أفكار وآراء

مبادرة «الحزام والطريق».. آفاق كبيرة ورياح معاكسة !!

01 أغسطس 2018
01 أغسطس 2018

عبد العزيز محمود -

منذ الإعلان عن مبادرة (الحزام والطريق) قبل خمس سنوات، ومليارات الدولارات تتدفق من الصين على آسيا وإفريقيا وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط لتمويل مشروعات البنية الأساسية، وسط جدل حول الهدف من المبادرة وهل هو اقتصادي لتحقيق مصالح متبادلة أم سياسي لإقامة نظام عالمي جديد؟وأيا كان هدف المبادرة التي أعلنها الرئيس الصيني شي جين بينج خلال زيارته لكازاخستان في عام ٢٠١٣، فقد لقيت ترحيبا من الدول التي تتطلع إلى استثمارات خارجية بشروط ميسرة، وتشكيكا غربيا يزعم بأنها استراتيجية لبسط النفوذ الصيني على الساحة الدولية. ومع تحول المبادرة إلى مؤسسة مالية يشرف عليها مجلس الدولة الصيني (الحكومة)، ويمولها صندوق طريق الحرير والبنك الآسيوي للاستثمار، بدا واضحا أنها أضخم من مشروع مارشال الذي تبنته الولايات المتحدة لإعادة تعمير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. فالمبادرة الصينية تستهدف إقامة (حزام) من الممرات البرية و(طريق) من الممرات البحرية لربط آسيا وإفريقيا وأوروبا الشرقية، تحت شعار إحياء طريق الحرير القديم، والمتوقع أن تتجاوز تكلفتها ١.٣ تريليون دولار. وخلال خمس سنوات اتسع نطاقها ليشمل بلدان جنوب شرق آسيا إلى المحيط الهندي وشرق إفريقيا والشرق الأوسط وشرق ووسط أوروبا، ومع إعلان بكين في أبريل الماضي أنها سوف تكون مفتوحة لجميع الدول، ولن تقتصر على منطقة جغرافية محددة، امتدت إلى أوقيانوسيا (استراليا وبولينيزيا وميكرونيزيا وميلانيزيا) والمحيط الهادي والمحيط المتجمد الشمالي.وهكذا تحولت المبادرة إلى مشروع طموح طويل الأمد، حيث تقوم الشركات الصينية حاليا بتنفيذ أكثر من١٦٧٤ مشروعا في ٧١ دولة، تمثل نصف سكان العالم وربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، باستثمارات بلغت ٢١٠ مليارات دولار، غالبيتها في آسيا.وكان هذا التوسع متوقعا، فالصين تقدم التمويل والخبرة الفنية لكافة الدول دون شروط مسبقة، من خلال قروض لا تتجاوز فائدتها ٤٪، مع طرق متنوعة للسداد من بينها المقايضة بالسلع مقابل الديون.وفي المقابل لا تطلب من الدول الشريكة غير تنسيق السياسات، والتعاقد مع شركات صينية واستخدام عمال صينيين بكثافة في تنفيذ المشروعات، على عكس صندوق النقد الدولي الذي يمنح قروضا مقابل إصلاحات اقتصادية وسياسية وبشرط توافر القدرة على السداد.وبما أن الصين تقدم قروضا في بيئات ذات مخاطر عالية، فإنها تحصل في حالة العجز عن السداد على تنازلات استراتيجية، أو تستحوذ على الحصة الأعلى من المشروعات، كما حدث في طاجيكستان حيث حصلت على أراض متنازع عليها (١١٥٨ كيلومترا مربعا )، وفي سيريلانكا حيث أجرت ميناء لمدة ٩٩ عاما مقابل ديون.كما توظف المبادرة لتحفيز الاقتصاد الصيني عبر تسويق الاستثمارات وفتح أسواق جديدة للمنتجات وتصريف الطاقة الفائضة في القطاع الصناعي، وأيضا لتعزيز نفوذها الاقتصادي عبر العالم، وتحديدا في آسيا وإفريقيا وأوروبا الشرقية، وبالتنسيق الكامل مع روسيا، التي تعمل هي الأخرى على توسيع نفوذها السياسي في الشرق الأوسط وأوروبا.