أفكار وآراء

قراءة في نتائج القمة الأمريكية- الروسية

18 يوليو 2018
18 يوليو 2018

عبد العزيز محمود -

كما كان متوقعا اختتمت القمة الأمريكية الروسية أعمالها في العاصمة الفنلندية هلسنكي يوم ١٦ يوليو الجاري، دون أن تحقق تقدما سواء على صعيد العلاقات الثنائية، أو القضايا ذات الخلاف وفي مقدمتها العلاقة مع إيران وتركيا وفنزويلا والأوضاع في سوريا وأوكرانيا والحد من التسلح وخطة ترامب للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

ولم يكن في هذه النتيجة أية مفاجأة، فقد عقدت القمة في ظل تدهور حاد في العلاقات بين البلدين، بدأ بقصف حلف شمال الأطلسي ليوغسلافيا السابقة في عام ١٩٩٩ ودعم واشنطن لثورات جورجيا وأوكرانيا ، ثم غزو العراق عام 2003 ، مرورا بالتدخل الروسي في أوكرانيا وضم موسكو لشبه جزيرة القرم، والعسكري الروسي في سوريا .

كما عقدت القمة في ظروف غير مواتية، ووسط تحقيقات مكثفة حول التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الأمريكية، أسفرت قبل أيام من انعقادها عن اتهام ١٢ مسؤولا في الاستخبارات العسكرية الروسية بالتورط في هذه القضية، بالإضافة إلى خلافات حادة بين واشنطن وحلفائها في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى و في حلف شمال الأطلسي، والذين يتهمون الرئيس ترامب بالتقارب مع موسكو على حساب العلاقات والمصالح المشتركة معهم.

اضف إلى ذلك احتدام المنافسة بين واشنطن وموسكو حول إمداد أوروبا بالطاقة، ورفض روسيا وقف تعاونها مع السعودية لتصحيح أسعار النفط ، وتضررها من حرب التجارة التي أشعلها الرئيس الأمريكي، بوصفها دولة منتجة للصلب والألومنيوم. لكن موسكو استفادت بكل تأكيد من قمة ترامب- بوتين في تحطيم خطة الغرب لعزلها والتعامل معها باعتبارها دولة منبوذة، حيث ظهرت على المسرح العالمي وكأنها تحتل مكانة مساوية للولايات المتحدة، وبدا الرئيس الروسي باعتباره ندا للرئيس الأمريكي، فيما يشكل نجاحا في استعادة الثقل الدولي الذي خسرته روسيا في عام ١٩٩١ بانهيار الاتحاد السوفيتي.

ورغم عدم صدور بيان ختامي للقمة فقد أكد الرئيسان في المؤتمر الصحفي الذي تلا القمة حرصهما على تطوير العلاقات الثنائية، على الرغم من تباين موقفهما تجاه القضية الأبرز محل الخلاف، وهي التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الأمريكية.

فبينما كان بوتين حازما حين نفى أي علاقة لبلاده بهذه القضية، شكك ترامب في استنتاجات وكالات الاستخبارات الأمريكية بشأنها، مما أثار انتقادات عنيفة ضده في الولايات المتحدة، وطالب أعضاء بارزون في الكونجرس بتشديد العقوبات ضد روسيا، حال تدخلها مجددا في أي انتخابات أمريكية مقبلة ، بما في ذلك انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.

وهو تهديد لا يجب التهوين منه، فقد أقر الكونجرس، الذي يعطيه الدستور صلاحيات إلى جانب الرئيس في مجال السياسة الخارجية، عقوبات ضد موسكو في العام الماضي شملت مسؤولين روسا ردا على التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الأمريكية.

وفي الوقت الذي أعرب بوتين عن أمله في تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، والتي تبدو ضئيلة مقارنة بتجارة الولايات المتحدة مع أوروبا، ركز ترامب على تعاون البلدين في مجال الأمن السيبراني والحد من التسلح ، وحماية اللاجئين السوريين.

وكانت المفاجأة الأكبر بعد القمة إعلان وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس استعداده لإجراء محادثات مع نظيره الروسي سيرجي شويجو، بهدف تعميق التواصل بين البلدين، وهي محادثات ربما تكون الأولى من نوعها منذ عام ٢٠١٥ عندما تدخل بوتين عسكريا في سوريا .

وهي دعوة لم تكن متوقعة على الإطلاق، فماتيس من أشد منتقدي روسيا ، ويعتبرها هي والصين مصدر تهديد للولايات المتحدة ، وإن كان ذلك الموقف لم يمنعه من زيارة بكين في يونيو الماضي، حيث أجري محادثات مع الرئيس الصيني شي جينبينج وكبار المسؤولين حول مخاوف واشنطن من أنشطة الصين العسكرية في بحر الصين الجنوبي.

وبدا واضحا من هذه الدعوة أن « ماتيس» يحاول أن يدعم جهود الرئيس ترامب من أجل تحسين العلاقات بين القوتين النوويتين الأكبر ، وهو ما اعتبرته موسكو أحد المكاسب السياسية لتدخل الجيش الروسي في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا وسوريا. لكن تطوير العلاقات الأمريكية الروسية يتطلب ما هو أكثر من ذلك، وفي المقدمة رفع جزئي أو كلي للعقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا ، وهو إجراء يلزمه موافقة الكونجرس، الذي يشترط أولا حل النزاع بين روسيا وأوكرانيا.

كما شهد تطوير العلاقات تراجعا من جانب موسكو عن خطتها لاستعادة النفوذ في البلقان ودول البلطيق والشرق الأوسط، وعدم تصديها لاستراتيجية واشنطن التي تستهدف زعزعة الاستقرار في مناطق من العالم لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.

وهي مطالب قد تبدو مستحيلة في الوقت الراهن، خاصة مع التماسك الواضح في الموقف الروسي، والتخبط على الجانب الآخر، بين رغبة من جانب الرئيس ترامب في تطوير العلاقات، وتحفظ من جانب الكونجرس ، واتهامات من جانب حلفاء واشنطن لترامب بالتقارب مع موسكو على حساب علاقات بلاده التاريخية معهم. ويبدو الاتهام الأخير صحيحا إلى حد ما، فالرئيس الأمريكي فرض رسوم جمركية على حلفاء بلاده، وانتقد شركاءه في حلف شمال الأطلسي، لعدم إنفاقهم ما يكفي على الدفاع المشترك، واعتبر الاتحاد الأوروبي خصما ، ولم يوجه في المقابل انتقادا واحدا للسياسة الروسية وإن كان وصف روسيا بأنها خصم أيضا .

وفي ظل هذا المناخ المتوتر كان من الطبيعي أن تستدعي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ مايك بومبيو وزير الخارجية للإدلاء بشهادته حول قمة ترامب – بوتين في هلسنكي، على خلفية تشكيك ترامب في استنتاجات وكالات الاستخبارات الأمريكية ، التي حذرت مجددا من حدوث هجمات إلكترونية روسية مستقبلا تستهدف البنية التحتية الرقمية.

ومع تواصل الجدل حول القمة الأمريكية الروسية، التي كانت أشبه باستعراض أراد به الرئيس الأمريكي الإيحاء بأنه يحقق إنجازات على الصعيد العالمي، بينما استفاد منها الرئيس الروسي في إنهاء عزلة بلاده، واستعادة مكانتها على المسرح العالمي، يمكن القول بأن الخلافات بين واشنطن وموسكو أعمق كثيرا من أن تحلها قمة واحدة.