1390035
1390035
إشراقات

د. كهلان: علينا أن نحصّن أجيالنا وننفي عن أمتنا الشبهات والأباطيل التي يثيرها أعداؤنا

19 يوليو 2018
19 يوليو 2018

أسباب اتصال بعضنا ببعض وتآخينا وتوثيق صلاتنا لا يصح أن تكدرها شائبة -

الصلة بالله تعالى تكون بالإيمان والعمل الصالح والعلم -

متابعة:  سالم الحسيني -

ثبت لنا أن القرآن يجمع ولا يفرّق، يؤلف ولا يشتت، يورثنا العظة والنور لأن الله تبارك وتعالى أودع فيه المواعظ والنور، يورثنا الهداية إلى الصراط المستقيم، والصلة بالله تبارك وتعالى تكون بالإيمان والعمل الصالح والعلم.. فلئن كنا ننتسب إلى هذا الدين الحنيف فإن أسباب اتصال بعضنا ببعض وتآخينا وتوثيق صلاتنا ببعضنا البعض لا يصح أن تكدرها شائبة من أي نوع من العصبيات..

ولو تدبرنا في كتاب الله عز وجل لأورثنا ذلك ما نصبو إليه من خير وصلاح وألفة ومحبة، ولأمكن لنا أيضا أن نستفيد من ميراث الرسالات السابقة مع ما أكرمنا الله تبارك وتعالى من الرسالة الخاتمة فنحصّن أجيالنا وننفي عن أمتنا هذه الشبهات والأباطيل التي يثيرها أعداؤنا وخصومنا.. ذلك ما أوضحه فضيلة الدكتور الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي مساعد مفتي عام السلطنة في محاضرته التي ألقاها مؤخرا بولاية جعلان بني بوعلي.. فإلى الجزء الثاني والأخير من هذه المحاضرة:

يستكمل فضيلته الحديث في هذه المحاضرة قائلا: الآن نأتي إلى الآية التي عليها مدار الحديث،: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، لاحظوا كيف كان الجواب من الله تبارك وتعالى لنوح عليه السلام: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)، مع أن نوحا عليه السلام هو رسول كريم عند الله تبارك وتعالى وقد أثنى عليه بقوله: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) وحتى في سورة ألإسراء: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا)، وقال: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) ولكن مع ذلك هذا العتاب الإلهي لنوح عليه السلام مع ما فيه من معاني الصفاء والاجتباء لنوح عليه السلام لكن منزلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظم، ففي الموضوعات التي عوتب فيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نجد أن العتاب بمختلف، فالله سبحانه وتعالى يقول على سبيل المثال في حادثة من استأذنه من المنافقين في عدم الخروج: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ)، وأيضا في قصة ألإسراء: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ)، وقوله: (عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) لأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أعظم الرسل على الإطلاق، وفي هذا أيضا عبرة وعظة لنا إن نعتز بانتمائنا إلى أمة محمد خاتم الأنبياء والمرسلين سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم وسلم، ولهذا جاء الخطاب: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ).

وأضاف: في قوله سبحانه وتعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) مرة أخرى نجد هنا الأدب الأبوي الجم، والخلق الرفيع السامي الذي نحتاج إليه في صلتنا بالله تبارك وتعالى، فإن استقامت هذه الصلة استقامت صلاتنا مع إخواننا أهل الإيمان، حيث نجد ذلك الانكسار والاستجابة التامة الفورية من نوح عليه السلام، فقد استعاذ من سؤال ربه ما ليس له به علم، أي علم صحيح، معقبا بقوله: كم نجهد أنفسنا اليوم في سؤال ربنا ما ليس لنا به علم ونعرض عما شرعه لنا ربنا عز وجل من حسنات الدنيا والآخرة، فتجد الواحد منا يصر ويلح في السؤال في أمر لم يشرعه الله تبارك وتعالى، من ظلم أخ مسلم أو من التنقص من قدره، أو من تحقيره أو من تهيئة الأسباب لذلك، أو أن يطلب ما يخالف النواميس التي أرساها الله تبارك وتعالى في هذا الكون، فقول نوح: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) أما أن يدل بمنطوقه أي ما ليس لي به علم صحيح، وهذا يشمل أمرين: أن يكون سؤاله مشروطا بما يعلم حكمه أنه من الجائز ومن المباحات شرعا، والثاني أي أن يكون في ما هو من نواميس هذه الحياة سننها التي أرساها الله سبحانه وتعالى في هذا الكون أو أن يكون المقصود أي ما أعلم منفعته لي فلا أسألك إلا ما أعلم أن فيه نفعا وصلاحا لي فأنا التجئ إليك من أن اسألك إلا بما فيه نفع ومصلحة لي يا رب.