وهذا تحديدا ما يثير قلق الولايات المتحدة، التي تتهم بكين باستخدام المبادرة لتصدير نموذجها السياسي، وتوسيع وجودها العسكري، واستخدام الموانئ والبنية الأساسية التي تقوم بإنشائها لأغراض تجارية وعسكرية، بدليل إنشاء أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي، وهي اتهامات تنفيها الصين بشدة.وإزاء تلك المخاوف وقعت الولايات المتحدة اتفاقية الشراكة عبر الأطلنطي مع الاتحاد الأوروبي، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، مع ١١ دولة مطلة على المحيط الهادي، بهدف التصدي للطموحات الصينية التي تهدد الهيمنة الأمريكية الأحادية على العالم، كما أعلنت أنها بصدد تمويل مشروعات للبنية الأساسية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي بالتعاون مع اليابان وأستراليا، لإنشاء وتوسيع طرق وموانئ ومحطات طاقة فيما يشكل محاولة لمنافسة الصين.ومع إعلان بكين أن مبادرة الحزام والطريق أصبحت مشروعا عالميا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرب التجارة، التي تستهدف الصين بالدرجة الأولى، وتراجع عن خفض حجم الوجود العسكري الأمريكي في آسيا، بينما عرض الاتحاد الأوروبي استثمارات على دول وسط وشرق أوروبا، لموازنة الوجود الصيني هناك.وبدا واضحا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبالتعاون مع اليابان واستراليا تحاول إبطاء مبادرة الحزام والطريق.من ناحية أخرى بدأت المبادرة تواجه رياحا معاكسة، مع بطء تنفيذ المشروعات، وارتفاع التكلفة، وزيادة حجم العمال الصينيين، وتأخر وصول الاستثمارات إلى الدول الشريكة، خاصة تلك التي تعاني من ارتفاع سقف الديون.وفي ظل هذا الوضع هددت ماليزيا وباكستان وسريلانكا بوقف التعاون مع المبادرة، ما لم تحصل على شروط تعاقد أفضل، بينما أعلنت ثماني دول أخرى وهي جيبوتي وقيرغيزستان ولاوس وجزر المالديف ومنغوليا والجبل الأسود وباكستان وطاجيكستان عدم قدرتها على سداد القروض.ومع توقف ١٤٪ من مشروعات المبادرة أي ٢٤٣ مشروعا من أصل ١٦٧٤ مشروعا حول العالم، اضطرت الصين في يونيو الماضي إلى إجراء مراجعة شاملة لمشروعات المبادرة، الحالية والمستقبلية، بهدف معالجة المشكلات الراهنة، وتخفيف المشاعر المناهضة للوجود الصيني، في الدول المتعثرة. كما قررت إبطاء تدفق الأموال، للمشروعات المتأخرة، والدول المتوقفة عن السداد، والتي ارتفع عددها في منتصف عام ٢٠١٨ من ٨ إلي ٢٣ دولة من أصل ٧١ دولة مشاركة، بينما انخفض حجم التعاقدات الجديدة بنسبة ٦٪ خلال الأشهر الخمس الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.وهكذا تعرضت مبادرة الحزام والطريق، التي تستهدف ربط الصين بأكثر من سبعين دولة في آسيا وإفريقيا وأوروبا، بتكلفة ١.٣ تريليون دولار، لانتكاسة مؤقتة قد تبطئ تقدمها، لكن الصين تبدو مصممة على إعطائها كافة أشكال الدعم، من أجل استمرارها وتحقيق أهدافها في تحفيز الاقتصاد الصيني وإنشاء مؤسسات حول العالم تخدم مصالح الصين التي تتطلع لأن تصبح قوة عالمية ذات نفوذ خلال القرن الحادي والعشرين.