Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :العلاقات العضوية.. مطلقة ومهلكة

20 يوليو 2018
20 يوليو 2018

بقلم: أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تفرض عليك الحياة أن تقيم علاقات مختلفة مع كثير ممن حولك، سواء أكان ما حولك: إنسان، حيوان، جماد، أفكار، تخيلات، معاني، لأنك ببساطة لا يمكن أن تعيش في معزل عن كل هذه الأشياء والتصورات من حولك، وهذه العلاقات كلها تعطيك شعورا بالحياة، وبالبقاء، وبالانتماء، فأنت في النهاية لا يمكنك العيش بدون الآخر الذي تتقاسم معه حلو الحياة ومرها، وعلى هذه الصورة من العلاقات تستمر الحياة، وتبدو أنها نضرة، وجميلة، ولها زوايا مختلفة، ولها صور ومعاني مختلفة، وتظل حياة البشر وفق هذه التشكيلة، وإن حدث أي شيء من شأنه أن يربك هذه العلاقات أو جزءا منها، سيكون ذلك لظرف استثنائي، ولا تلبث المسألة أن تعود إلى سيرتها الأولى.

ولعل أشد العلاقات تعقيدا، هي العلاقات القائمة بين البشر، ويأتي تعقدها بخلاف العلاقات الأخرى ؛لأن البشر ليس من السهل أن يحافظوا على حالات سرمدية من التعاطي فيما بينهم، حيث تقوض المصالح الذاتية هذه السرمدية، وتربكها، أو تحدث فيها تشققات على امتداد مسيرتها، فوق أن الإنسان يعيش حالات من الصراعات النفسية الدائمة أراد ذلك، أو لم يرد فهذا أمر مسلم به، ولعل أحرج هذه الصراعات المتقاطعة في نفسية الإنسان تكون عند حالات التنقل من مرحلة عمرية إلى أخرى، البعض يعيد ذلك إلى تضارب الهرمونات، والبعض الآخر يعيدها إلى نمو الخبرات، والثالث يعيدها إلى مجموعة الظروف الضاغطة التي توجه الإنسان في كثير من الأحيان إلى سلك طرق لم تكن في الحسبان قبل ذلك.

والسؤال هنا: هل الإنسان مجبر على البقاء على علاقات محددة بصورة مطلقة، الواقع يؤكد هذه السرمدية في العلاقات في جوانب عدة، منها: علاقات الرحم (الوالدين، الأخوة والأخوات) عموم الأقارب من الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، والأنساب، وما يتسلسل وفق هذه المنظومات الأسرية الممتدة، هل لهذا النوع سقف زمني محدد للبقاء العلاقات الممتدة وفق هذه السلسلة الرحمية، وما هو حدود العطاء لتعزيز هذا النوع من العلاقات.

النصوص الدينية والقيم الاجتماعية تدعو كلها إلى سرمدية هذه العلاقات، لأن في ذلك تماسك المجتمع، وتعاضده، ولكن تشابكات الحياة، والنوازع الذاتية، تجبرك في كثير من المواقف إلى تغيير تجاه البوصلة، لأن في ذلك أحيانا سلامتك النفسية، والعقلية، وتحقيقا لحريتك الذاتية، فأنت لن تشعر بطعم الحرية في كثير من مواقفك، عندما تجد نفسك وسط كم من العلاقات التي لها استحقاقاتها المعروفة، وبالتالي فأنت أمام خيارين، الأول: إما أن تلغي ذاتك وتعرضها للاستباحة من قبل الآخرين، الذين في نهاية المطاف سيذهبون إلى ما يلبي غرورهم ويحقق طموحاتهم، وتبقى وحيدا، والثاني: أن تحرر نفسك من الالتزام المطلق في علاقاتك مع الآخر، وتخطط لنفسك منهجا معبرا عن قناعاتك وذاتيتك، وهذا ما نلاحظه في ثقافات شعوب كثيرة.

المهم في هذا، أن أي نوع من هذه العلاقات التي نقيمها مع الآخر، لا يجب أن تصل إلى مستوى العلاقات العضوية، وهي العلاقات التي لا يتوفر فيها متسعا من المراجعة، حيث نتلبس الآخر؛ عبر هذه العلاقة ونختزل الوجود كله في شخص هذا الآخر أو ديمومته، عندها ليس فقط ننسى العالم من حولنا، وأن هناك زوايا أخرى تحتاج إلى إقامة علاقات ثنائية معها فقط وإنما نلغي وجودنا كله، ونصبح مرهونين لآخرين، وهذه إشكالية الكثيرين منا.

كتب أحدهم يقول: مؤلم أن نرى من نحبهم قد كبر بهم الزمن وصغرت نفوسهم، تصرفاتهم أنانية، مواقفهم همجية، يخبئون ما هو مكشوف للعلن، كأنهم يخبئون أنفسهم من أنفسهم (...). وتعليقا على هذا الجزء من النص، أقول: غدا سنكون في نفس الموقف، عندما ننسحب شيئا فشيئا من علاقات كثيرة كانت تربطنا بالآخر الذي يقيمنا بهذا الوصف، فقد نفدت بضاعتنا، وما كان يجب أن نهدي بضاعتنا كاملة لعلاقات نحسبها عضوية، فغدت مرهونة بظرف ما فقط.