وأوضح قائلا: في هذا الجزء من هذه الآية القرآنية الكريمة ينبغي لنا أن نفهم أننا نلح كثيرا في السؤال ونتكلف عسرا في دعائنا لربنا تبارك وتعالى، وكثيرا ما نطلب ما هو مستحيل، فتجد ذلك المقصر في حقوق إخوانه يدعو ربه أن يصلح ما بينه وبين الناس، أو ذلك الذي يهمل في طلب العلم يسأل ربه تبارك وتعالى أن يهبه علما ثم يقضّي ساعات الليل والنهار نوما وكسلا، أو ذلك الذي يريد رزق وفير فإنه يجأر إلى ربه بالدعاء دون أن يجتهد في الاكتساب والعمل، أو كما تقدم نجعل من الدعاء وسيلة للتشفي، وأكل أموال الناس والخوض في أعراضهم أو أن ينالهم من الشر والأذى والضر ما لا مزيد عليه، أو أن يلح في الدعاء لأمر يريد أن يصرفه الله تبارك وتعالى عنه لكنه يصر ما يريد إلا ذلك، ما أن الهدي القرآني حينما ننظر إلى ثناء الله تبارك وتعالى إلى أوليائه المتقين وجاء في دعائهم أن يقولوا: (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

وأشار إلى أن هذا النبي الكريم نوحا عليه السلام بعد أن سأل ربه وجاءه الجواب يستغفر ربه ويطلب رحمته ويخشى أن يكون من الخاسرين حينما قال: (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فهل تلاحظون أن هذا الدعاء هو دعاء أبينا آدم وزوجه عليهما السلام، (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وقد قاله نوح أبو البشرية الثاني، وكذلك قاله سيدنا يوسف عليه السلام: (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، وقاله موسى عليه السلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فهل أحد منهم قال: إني وقعت في هذه المعصية أو هذا الخطأ أو هذا الزلل لأن فلانا من الناس أغواني أو أن الشيطان أغواني، أو أن المجتمع دفع بي إلى أن أقع في ذلك الزلل؟ وهل أحد منهم أسند السبب إلى غير نفسه؟ مجيبا: إنه لم يكن ذلك أبدا. فهم يقفون في محراب التذلل في مقام الله تبارك وتعالى وهم يجأرون بالدعاء قائلين: (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، ونحن اليوم أناسا يأنفون من أن يعترفوا فيما بينهم وبين بارئهم سبحانه وتعالى بما أوقعوا فيه أنفسهم فتراهم يعللون ويبررون ويذكرون الأسباب ويحتجون بفلان أو فلان أو بظروف أو بأوضاع لكن أنبياء الله الكرام عليهم السلام كانوا يقولون كما قال آدم وزوجه: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، والآن هذا الجزء من الآية الكريمة متصل اتصالا وثيقا بالآيات التي جاءت قبل هذه الآية، لأننا لا نجد دعاوى فارغة للإيمان وإنما نجد إيمانا راسخا وعملا صالحا وجدا واجتهادا وتقربا إلى الله تبارك وتعالى فإن حصل زلل أو خطأ فاستغفار وتوبة وطلب رحمة من الله سبحانه وتعالى وخوف ووجل منه، لأن معنى قولهم: (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) أي أننا نخاف ونخشى أن نكون من الخاسرين يا إلهنا، فنجنا بلطفك ورحمتك واقبل توبتنا واستغفارنا.

وقال فضيلته: ولو أن الناس انتبهوا إلى أنفسهم وتنبهوا إلى خبايا هذه النفوس وتبصروا بعيوبها وسألوا الله تبارك وتعالى المغفرة وتابوا منها وجدوا واجتهدوا في العمل فإن الله تبارك وتعالى قد وعدهم بالإجابة، ولذلك حتى في هذا السياق مباشرة.. (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)، ولذلك في سورة نوح لما قال: (رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) لما تبين أن ذلك بعدما أوحى الله عز وجل إليه: (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)، وبعدما طلبوا هم العذاب فقال هذا الدعاء ألحقه بعده: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا)، فقد أتقن نوح عليه السلام التأديب الرباني وفهم العتاب الإلهي الذي عاتبه به ربه سبحانه فقال ذلكم الدعاء، فقد شمل الدعاء من أهل بيته أو من غيرهم من المؤمنين ثم عمم على المؤمنين والمؤمنات الموجودين معي في عصري أو الذين يأتون من بعدي، فيشمل دعاؤه كل مؤمن ومؤمنة ولو جاءت بعد عصور متلاحقة.

