AHMED1111
AHMED1111
أعمدة

دربات الذاكرة والتاريخ

18 يوليو 2018
18 يوليو 2018

أحمد بن عامر المعشني -

للأمكنة ذكريات وأسرار في سيرورة التاريخ وذاكرة الأيام والعقل الجمعي للمجتمعات، ولدربات وواديها الشهير بولاية طاقة بمحافظة ظفار قصص وذكريات وأساطير وخرافات لا تنتهي ولا تشيخ.

فدربات التي اختزلت اليوم في وادٍ يانع ومرعى ومساقط مياه خريفية تتسابق لرؤيتها الأقوام من داخل السلطنة وخارجها لها امتداد وأعماق في دفاتر الأيام وجنبات السنين.

فدربات تمثل الحياة بكل مضامينها ومعانيها الواسعة والشاملة كمرعى لا يشيخ طوال العام ومياه لا تعرف التوقف وزراعة موسمية تشكل مورد رزق وأمن غذائي حيث عرفت أرض دربات بزراعة أنواع البقول والبطاطس الحلوة (الفندال) وأنواع الذرة وجميعها محاصيل قابلة للتخزين والادخار لمواجهة مواسم الجدب والشح في الأمطار إضافة إلى عوائدها التجارية من البيع النقدي أو المقايضة، وكذلك بعض أنواع الخضار.

ولدربات دور أم رؤوم حانية في مواسم الفيضانات والأعاصير والعواصف المدارية حيث تجود بكهوفها وتجاويفها الصخرية ذات الهندسة الربانية الرائعة، ومن مؤثرات عوامل النحت والتعرية التي تمارسها الطبيعة لتؤوي السكان وممن يلوذون بها حيث توفر لهم الأمن والأمان هم وحيواناتهم من تلك الحالات الطبيعية -المعروفة لدى سكان ظفار- بلا من ولا أذى.

ولدربات حضور في تاريخ محافظة ظفار حيث يصفها بعض الرحالة ممن زاروا ظفار بأنها مصدر مهم للمياه وموقع مثالي للإيواء من في الحالات المناخية الطارئة ويعتقد البعض منهم بأنها كانت امتدادا طبيعيا وعونا سخيا للأقوام التي سكنت بميناء سمهرم وشيدت حضاراتها وتاريخها انطلاقا منه، حيث شكلت دربات معين ماء وغذاء وملجأ مثاليا لهم.

يوجد بوادي دربات ضفتان، تُعرف الغربية منه بالصخرة اليابسة والأخرى بالصخرة الرطبة، وتتوسطهما قمة مصنين التي تشرف على الوادي وميناء سمهرم معا وتوجد بقمتها مستوطنة قديمة جُلبت أحجارها من المناطق الساحلية وتتسم بشكلها المنحوت ويحيط بها جدار من جهات عدة. كانت المياه بوادي دربات وإلى عهد قريب دائمة الجريان حيث تلتقي روافد عين (ناجب) وعين (الغيظة) في الوادي وتترافق مياههما لاحقا لتنساب إلى البحر مرورا بميناء سمهرم.

لدربات وواديها هيبة المكان ورهبته مكسوا بجمال طبيعي فتان ومبهر وجاذب، محفزا للإبداع ومولعا لقرائح الملهمين من الشعراء والكتاب والأدباء، لهذا شكلت دربات مصدرا مثاليا للإلهام ومحرضا كبيرا للمبدعين ولا تزال تستقطب بسحرها ألباب وعقول هواة التصوير والفنانين التشكيليين وتحفز عقول السينمائيين والإعلاميين .

لكل جيل ذكرى وجميل لدربات وأوثق تلك الذكريات ما تروى على ألسنة بعض الأحياء من المعمرين حيث شق لها طريق للسيارات عام 1940م ويتذكر هؤلاء الزيارة التاريخية للسلطان سعيد بن تيمور بعد شق الطريق وتسويته لمرور السيارات، كما يتذكرون فضل دربات في التخفيف من آثار المجاعة على سكان ظفار بفعل آثار الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م) حيث تكاتفت الجهود في محافظة ظفار لزراعة البقول والبطاطس الحلوة والذرة بأنواعها والنارجيل والفافاي والموز والتوابل في مزارع ساحل صلالة ومساحات واسعة من وادي دربات.

وقد كشف مصدر مسؤول بوزارة السياحة عام 2013م للصحافة المحلية عن وجود دراسة متكاملة أعدها الاتحاد العالمي للطبيعة لوضع التصورات لكيفية النهوض بوادي دربات سياحيا دون الإخلال بخصوصيته الطبيعية والبيئية وبما يحفظ هوية المكان وتاريخيته عبر تضافر الجهود الحكومية والأهلية في ذلك، ولكن هذه الدراسة لم ترَ النور ولم تنفذ أي جزئية منها.

ويأمل أهالي المنطقة وسكان الوادي أن يسارع إعصار مكونو وآثاره ويسهما في إنضاج قناعة المسؤولين بضرورة شق طريق آخر من الجهة الغربية عبر منطقة شيحيت بنيابة مدينة الحق بولاية طاقة والذي تأجل لسنوات عدة وبذرائع مختلفة لما له من أهمية في المساعدة على التنقل والإخلاء لسكان المنطقة والوادي معا في الظروف العادية والطارئة.