى أن الخبرات متراكمة في من يعملون في هذا القطاع تظل خبرات كامنة «متموضعة» تحتاج إلى كثير من المحفزات لاستثارتها، ووجود أثرها على الواقع، ومن هنا تجد الفرق واضحا بين موظفين عمل أحدهما في القطاع العام، ولنفترض (عشرين عاما) وموظف آخر عمل في القطاع الخاص الفترة نفسها، فالفروقات تجدها في المستوى الفني، ومستوى الابتكار والبحث عن حلول، واستشراف الرؤى، والحيلولة دون وقوع أخطاء فادحة.

يذهب الطرح هنا أكثر في أثر سنوات الخبرة العملية في الحد من الوقوع في الأخطاء، وعدم تكرارها بصورة مطلقة، ربما قد يعلل البعض ذلك إلى أن هناك ظروفا تستجد بصورة مفاجئة، وهي ظروف؛ ربما تحدث أول مرة؛ ولكن أقول إن الخبرة المتحصلة من مدة زمنية تتجاوز السنوات العشر- مثلا- لا يمكن أن تصطدم بظروف تعيشها أول مرة، ومن هنا نستغرب حقا عندما نرى ونسمع عن أخطاء متكررة في حملات الحج على سبيل المثال، ومن مقاولين لهم باع طويل في العمل ذاته، أو من المكاتب التي تسير رحلات في الجانب السياحي، واستحضر هنا هذين المثلين لارتباطهما بالآخر من خارج السلطنة، ربما تكون حالة المفاجآت فيها أكثر، لأن الممارسة الطويلة في العمل ذاته، ومعايشة ظروف مختلفة كثيرة، ومفاجآت أكثر لن تكون في موسم واحد، وبالتالي لا يوجد مبرر لحدوث تكرار أخطاء في السياق نفسه، ومن هنا تتزاحم الأسئلة عن السر الخفي في حدوث الخطأ في كل مرة، مما يؤزم العلاقة بين المؤسسة وزبائنها من الجمهور الكبير.

هل الخبرة صناعة أيضا؟ نعم؛ وصناعتها التجربة والممارسة الطويلة، ولكن هذه الخبرة تظل معابة في حالة عدم قدرة مكتسبها على تجاوز الأخطاء في الأوقات الحرجة.