وبيّن فضيلته في هذا السياق أن سيدنا نوحا عمّر ما يقرب من ألف عام يدعو لنفسه ولوالديه اللذين عمّرا قبله بقرون فلم ينسهما.. وهذا متناسب تماما مع هذه الآية: (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

واختتم فضيلته هذه المحاضرة بذكر خلاصة ما أفاض به حول هذا الموضوع فقال: تعرفنا على ما واجهه نوح عليه السلام وهو ذو المنزلة الرفيعة عند الله تبارك وتعالى، وكيف لاقى المحن والشدائد من قومه فصبر عليهم وصبر لله تبارك وتعالى وما تعلل بالظروف القاهرة من حوله وإنما واصل أداء ما كلف الله عز وجل به مع تنويعه للأساليب، وتعرفنا أيضا أن قوم نوح عليه السلام كما وصفهم الله تبارك وتعالى كانوا من أطغى الأمم وأظلمها مما يعني أن نوحا عليه السلام لاقى من العنت والشدة والصدود ما لا مزيد عليه، ولكنه مع ذلك تحلى بما يليق بمنزلة الرسالة التي اصطفاه الله تبارك وتعالى بها حينما خاطب ربه، فخاطبه بكل خشوع وتواضع وتذلل، وعلينا أن نستلهم هذه المعاني من دعاء نوح عليه السلام في دعائنا لله تبارك وتعالى وفي صلاتنا مع بعضنا البعض، ثم انه لما تلقى البيان الرباني بأن ابنه ليس من أهله لأن ما وقع فيه الابن قاطع للصلات مع أن أباه هو من هو في المنزلة إلا أن القضية ليس قضية أنساب وأحساب، وإنما هي قضية إيمان وعمل صالح، ولهذا نص الله تبارك وتعالى على هذه الحقيقة.. (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) فاستحق أن يكون مبعدا من الاتصال بك، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سلمان منا آل البيت» لأن العبرة ليس بالنسب والدم وإنما العبرة بالإيمان والعمل الصالح، ونحن اليوم في مجتمعاتنا وفي وطننا الغالي العزيز عمان أحوج ما نكون إلى هذا الدرس مع وضوحه ويسره، فلئن كنا ننتسب إلى هذا الدين الحنيف ونعيش في هذه الأرض من هذا الوطن الغالي علينا جميعا فإن أسباب اتصال بعضنا ببعض وتآخينا وتوثيق صلاتنا ببعضنا البعض لا يصح أن تكدرها شائبة من أي نوع من العصبيات، ولهذا في حديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال: (ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) هذا ما يتفق تماما مع قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، ومع قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، كذلك ثبت لنا أن القرآن يجمع ولا يفرّق، يؤلف ولا يشتت، يورثنا العظة والنور لأن الله تبارك وتعالى أودع فيه المواعظ والنور، يورثنا الهداية إلى الصراط المستقيم لأن الله تبارك وتعالى جعله كذلك.. (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) فكيف نتلمس أسباب الاجتماع والالتقاء والتآخي بعيدا كتاب الله عز وجل، كما ثبت لنا أيضا أن هذه المعاني غير مستغلقة على الأفهام فأنا لم اضطر إلى أن أشرح معنى كلمة واحدة من هذه الآيات، فكلها واضحة المعاني نستعملها لكننا لا نتدبر، ولو تدبرنا في كتاب الله عز وجل لأورثنا ذلك ما نصبو إليه من خير وصلاح وألفة ومحبة، ولأمكن لنا أيضا أن نستفيد من ميراث الرسالات السابقة مع ما أكرمنا الله تبارك وتعالى من الرسالة الخاتمة فنحصّن أجيالنا وننفي عن امتنا هذه الشبهات والأباطيل التي يثيرها أعداؤنا وخصومنا، كذلك لما قال ربنا في هذه الآيات: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) دلالة واضحة على أن الذي يقدم الناس إنما هو إيمانهم وصلاحهم وتقواهم وعلمهم ولذلك قال: (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، وكم نرى في واقع المسلمين اليوم أناسا يتصدرون بلا علم، ويدعون أنهم أولياء لله تبارك وتعالى بلا عمل، ونجد قطعانا من أبناء هذه الأمة يلتفون حولهم ويقدسونهم ويبجلونهم، وهذا ليس من الدين لا نجده في كتاب الله عز وجل فإذا كان هذا النبي الكريم الذي يعلن لنا ربنا وتبارك وتعالى أن صلته بابنه من صلبه تنقطع لأنه (عمل غير صالح) فكيف بغيرهم من البشر من غير الأنبياء والرسول عليهم السلام، وكذلك الحال بالنسبة لامرأته ضرب الله تبارك وتعالى بها المثل في كتابه الكريم بأسوأ النساء في التاريخ على الإطلاق، فكابد نوح حتى داخل بيته لكن الصلة تنقطع فالولاية لله تبارك وتعالى إنما تكون بالإيمان والعمل الصالح والعلم، هو الذي يرفع أو هذه الخصال هي التي ترفع الناس وتعلي منازلهم بها يشرفون وهذا يستوي فيه الناس جميعا، فمن أخذ بهذه الأسباب استحق من الله تبارك وتعالى المنزلة العالية الرفيعة في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة، لكنه مع ذلك عرضة للخطأ والوقوع في الزلل وهذا هو هدي الأنبياء والمرسلين فإنهم يتبتلون إلى الله تبارك وتعالى ويطلبون رحمته ومغفرته ويستعيذون به من أن يكونوا من الخاسرين.